تفسير الشعراوي للآية 33 من سورة الأنعام

إسلاميات

الشيخ محمد متولي
الشيخ محمد متولي الشعراوي


{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ(33)}.

لقد شرح الحق حال الكفار وموقفهم في الآخرة حين يقفون على النار، ويقفون أمام الله، ومن بعد ذلك يوجه الحديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الذي تقع عليه مشقة البلاغ من الله لهؤلاء الكفار، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حزيناً لأن قومه لا يذوقون حلاوة الإيمان، وهو الرسول الذي قال عنه الحق سبحانه وتعالى: {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128].

وكان صلى الله عليه وسلم يحرص على أن يكون كل الناس مؤمنين، ويتألم لمقاومة بعض الناس دعوة الإيمان، إنه صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على الكافر ليؤمن على الرغم من أن مهمة الرسول هي البلاغ فقط، ولو شاء الحق أن يجعل الناس كلهم مؤمنين لأنزل عليهم آية تجعلهم جميعاً مؤمنين: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 3-4].

لكن الحق سبحانه وتعالى لا يريد خضوع أعناق، وإنما يريد خضوع قلوب. إنه سبحانه يريد أن يأتي الناس طواعية واختياراً ليثبتوا الحب للخالق؛ لذلك يقول الحق لرسوله صلى الله عليه وسلم: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الذي يَقُولُونَ} وساعة نسمع: (قد) فلنعرف أن ما يأتي بعدها هو أمر محقق، ويأتي ذلك إذا دخلت على الفعل الماضي فهي في هذه الحالة تأتي لتسبق أمراً تحقق، ومرة تأتي للتقليل أو للتكثير إذا دخلت على الفعل المضارع الذي يدل على الحال أو الاستقبال، فإذا كان العامل والمعمول بينهما ارتباط سبب.. فهذا للتكثير، وإذا كان ظاهر الأمر غير مرتبط ارتباطاً واضحاً.. فهذا للتقليل. والمثال على الارتباط الذي يدل على التكثير هو قول القائل: قد ينجح المُجدّ؛ لأن المجِدَّ والنجاح مرتبطان ارتباط سببية، ولكن قد يكون هناك حادث مفاجئ لأحد المجدين فلا يستطيع النجاح، كأن يمرض يوم الامتحان، ولكن احتمال الصحة أكثر من احتمال المرض فكانت للتكثير.

والمثال على مجيء (قد) للتقليل هو قول القائل: قد ينجح الكسول، أي أن الكسول قد ينجح بالمصادفة وبدون أسباب منطقية، كأن يقرأ عدداً من الدروس ليلة الامتحان فيأتي فيها الامتحان فينجح، إذن ق (قد) إذا دخلت على الماضي تكون للتحقيق، وإن دخلت على المضارع فهي للتكثير إن كانت منطقية الأسباب، وهي للتقليل إن كانت غير منطقية الأسباب. ولكن كلنا يعلم أن علم الله هو علم أزلي، ولا قوة ولا أمر يخرجان عن معلوم الله. إذن ف (قد) هنا للتحقيق وهي داخلة على الفعل المضارع، فالحق أراد أن يبلغنا أنه علم أزلاً بما حدث وجاء ب (قد) لنستحضر صورة الفعل: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الذي يَقُولُونَ}.

والحزن هو خروج النفس من سياق انبساطها؛ فالإنسان يكون في غاية الاستقامة والسرور عندما يكون كل جهاز من أجهزته يؤدي مهمته، فإن حدث شيء يخل بعمل أحد الأجهزة فذلك يورث الحزن. أو يكون الحزن انفعالا لمجيء وحصول أمر غير مطلوب للنفس.

