وداعًا «معبودة الجماهير».. «1»

منوعات

شادية
شادية


حلمى رفلة تبنى موهبتها ومحمد فوزى قدمها وعبدالحليم «أكرمها» 

آمنت بموهبة عادل إمام وطلبت من فطين عبدالوهاب منحه الفرصة.. فأصبح «الزعيم» 

تنازلت لهانى شاكر عن أغنيتها ليكون «أمير الغناء العربى»

بعدما انتهيت مما كتبته فى العدد الماضى فوجئت بخبر رحيل شادية مصر، الحقيقة، وددت أن أكتب عن تلك السيدة التى لن تتكرر، هى واحدة من جيل النبل والعطاء والفن، ولكن وجدت المساحة للكتابة سوف تبخسها حقها، فنويت أن أبدأ لكم هذا العدد بالكتابة عنها، وتسليط الضوء عن أشياء ربما لا يعرفها حتى من عاصروها.

شادية مرتبطة عند الأجيال الحالية، تحديدا جيل ثورة يناير بأغنية «يا حبيبتى يا مصر»، تم ترديد الأغنية لتصبح النشيد غير الرسمى للدولة، ولم يكن يعلم الكثير من هؤلاء الشباب أن تلك الأغنية يزيد عمر غنائها وتلحينها عما يزيد على (30) عاما وقت ثورة يناير، حيث أنشدتها الراحلة ولحنها لها العبقرى بليغ حمدى فى انتصارات أكتوبر 1973. وكانت الأغنية بمثابة السهل الممتنع، حتى موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب قال «إزاى الولد العفريت بليغ حمدى عرف يجيب النغمة السهلة المعقدة دى.. إنها السهل الممتنع» وعبر عن إعجابه باللحن واختيار صوت شادية تحديدا لتغنيها، قائلا بأن صوت شادية فيه سلاسة غريبة ونغمة ورنين بالصوت ربانى، جعل اللحن يعطى أصداء داخل حنجرتها، فحتى لو غنتها بدون فرقة موسيقية سيعطى ذات الانطباع، والغريب هو شدة نجاح تلك الأغنية وقتها رغم وجود عشرات بل مئات الأغانى التى أرخت لتلك اللحظة الفاصلة، مثل على الربابة لوردة، وبسم الله وعبرنا الهزيمة.

شادية ذاتها غنت أغنية «رايحة فين يا عروسة يا أم توب أخضر.. راحة أجيب الورد وأجيب سكر» عن انتصارات 1973، ولكن برزت تلك الأغنية لها بين تلك الأغانى، لتجعل الراحلة فايزة أحمد تحاول محاكاة الكلمات والنغمة ولكن من بعيد بأغنية «بحبك يا مصر»، ولكنها لم تعبر العصور حتى تتواجد تلك الأغنية لأجيال وأجيال تستقر فى وجدانهم لتصبح شادية حبيبة مصر من أغنية يا حبيبتى يا مصر.

من الغرائب أن مهرجان القاهرة السينمائى الدولى اختار أن تكون دورة هذا العام باسم شادية «معبودة الجماهير» ورسم الصديق العبقرى عمرو فهمى بورتريه شادية وعبدالحليم من الفيلم الخالد «معبودة الجماهير»، وهى مريضة وتطاردها شائعات الوفاة، ليعلن نبأ بينما يوم الافتتاح كان الجميع يحتفل بها وهى على ما أعتقد المرة الأولى فى تاريخ المهرجانات العالمية، لنسمع أغنية يا حبيبتى يا مصر، ولكن بلحن جنائزى مبهر، رغم تفاؤل اللحن وكلماته المستقرة فى وجداننا، وتصبح لحن الختام مع صور الراحلة على المسرح، وما عكر صفو تلك اللحظة الجليلة هو تقديم السيدة جاسمين طه ذكى لتلك الفقرة وهى مبتسمة وتكاد تكون ملامحها ضاحكة شىء مؤسف حقا.

