عادل حمودة يكتب من برلين: نصائح وزير الدولة للاقتصاد والطاقة الألمانى لمصر

مقالات الرأي



نصائح وزير الدولة للاقتصاد والطاقة الألمانى لمصر: تنفيذ مشروعات منطقة قناة السويس بأسرع وقت

■ الأولوية لصناعة السيارات وفولكس قادمة بعد مرسيدس 
■ لا تنتجوا سلعًا للذوق الأوروبى الأولوية لـ«إفريقيا» 
■ على القاهرة إحياء طرق التجارة مع الجنوب فورًا مثلما فعلت الصين مع طريق الحرير
■ «فولكس فاجن» تفكر فى عمل مصنع سيارات يتوافق مع احتياجات إفريقيا فى قناة السويس

لو كان حكماء الحضارات القديمة يفضلون سماع النصيحة من أهل الخبرة الذين على وشك الرحيل عن الدنيا فإن حكماء السياسة الحديثة يفضلون سماع المسئولين الذين على وشك الخروج من السلطة وفى الحالين فإن النصيحة خالصة وصادقة وتخلو من المصلحة الشخصية.

ربما لهذا السبب سعيت للحوار مع وزير الاقتصاد والطاقة أوفى بيكماير فهو سيترك منصبه فور تشكيل الحكومة الألمانية المتعثرة الولادة بعد أن رفض حزبه الاشتركى التحالف مع حزب أنجيلا ميركل «الحزب المسيحى الديمقراطى» بعد أن أدى ذلك التحالف إلى ضعف الحزب الاشتراكى وانصراف الناخبين عنه.

بيكماير رجل هادئ.. متواضع.. سريع التفاهم.. خفيف الظل.. صريح دون أشواك.. أجمع خصومه قبل أنصاره على أنه أحد الأسباب المباشرة لزيادة معدلات النمو فى الأعوام الأربعة الماضية ويوصف بــ«ميركل ميركل» أى معجزة المستشار ة ميركل.

ترى لو كان بيكماير مسئولاً عن الاقتصاد والاستثمار فى مصر ما الذى يمكن أن ينصحنا به؟

لكن.. قبل أن ألقى فى حجره بالسؤال طلب بنفسه أن يتحدث عن العلاقات المصرية الألمانية قائلا:

كنت مرافقا للمستشارة ميركل فى كل لقاءات برلين أو القاهرة التى جرت بينها وبين الرئيس عبدالفتاح السيسى وكان هدفهما المشترك استمرار العلاقات عند مستواها الجيد وكل من سيخلفنى فى منصبى مكلف بذلك أيضا.

وبعد الفوضى التى خرجت من ليبيا مهددة جيرانها فى شمال إفريقيا أصبح على ألمانيا دعم مصر لضمان استقرار تلك المنطقة التى يفصلها عن أوروبا البحر المتوسط بما فيه من سفن تحمل الهجرة الشرعية إليها.

إن هدف الحكومات ومبرر وجودها السعى نحو مصلحة مواطنيها، ولأن سكان مصر وصلوا إلى ما يقرب من المئة مليون نسمة غالبيتهم شباب فإن على حكومتها توفير مليون فرصة عمل سنويا حسبما سمعنا من الرئيس السيسى مباشرة وهو ما يعنى رفع كفاءة الاقتصاد لخلق هذه الوظائف وأؤمن بأن ألمانيا يجب أن تساعد مصر فى ذلك.

وأنا أقدر وأحترم ما يبذل من جهود اقتصادية تبذل فى مصر خاصة فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس فما سينفذ فيها من مشروعات سيخلق فرصا للعمل وهو أمر لا يجب الاستهانة به أو التقليل منه أبدا.

لكن يجب تأهيل الشباب ليستوعب الوظائف الجديدة عالية التكنولوجيا بتعليم فنى متطور جدا ينقل مصر من مرحلة تجميع السلع والمعدات إلى مرحلة تصنيع مكوناتها بل تصديرها إلى الخارج.