لقد كان مطلب الرسول صلى الله عليه وسلم أن يؤمن كل الذين استمعوا إلى البلاغ عنه، لكن البعض قاوم الإيمان، والبعض اتهم الرسول بالسحر أو الجنون أو قول الشعر، وها هوذا الحق يسلي رسوله فيقول: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الذي يَقُولُونَ} أي إنك يا محمد لابد لك أن تعلم أن أقوالهم هذه ليست متعلقة بك؛ لأنك- بإجماع الآراء عندهم- أنت الصادق الأمين. وهم إنما يكذِّبون بآياتي التي أرسلتها معك إليهم؛ لأن ماضيك معهم هو الصدق والأمانة، بدليل أن الكافر منهم كان لا يأمن أحداً على شيء من أمواله ونفائسه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. والإنسان لا يغش نفسه فيما يخصه. فكأن الله يريد أن يتحمل عن رسوله؛ لأن من يوجه إهانة للرسول إنما يوجهها للمرسِل له وهو الله جلت قدرته.

ولذلك يقول الحق: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الذي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ ولكن الظالمين بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ} وسبحانه يبين لنا أن رسوله صلى الله عليه وسلم كان حريصاً أشد ما يكون الحرص على أن تستجيب أمته لداعي الحق، حتى يتأكد لدى المؤمنين قول الحق سبحانه وتعالى في رسوله: {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128].

ولا معنى للحرص إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إلا يفلت أحد من قومه عن منهجه وعن دينه. ولكن الحق سبحانه وتعالى جعل أمر الدين اختيارياً حتى يعلم من يجيء له طواعية ويقدر ألا يجيء، ومن لا يجيء وهو قادر أن يجيء.

إن الحق سبحانه وتعالى له سنن كونية في الكون يجريها على كل الخلق. وقد يتساءل قائل: وما الذي يجعل الحق سبحانه وتعالى يترك للكفر به مجالاً في دنياه؟ ولماذا يجعل الحق سبحانه وتعالى للشر مجالاً في دنياه ألا يحكمها بهندسة حكيمة؟ ونقول: لو لم يوجد للشر مضار تُفْزِّع الناسَ لما عرفوا للحق حلاوة. إذن فوجود الشر، ووجود الكفر، وآثار الكفر في الناس جبروتاً وقهراً واستذلالاً ينادي في الناس أنه لابد من الإيمان، وأنه لابد من وجود الخير. فلو لم يكن للشر مكان في الكون فما الذي يلفت الناس إلى الخير؟ ولذلك تجد أن هبات الإيمان عند المؤمنين لا تأخذ فتوتها إلا حين تجد قوماً من خصوم الإيمان يهيجون المؤمنين ويؤذونهم ويستفزونهم.

أما إذا صارت الدنيا إلى رتابة فربما فتر أمر الإسلام في نفوس المسلمين. ولذلك نجد المؤمنين بالله في غيرة دائمة؛ لأن هناك من يكفر بالله. فيقول لرسوله: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الذي يَقُولُونَ} وكأنه سبحانه يبلغنا أنه أراد كونه ليكون فيه المؤمن والكافر.

لذلك إن تساءلت- أيها المسلم- كيف يكون في الأرض كافرون؟ فلك أن تعلم أنهم من خلق الله أرادهم الحق أن يختاروا الكفر فلم يختاروا الكفر قهرا عنه سبحانه وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحزن لأن هناك أناساً لم يؤمنوا، فيسليه الحق سبحانه وتعالى، بأنه يعلم أنه يحزنه الذي يقولون من الكفر ومن اتهامات لرسول الله. ألم يقولوا إنه ساحر؟ ألم يقولوا إنه مجنون؟ ألم يقولوا إنه كاذب؟ ألم يقولوا إنه كاهن؟ ألم يقولوا إنه شاعر؟

 وسبحانه وتعالى يعلم ما قالوا ويعلم أن هذه الأقوال تحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويريد الحق سبحانه أن يرفع ويدفع هذا الحزن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبلغه أنهم لا يكذبونك يا رسول الله؛ فأنت تعرف منزلتك عندهم وهي منزلة الصادق الأمين، ولا يجرؤ أحد على تكذيبك ولكنهم يجحدون بآيات الله. وهل هناك تسلية أكثر من ذلك. لا يمكن أن توجد تسلية أكثر من ذلك.

