جمال باراس يكتب: الإمارات وتونس.. الأزمة المُختلقة

مقالات الرأي

جمال باراس
جمال باراس


 أبلغ صورة تُعبر عن الدولة التُركية هي شخصية "بيري" التي نشأت فى أسرة مُفككة بسبب الخلافات العقائدية بين أمها المتدينة جدًا، وأبيها اليسارى الذى يُعارض كُل أفكار أمها المُحجبة المتشددة دينيا، أما الأشقاء فالأكبر يسارى ماركسي، والأصغر قومى مُتعصب، وهى بينهما مشتتة لا تعرف إلى من تنحاز أو كيف تختار، فتصوم بعضًا من رمضان فى حين أنها لا تُمانع فى إقامة علاقات جنسية مع شاب لمُدة ليلة واحدة لمجرد التغلب على الملل والأرق فى حياتها، كما أنها تشرب النبيذ ولكنها ترفض أكل لحم الخنزير.
 
ولعل الصورة النمطية لأردوغان فهو التقي المؤمن المُجدد الساعي لإعادة الخلافة الإسلامية وهو أيضًا الحريص علي تحالفة مع دول الناتو ومع إسرائيل والمتعاون معها، الذي يسمح بكل شئ من أجل تنشيط السياحة التُركية والذي لا يتردد في قمع وتعذيب المُعارضين له بكل الوسائل.
 
شخصية "أردوغان" بوهيمية متذبذبة تنكشف يومًا بعد يوم لمناصريها كان له موقف آثار الكثير من الاستهجان بدعوته لقمة إسلامية دون تنسيق مع الدول الإسلامية الكبرى، حيث أخرج القمة عن هدفها و أضعفها وخرجت بنتائج أضعف من أن نعول عليها، يُهلل له أنصاره دون تحليل لمواقفه ولا وقوف على أفعاله.
 
ينجر الكثير من المخدوعين لهذا التهليل "الأردوغاني" رغم أن السياسة الخارجية التُركية تعززت أكثر واكثر مع أسرائيل وأصبح التعاون العسكري والاقتصادي يُشكل علاقة استراتجية تناقضية تتمثل في الخطاب المُعلن مع النهج الذي يسير وهو ما يجعلنا أمام حالة تتطلب دراسة.
 
وأخيرًا حدثت أزمة تم اختلاقها من قبل أردوغان بالاهتمام بـ"ريتويت" للشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي تتحدث عن وقائع تاريخية صحيحة واتخذها ذريعة للهجوم على أبوظبي وحُكامها، حيث أنها لم تكن المرة الأولي ففي عام 2015 تحدث عن تدخل سياسي.
 
و"أردوغان" بهذا يُريد أن يختلق معركة وهمية ليبعد أنظار الكثيرين عن المعركة الأساسية، فقد أخفق إخفاق مُتعمد في المؤتمر الإسلامي لمواجهة قرار ترامب الذي يمس بمقدسات المسلميين، وبدأت الأنظار تنسحب عن ما أحدثه ليقوم بخداع الجماهير باستراتيجية مفضوحة سرعان ما ستظهر، حيث أثبت الواقع عدم صمودها ولكن لغاية مؤقتة وهو عدم إظهار حقائق التناقض الذي تعيشه تركيا.
 
وبالرغم من أن أنقرة دولة عسكريًا قوية ومحسوبة علي التيار السني و تسعي لتوسيع نفوذها وتشترك بشريط حدودي كبير مع إيران إلا أننا أمام لغُز يتفكك، حيث كان الموقف التُركي من عاصفة الحزم  في مواجهة الحوثيين موقف يثير الدهشة، فما أن أعلن التحالف حتي انت المفاجأة بزيارة أردوغان لطهران في 7-4-2015م ويسبقه موقف لعب دور وسيط في الملف النووي الإيراني وترحيب برفع الحصار وتنسيق اقتصادي ولم تكون الزيارة الأخيرة ولكن تأتي زيارة أخرى في 4-10-2017م لتؤكد علو المصالح علي كل شئ وفي الوقت الذي تتحد الدول للتحالف ومواجهه الخطر القادم من إيران ترفض تركيا أي مساس بالمصالح الاقتصادية الإيرانية.
 