1- 10 شائعات لوفاتها فى 30 سنة.. أولها كانت فى أمريكا

ومنذ ثلاثة أعداد أشرت إلى شائعة وفاة الراحلة شادية وقتها، ونشرت وقتها موقفا على لسان الفنان الكبير سمير صبرى، هو ما غير مسار حياته الفنية بالمصادفة معها، ولكن دعونى أتحدث وأنفرد لكن عن أول مرة طالت شائعة الوفاة الراحلة، حيث طاردتها الشائعة تقريبا (10) مرات، كان أولها فى منتصف ثمانينيات القرن الماضى، بعد اعتزالها وبينما كانت مسافرة لأمريكا عند شقيقتها عفاف، - التى كانت متزوجة من الراحل كمال الشناوى، أولى زيجاتها، وظهرت فى فيلم واحد اسمه أحمر شفايف لنجيب الريحانى، قامت فيه بدور ابنته - هناك، حتى أصبحت مصر كلها تؤكد بأن شادية رحلت عن عالمنا.

وبينما شادية بأمريكا لا تعلم شيئا، لأنه وقتها لا كان فيه موبايلات ولا واتس آب ولا فيس بوك، هو الجرنال فقط، وأثناء خروجها من أحد محلات نيويورك مع شقيقتها وجدت سيدة مصرية تنظر لها بذهول، وتقول (آه دى هى مش ممكن معقولة)، فهرولت الراحلة شادية لها وقالت تقصدى إيه حضرتك؟.. وألحت عليها، فقالت السيدة المصرية أن إحدى قريباتها عائدة من يومين من مصر، وتقول إن حضرتك أطال الله عمرك قد رحلتِ، وتلك الشائعة تملأ كل مصر ولا يجرؤ أحد على كتابة الخبر رسميا، لأنهم لم يتم إبلاغهم به.

انزعجت شادية بشدة واتصلت بأحد أصدقائها من الزملاء الصحفيين الكبار وقتها، الأستاذ محمود معروف، أطال الله عمره، تطلب منه أن يعلن أنها بصحة جيدة وحية ترزق، وأنها بأمريكا عند شقيقتها، وبالفعل أعلن التليفزيون الرسمى للدولة وقتها، وكانت رئيسته السيدة سامية صادق، أن شادية بخير، ولكن زيادة تأكيد خرجت شادية بصوتها عبر الهاتف من أمريكا بالقناة الثانية المصرية، تطمئن جمهورها، هذا إن دل على شىء فإنه يدل على مكانة تلك السيدة فى قلوب وعقول المصريين، التى احتلت مكانة استثنائية بلا شك عند القيادات التى تتابعت على مصر، حتى الفقير على باب الله.

2- قصة الاسم «شادية».. حكاية لها العجب

شادية التى بدأت حياتها وهى طفلة صغيرة تشدو أغانى ليلى مراد وظهرت كومبارس وهى طفلة مع هند رستم فى فيلم (ورود وأشواك) لمديحة يسرى وسميحة سميح، كانت البداية والحكاية، حيث تم اختيارها لتقوم بهذا الدور وفى يوم العرض الأول، ذهبت للبنوار الذى تجلس فيه بطلتا الفيلم لتلتقط معهما صورة، وتسلم عليهما، فنهرتها سميحة وقالت لها «إمشى يا بت أنتِ بعيد» وبعصبية شديدة، بينما أخذتها مديحة يسرى وقبلتها واحتضنتها وقالت لها «ماتزعليش يا حبيبتى» وطلبت من المساعد لها أن يشترى لها شيكولاتة.

