نص كلمة بطريرك الأقباط الكاثوليك بقداس "عيد الميلاد المجيد"

أقباط وكنائس

الأنبا إبراهيم إسحاق
الأنبا إبراهيم إسحاق - بطريرك الأقباط الكاثوليك


يترأس الأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الأقباط الكاثوليك، قداس عيد "الميلاد المجيد"بكاتدرائية القديسة العذراء بمدينة نصر.

ووجه الأنبا إبراهيم رسالة  للأساقفة والرهبان وجميع أبناء الكنيسة القبطية الكاثوليكية في مصر وبلاد المهجر، بمناسبة عيد الميلاد، تحت عنوان "ميلاد المسيح هو الفرح".


وجاء نص رسالة الأنبا إبراهيم كالتالي: «لم تجد مريم العذراء ويوسف النجار إلا مغارة تأويهم مع الطفل يسوع، وكأن هذا العالم قد خلى من مكان لولادة الطفل، مريم العذراء تشعر ببرد قارس، والتلال من حول بيت لحم صامتة فارغة، حتى سُمع صوت الطفل يعلن قدومه إلى هذا العالم، ولادة عجائبية لم تحدث من قبل ولا من بعد أن يولد طفل دون نسل بشري، ولا زرع إنسان، فهو ليس إنسانًا تحت الخطيئة كباقي البشر، بل هو محبة الله الذي سكب نعمة روحه القدوس في كيان مريم، وقد أوضح الملاك ملامح شخصيته العجيبة فقال لها "إن الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك ولذلك فالقدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو1: 35)، ثم يأتي بعد ذلك إنجيل يوحنا ليضع هذه الكلمات في أسلوب لاهوتي فيقول: "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله والكلمة هو الله" (يوحنا 1: 1)، ويؤكد بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية قائلًا: "أرسل الله كلمته الذاتية الناطقة مولودًا من امرأة" (غلاطية4: 4) ويضيف "أخلى ذاته آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه البشر وموجودًا كبشر في الهيئة"(فيلبي2: 7)، هذه التعاليم التي انطلق منها الإيمان المسيحي بداية من نشيد الملائكة: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض والسلام وفي الناس المسرة».


وتابع بطريرك الكاثوليك: «جاء المسيح إلى عالم تسوده التعاسة والظلم والشقاء، وكان من المفروض أن يكون القرن الواحد والعشرون الذي نعيشه اليوم بعد كل هذا التقدم العلمي وحضارة الترف والرفاهية أن تغطي التنمية بلدان العالم مع العدل والمساواة، وإذ بنا نعيش حروبًا في كل مكان، قتلى وغرقى ولاجئون بالملايين، فأين الفرح ثمرة الحضارة والتقدم العلمي؟ إن الفرح الذي زرعه المسيح ليس هو الفرح بالأشياء المادية أو بالنجاح في الثراء، وليس فرح إشباع الغرائز والشهوات أو المناصب والسلطة، إن ذلك فرح مؤقت عابر، أما الفرح الحقيقي الذي يسكبه الله القدوس في قلوب المؤمنين الصادقين فهو فرح السلام مع الله والضمير ومع كل إنسان، هل جربت يومًا الفرح الحقيقي برغم شدة الألم والمعاناة، فتذوقت طعم الثقة في الله والاتكال عليه، وشعرت في عز ألمك بفرح إلهي حقيقي يملأ وجدانك؟ كان المسيح يجول يصنع الخير (أعمال الرسل 10: 38) أي يزرع الفرح في قلوب البشر، وكل إنسان التقى به المسيح تغيرت حياته، فزكا العشار الغني تخلى عن الثراء وقد امتلأ قلبه بحب الفقراء، وأصبحت المرأة الخاطئة قديسة تسجد له تحت صليبه بعد أن أعطى لحياتها معنى جديدًا، لأنهما امتلكا الفرح الحقيقي، فرح الضمير النقي والقلب الصالح، وكم من مرة ردد المسيح عبارته "أنا لم آت لأدين الإنسان بل لأخلصه" (يوحنا 12: 47)، وما طلبه من رسله حين أرسلهم إلى العالم: "بشروا بالتوبة وبمغفرة الخطايا" (لوقا 24: 47) بمعنى بشروا العالم بفرح الإيمان والرجاء والمحبة، أي بما يغني الإنسان عن أمور كثيرة ويحرره من قيود عبادة الذات، جاء المسيح ليعيد صياغة الإنسان بخيوط المحبة والعطاء والفداء، "لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت لكم إني ماضٍ إلى الآب" (يوحنا14: 28)، "وكلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكتمل فرحكم" (يوحنا15: 11)، أما لماذا نفرح فيقول لنا بولس الرسول "فرحين في الرجاء مواظبين على الصلاة" (رومية12: 12)، ويعلنها بصراحة "ملكوت الله ليس أكلًا أو شربًا بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس" (رومية 14: 17)، "أفرحوا في الرب كل حين وأقول أيضًا أفرحوا" (فيلبي4: 4)، إنه فرح وعد به من السماء كل المؤمنين يوم الميلاد "لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب».


وأضاف: «أمل ورجاء لم يفارق الوجدان البشري طيلة مسيرة التاريخ وهو مجيء مخلص ينقذ العالم مما هو فيه من مآسي وخطايا، ليعيد صياغة العلاقة بين الله والإنسان من جهة وبين الإنسان وأخيه الإنسان من جهة أخرى، فقد عانت البشرية من الحروب واحتقار الإنسان الآخر، والكراهية بين شعوبها، وظل العالم منقسمًا إلى قوي وضعيف، وسيد وعبد، وغني يمتلك كل شيء وأغلبية ساحقة تئن من الجوع والفقر. وكتب الأنبياء أناشيدهم حول هذا الأمل، ونبؤاتهم عن هذا المخلص».