ونعلم أن ما قاله أهل الشرك عن رسول الله هو قول مردود، فهم أمة البلاغة والفصاحة والبيان، فكيف يقولون إن القرآن شعر وهم أصحاب الدراية بالأساليب مرسلها، ومسجوعها، ونظمها، ونثرها؟

أمن المعقول أن يلتبس عليهم أسلوب القرآن بالشعر؟ ومن المؤكد أن هذا غير ممكن. ولقد قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنه ساحر، فكيف سحر الذين آمنوا به ولم يسحر الباقين؟ ولو كان ساحراً لسحرهم أيضاً، وبقاؤهم على الكفر ينقض هذا. وقالوا كاذب، فهم بقولهم هذا يكذِّبُون أنفسهم لأنهم يعرفون عنه أنه الصادق الأمين، وها هوذا الحوار بين الأخنس بن شريق وأبي جهل.

قال الأخنس: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال أبو جهل: ماذا سمعت! وهنا نسمع قول الغيرة والحسد والبغض، نسمع عن تلك الأمور البعيدة عن موضوع الرسالة النورانية المحمدية فيقول أبو جهل: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوْ ا فأعطينا حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبيّ يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذا! والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه. فقام الأخنس وتركه. إذن هي مسألة غيرة غاضبة على مناصب وسلطة زمنية، ولذلك يرد الله عليهم قائلاً: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي الحياة الدنيا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32].

وها هو ذا الحق يسلي رسوله صلى الله عليه وسلم ويقول له: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الذي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ ولكن الظالمين بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33].

إنهم ظالمون، لأن الظلم نقل حق إلى غير مستحقه. وأبشع أنواع الظلم هو الشرك؛ لأن الحق سبحانه وتعالى هو المستحق وحده للعبادة، والظلم الأخف وطأة هو أن ينقل الإنسان حقاً مكتسباً أو موهوباً إلى غير صاحبه وهذا ظلم موجود بين الناس. وقد نقل المشركون حق الذات الإلهية إلى غير مستحقها من أوثان وأصنام، أما المؤمنون فهم الذين اعترفوا بحق الذات الإلهية في العبادة.

وهناك نوع آخر من الظلم أريد أن أتحدث عنه، وهو أن يظلم الإنسان اسمه، كأن يكون والده قد سماه (مهدياً) ولكنه يملأ الدنيا فساداً بإيذاء نفسه وبإيذاء الآخرين. نقول لمثل هذا الإنسان: إن الواجب يقتضي منك أن تحترم أمل والدك فيك، فلا تظلم اسمك (مهدياً) ولتكن هناك عدالة بين الاسم والمسمى وذلك بأن يكون سلوكك متوافقاً مع الاسم الذي سماك به أبوك.

أما إن كان أبوه قد سماه (مهدياً) ولم يلقنه أي شيء من تعاليم الهدى والدين، ثم خرج الشاب إلى الدنيا ليملأها بالشقاء لنفسه ولغيره ثم اهتدى من بعد ذلك فهذا شاب استطاع أن يتعلم الهداية فصار اسمه على مسماه.

وقد كنا في الثلاثينيات من هذا القرن نسمع التحذيرات ونحن نزور القاهرة: (إياكم أن تطأوا بأقدامكم شارع عماد الدين لأن كل الموبقات في هذا الشارع). وتعجبت أن يكون اسم الشارع (عماد الدين) ويكون مكاناً للموبقات فقلت في ذلك:
وأقبح الظلم بعد الشرك منزلة *** أن يَظْلم اسماً مُسمّىً ضده جُبِلا
فشارع كعماد الدين تسميةً *** لكنه لعناد الدين قد جُعلا

وفي الحياة كثير من حالات الأسماء يظلمها أصحابها. ولكن أكبر وأقبح درجات الظلم هو الشرك بالله {ولكن الظالمين بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ} والجحد هو إباء اللسان وترفعه وعدم رضاه بأن ينطق بكلمة الحق، فلو أن المشركين خلوْا إلى أنفسهم واستعرضوا مسائل محمد ومسائل الرسالة لوجدوا أن قلوبهم مقتنعة بأنه صادق وأنه رسول وأن المنهج إنما جاء للهداية. لكن ألسنتهم غير قادرة على الاعتراف بذلك.