مرت الأيام وقرر محمد فوزى الفنان الشاب وقتها بعد أن أصبح له اسم فى السوق، وكان رحمه الله له فكر تجارى يسبق عصره، أن ينتج فيلما، وصمم أن يكون مخرج الفيلم ألا وهو المخرج الكبير بعد ذلك حلمى رفلة الذى كان ماكييرًا لفيلم «سيف الجلاد»، فبعد أن رفض يوسف وهبى أن يمثل فوزى دور البطل لذلك الفيلم، لأن له شفاة أكبر من الأخرى، فطلب رفلة إعطاءه مهلة يومين حتى يحاول تعديل ذلك العيب، وأخذ فوزى لدكتور يونانى وقتها، ليجرى له أول جراحة تجميل فى مصر، وهى تعديل الشفاة العلوية. وبالفعل نجح الجراح فى عمل أول جراحة تجميل حولت شكل محمد فوزى للشكل الذى ألفناه به فى أفلامه القديمة، فحفظ فوزى الجميل لحلمى رفلة، وقرر أن يكون أول فيلم من إنتاجه من إخراج حلمى رفلة، وحاول المحيطون بفوزى إثناءه عن موقفه دون جدوى، فقام حلمى رفلة بترشيح اسم لفتاة اسمها فاطمة شاكر، سمعها وهى تغنى لليلى مراد، فطلب فوزى سماعها، ذهبت الصغيرة فاطمة شاكر لتغنى أمام فوزى وحلمى رفلة ومديحة يسرى واثنان آخران، فأعجب فوزى بها ولكن اعترض على اسمها، فقال لها يجب أن تختار لك اسما فنيا يليق والمرحلة الجديدة.

كل واحد من الموجودين أطلق اسما، وهى تقول لا لا، فأصرت أن تختار اسم شادية، من أطلقه عليها أو اقترحه؟.. الفنانة مديحة يسرى كان دورها بفيلم ورود وأشواك، ذلك العمل الذى نهرتها فيه سميحة سميح واحتضنتها مديحة يسرى واشترت لها شيكولاتة، كان اسمها بالفيلم شادية، فأرادت الصبية الصغيرة فاطمة شاكر أن ترد الجميل لمديحة، وتطلق على نفسها اسم شادية، الذى كانت تجسده مديحة بالفيلم، ورد محمد فوزى الجميل لحلمى رفلة، فجعله مخرجا لأول مرة فى أول إنتاجه، وأحضر رفلة فاطمة شاكر لترد الجميل لمديحة يسرى؛ لأنها قبلتها وعاملتها برفق، فأطلقت على نفسها اسم شادية.

انظروا لحلقة الحياة والدنيا الصغيرة، لا تتوانى على فعل الخير وعامل الناس برفق ولا تغتر واحترم الجميع ولا تحتقر من شأن الصغير، فربما يكون هذا الصغير يوما ما سببا فى سعادتك ورزقك، يوم أن توصد الدنيا أبوابها لك، وهذا ما حدث مع مديحة يسرى، وشادية النجمة الأكبر على شاشات عرض مصر والوطن العربى، حيث أصرت شادية أن تكون مديحة يسرى أمامها فى فيلمها الشهير (لا تسألنى من أنا).

ولم تتأخر شادية يوما ما فى عز نجوميتها عن حضور أى عرض فيلم لمديحة يسرى، التى شاركت الصغيرة شادية فى بداية أعمالها، وشاركت أيضا فوزى الفيلم و«الزوجة السابعة» وغيرها من الأفلام الناجحة.

3- فتحت باب النجومية لعادل إمام بـ«نصف ساعة جواز»

أما عن وقوفها بجوار أهل المهنة وهم صغار وهى فى عز مجدها ونجوميتها، فأروى لكم على سبيل المثال ليس قصة سمير صبرى وأغنية «سكر حلوة الدنيا سكر»، لأنى حكيتها قبل ثلاثة أعداد، وكيف أنها طلبت أن يشاركها الأغنية الرئيسية بل ويؤلف المقطع الإنجليزى، بعدما أعجبت به.

وإنما سأروى هنا أنها هى التى قدمت عادل إمام للسينما، وكانت وش السعد عليه، حيث ذهبت لمشاهدة مسرحية «أنا وهو وهى» لفؤاد المهندس وشويكار، فأعجبت بالدور البسيط لعادل إمام وقتها، فذهبت للمخرج فطين عبدالوهاب وطلبت منه أن يرشح عادل إمام للدور الذى نقله نقلة عمره، فى فيلم «نصف ساعة جواز»، وأدى عادل الدور أمام ماجدة الخطيب، وتوالت أعماله مع شادية «مراتى مدير عام» و«عفريت مراتى» و«أضواء المدينة»، ليبدأ عادل إمام طريق النجومية بفضل الله ثم الراحلة شادية، فهل يتذكر عادل إمام ذلك؟!