ويتمسك  الإخوان المسلمين بهذا النموذج للترويج له ويعتبروه مثال للدولة التي فشلوا في تنفيذها، وبعد أن انكشفت حقيقتهم التي تتلخص في الإعلان عن مشروع وعند تنفيذه في الواقع يكون عنوانه استبعاد الجميع  حتي وأن كان الآخر من أبناء الوطن ولكنه لابد ليس فقط  مؤيد وأنما مُنخرط في أعمال الجماعة وتم تصنيف أعضاء الجماعة إلى أعضاء ما قبل الثورة وما بعدها وما بعد الانتخابات.
 
وما أن فشلوا حتي حاولوا أن يوجدوا مبررات فشلهم واعتبروا أنفسهم في عداوة مع النظام المصري والدولة المصرية وكل من يساندها وممن يساندها أو يساعدها فكانت المملكة السعودية ودولة الإمارات ضمن قائمة الأعداء واستغلوا كل فرصة ليكيلوا سهامهم وتوددهم للنظام التُركي ومعالجته للأمور يؤكد إمكانياتهم لقلب الحقائق، فالبرغم حسب ما أشرنا أن الأزمة الحالية بين أنقرة وأبوظبي سببها ذكر وقائع حقيقية تاريخية الا أنه تم استغلالها.
 
 
خاطرة تونسية
 
 تاتي الازمة التونسية الاخيرة التي هي عبارة عن واقعة واضحة تحدث كل يوم في مطارات العالم فقد طلبت الخطوط الجوية الإماراتية بعدم السماح للنساء التي لا تحمل جواز دبلوماسي أو إقامة بدولة الإمارات من الصعود للطائرة وذلك لوجود معلومات استخباراتية بان هناك عملية إرهابية محتملة وتم التعامل معها من منطلق سيادي.
 
ورغم الحق السيادي للإمارات في أزمتها مع تونس إلا أن هُناك حملة متصاعدة منظمة على مختلف وسائل التواصل تزعم قيام الإمارات بإجراء عنصري باستبعاد النساء وقاموا بإثارة النعرات الوطنية لدي الوطنيين واعتبروا فعل الإمارات ماسًا  بكرامة وشرف الشعب التونسي وحاولوا أن يظهروا ذلك بمختلف وسائل التواصل ومارسوا الضغوط  علي الحكومة التونسية لاتخاذ إجراء وهي التي سارت المسار الذي يعتبر أكثر تشددا وتطرفًا وغير متوقع لقيامها باستدعاء السفير الإماراتي وطلب الاستفسار ولم تكتفي التيارات بما تم وإنما أيضًا صعدت من مطالبتها وضغطها مما جعل الحكومة تتخذ قرار سيمثل خسارة كبيرة للدولة التونسية وكذلك للمواطنين التونسين وهو إيقاف الطيران الإماراتي وهو أمر بلا شك سيؤثر علي سته عشر الف تونسي يعملون بالإمارات بالإضافة إلى خمسمائة تونسي يعملون بالخطوط الإماراتية.
 
إلا أن هُناك بيان معتدل صدر ليلة أمس يؤكد على حقيقة العلاقات الأخوية القوية والمتينة بين الدولتين وأكد علي حق الإمارات باتخاذ أي إجراء لحماية وطنها ضمن حقوقها السيادية ولا يمس او ينتقص من أي مواطن تونسي.
 
وقد التقط أبناء زايد هذه الرسالة بأخلاقهم السامية التي رباهم عليها الشيخ زايد رحمه الله وتجاوزوا عن كل ما حدث وارتفعوا عن البذاءات التي طلقتها  أجهزة إعلامية معروف توجهاتها ولم يقوموا باتخاذ أي إجراء تصعيدي رغم حقهم الواضح الذي تم التعدي عليه بضغوط، إلا أن كُل ذلك يدفعنا إلى أن ندرس بكل دقة النشاط الإعلامي المحموم و الخطوات التصعيدية التي تم اتخاذها وكيفية استغلال  وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات المواقع الإخبارية لتحقيق نتائج ومكاسب سياسية حتي بممارسة الأكاذيب، ومن المُمكن أن تؤثر على العلاقات العربية العربية لمصالح أشخاص أو أحزاب أو جماعات وهو ما يتطلب مواجهة مجتمعية وأيضًا يتطلب المزيد من الجهد لإظهار الحقائق.