ولذلك يأمر المنهج الإيماني أن على الواحد منا إن أراد أن يناقش قضية أهي حق أم باطل فلا يصح أن نناقشها في حشد من الناس، ولكن فلنناقشها أولاً في نفوسنا لنتبين الحق فيها من الضلال، ولذلك يقول الحق سبحانه: {قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مثنى وفرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ} [سبأ: 46].

كأن الحق يهدينا إلى كيفية التمييز، فإما أن نناقش أنفسنا، وإما أن يتناقش اثنان حتى يمكن أن يقتنع أحدهما برأي الآخر دون أن يشهد ثالث هزيمته فيكابر ويجادل.

وقد نصح الحق بذلك هؤلاء الذين اتهموا رسول الله أن به- والعياذ بالله- مسَّاً من الجنون؛ فالجنون هو أن تحدث الأفعال بلا مقدمات وبدون تدبر أو نظر في آثارها وتكون خالية من حكمة فاعلها. أما العاقل فهو الذي يرتب الأفعال بحكمة ويوازن ويدرس وينتهي به عقله وحكمته إلى حسن ما يفعل ويعامل الناس بانسجام وسوية خلقية عالية، فهل أحد من المشركين أخذ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي سلوك يمكن أن يشير إلى عدم ترتيب الأفعال؟ لا.

ولذلك يقول الحق: {ن والقلم وَمَا يَسْطُرُونَ ما أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 1-4].

إن الخلُق العظيم يتنافى مع الجنون، وكذلك فعل كل قوم مع رسولهم، إنَّهم رمَوْه بالسفه والجنون. فكلما جاء رسول لقومه بمنهج حق ليطمس معالم الباطل قابله قومه بمثل تلك المقابلة. ونعرف أن السماء لا تتدخل بالنبوات والمعجزات إلا حين يطم الفساد وتنطمس النفس المؤمنة. فالمؤمن فيه خميرة الخير فيندفع إلى فعل الخير. وإن حدثته نفسه بفعل معصية وفَعَلَها، فإن نفسه اللوامة تؤنبه على ذلك، لكن إن انطمست نفسه ولم تعد تلوم، صارت نفسه الأمارة بالسوء هي المسيطرة وإن لم يجد من يقول له في المجتمع: لا تفعل ذلك.. فالمجتمع كله يكون قد فسد. {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ}.

إذن السماء لا تتدخل برسالة أو معجزة أو منهج إلا حين يطم الفساد. وما دام قد طم الفساد فهناك من يستفيد من هذا الفساد. وحين يأتي الرسول من أجل أن يمنع الفساد فهذا الرسول يمنع عن المفسدين استغلال الناس ويحول بينهم وبين الاستفادة من الفساد. ولذلك كان لكل رسول مقاومة من المفسدين وكانوا يقولون: {وَمَا نَرَاكَ اتبعك إِلاَّ الذين هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرأي} [هود: 27].

وأتباع كل رسول هم المظلومون الذين يحتاجون إلى منقذ. أما الجبابرة فهم يخاصمون الرسول ويقاومونه، ويستقبله هؤلاء الجبابرة بإيذاء يتناسب مع مهمته. فإن كانت مهمته لقبيلة فالإيذاء يأتيه من هذه القبيلة. وإن كانت مهمته أوسع من ذلك فإنه يلقى من صنوف العذاب ألوانًا.

وما دام محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى الناس كافة فعليه أن يجد المتاعب الكثيرة ويتحملها. وقد أعده الله وهيأه لذلك، وقد أخذ الرسل السابقون من الإيذاء على قدر دعوتهم. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو للناس كافة، ولا رسالة من بعده، لذلك يتجمع ضد هذا الرسول وهذه الرسالة أقوام كثيرون.

ولذلك يقول له الحق سبحانه: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ...}.