4- «معبودة الجماهير» لم تتخل عن «العندليب» فى بداياته.. ورد لها الجميل

موقف آخر من مواقف شادية، بالوقوف بجوار المواهب الجديدة، حين قبلت وهى نجمة شباك فى سينما الخمسينيات أن تقف أمام الوجه الجديد عبدالحليم حافظ، نعم الوجه الجديد عبدالحليم، الذى كان غير معروف وعرضوا على شادية أن تشاركه البطولة وتخاطر بتلك المجازفة، بل وتغنى معه دويتوهات، وبالفعل قبلت أن تساعد الوجه الجديد عبدالحليم، فى لحن الوفاء مع حسين رياض، وكانت بالفيلم الأغنية التى كانت سبب نجاح حليم وقتها (على قد الشوق اللى ف عيونى يا جميل سلم).

وتم عرض الفيلم بالمصادفة مع الفيلم الذى شارك فيه بدور مناصفة مع عمر الشريف وفاتن حمامة وأحمد رمزى، «أيامنا الحلوة»، رغم أنه كان قد صور الفيلم الثانى قبله، ولكن الأقدار كتبت أن يكون الفيلمان معا فى دور العرض، لينجح عبدالحليم الذى يصون الجميل لشادية التى وقفت بجواره وهو لايزال مطربا وممثلا مغمورا، فشاركها بطولة، فيلم «دليلة»، فى عز نجوميته الذى كان يحمل اسم البطلة بالعمل، بل لم يرضخ لـ«زن» المقربين منه، عندما كان اسم الفيلم الثالث الذى شاركها بطولته «معبودة الجماهير»، حيث قالوا له «ارفض واجعل اسم الفيلم معبود الجماهير»، فأنت النجم الأول والفيلم سيبيع على اسمك قبل اسمها، والقصة تدور حولك أنت أكثر منها.

عبدالحليم رفض وقال شادية فعلا معبودة الجماهير، سبحان الله.. شادية صانت الجميل لمديحة يسرى فردته لها باسمها، وكذلك فوزى لحلمى رفلة، فيجئ الدور لشادية بألا يكسر عبدالحليم خاطرها ويفعل مثلما يفعل نجوم هذه الأيام، «أنا الأول ومن بعدى الطوفان»، بأن يرد لها الجميل أنها قبلت أن تقف جواره فى أول مشواره، جيل لم ولن يتكرر.

5- «كده برضه يا قمر».. هدية شادية لهانى شاكر

شادية لم تقف فقط لجوار عبدالحليم حافظ، بل قبلت أن تشارك الوجه الجديد وقتها، كمال حسنى الذى قدم أول وآخر أفلامه معها، وكانت وقتها شادية النجمة المتوجة. وبينما كان التليفزيون المصرى يصور ويسجل الأغانى الجديدة لإذاعتها، كان قد ظهر مطرب جديد (1975)، هو هانى شاكر، وهانى لم يكن له أغنية تخصه، وبالتالى لم يسجل له التليفزيون أغنياته التى يغنيها بالحفلات، فطلبت شادية من الملحن خالد الأمير - والذى سوف أحكى فى عدد آخر لكم كيف تعرفت عليه ووقفت بجواره - وأن تتنازل عن إحدى الأغنيتين اللتين كانا قد ألفهما ولحنهما لها، فأعطت أغنيتها «كدا برضه يا قمر» لهانى حتى يغنيها بالحفل، ليسجل له التليفزيون وتغنى هى «الحب الحقيقى».

وبكى هانى، الشاب الصغير، من السعادة، الست شادية أعطته أغنيتها الجديدة، لتغنى مصر ثانى أيام الحفل أغنية الشاب هانى شاكر، كدا برضه يا قمر، ليتحول هانى للنجم الشاب الذى تهافت عليه الملحنون أمثال بليغ حمدى ومحمد الموجى ومنير مراد، ليلحنوا له، أرأيتم جمال أخلاق وصفاء نفس مثل هذا؟!، الله يرحمك يا شادية مصر.. الحلقة الثانية بإذن الله سوف أنفرد لكم بحكايات لها العجب، عن نبلها وأخلاقها العظيمة ونوادر تنشر لأول مرة بإذن الله، بس يا رب محدش يسرق وينسب لنفسه.