والشركات الألمانية فى مصر تلعب دورًا فى ذلك بنقل تجارب التعليم الفنى فى بلادها إلى مصر.

على أن المنطقة الاقتصادية للقناة تحتاج خلق عناصر ناجحة فى ظل منافسة مناطق اقتصادية مشابهة فى دول أخرى مجاورة.

تفريغ البضائع وتعبئتها فكرة عفا عليها الزمن.

الاستثمارات الخارجية تتجه نحو صناعة السيارات فى مصر.

ولكن على مصر أن تفكر فى السوق الإفريقية لا فى السوق الأوروبية وهو ما ستفعله شركة فولكس فاجن التى تفكر فى مصنع تقيمه فى منطقة القناة ينتج سيارات تتوافق مع احتياجات إفريقيا وحدها، أما ما يمكن تصديره إلى ألمانيا فهو بعض قطع غيار السيارات التى يمكن تصنيعها فى مصر.

وعلى الصناعات الأخرى أن تفعل الشىء نفسه فسوقها المناسبة فى شمال إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى كما يجب أن يؤخذ فى الحسبان احتياجات شعوبها.

وقبل ذلك يجب تحديد وتحديث طرق التجارة بين مصر وإفريقيا مثلما فعلت الصين بإحياء طريق الحرير الذى يربط الشرق الأقصى بالشرق الأوسط ويخفض تكاليف البضائع بنقلها برا.

ووصف بيكماير صناعة السجاد فى مصر بالصناعة المتكاملة الواعدة بعد أن زار مع ميركل مصانع «النساجون الشرقيون» والتقت محمد فريد خميس.

إن السجادة صناعة مصرية خالصة التصميم والمكونات بخلاف غالبية الصناعات التى تستورد معظم مكوناتها من الخارج ما يرفع تكلفتها خاصة بعد ارتفاع سعر الدولار ويصعب عليها منافسة البديل الأجنبى.

فى صناعة الدواء (مثلا) نستورد المادة الفعالة ومواد التغليف بما يزيد على ثمانين فى المئة من مكوناتها.

وفى صناعة الملابس (مثلا) نستورد التصميم والقماش والإكسسوار والخيوط ولا نضيف إليها إلا جهد العامل.

ويتكرر الشىء نفسه فى صناعة السيارات والأجهزة الكهربائية والمعدات الهندسية.

والصناعة الحقيقية هى التى تستغنى عن المكونات المستوردة قطعة بعد قطعة حتى تحظى بالجنسية المصرية عن جدارة.

بدأت ألمانيا مرحلة جديدة فى التعاون مع مصر بصفقة شركة سيمنز التى وقعت منذ ثلاث سنوات لإنشاء محطات كهرباء عالية الإنتاج.

وحسبما سمعت من بيكماير فإن الدهشة أصابت أعضاء حكومته يوم اتفق على الصفقة فى عام 2014: كان التحدى الأوضاع الأمنية فى مصر ومدى استقرارها لتنفيذ الصفقة الممتدة لسنوات، كما خشينا أن تطالب دول أخرى بالمميزات التى منحناها لمصر.

ويضيف بيكماير: يجب الاستفادة من منظمات المشتركة التى تجمع رجال الأعمال فى البلدين فى توظيف خطط التصنيع فى مصر من أجل التصدير إلى إفريقيا.

ولكنه يرى أن نظم الجمارك معقدة والسبب أن القائمين عليها يحمون مناصبهم ويستفيدون منها ولو خسر المواطنون.

كما أن النصائح التى يقدمها بيكماير يجب تنفيذها بسرعة قبل أن تتمكن المناطق الصناعية المشابهة والمنافسة فى السعودية من الوقوف على قدميها.

والمؤكد أن السعودية ستمنح الاستثمارات الأجنبية مميزات أكثر (وهى تضع خططها الاقتصادية لما بعد النفط) لتعوض ضعف الميزة النسبية لموقعها مقارنة بمصر.

مصر لديها موقع ممتاز ولكن ليس عليها الانتظار.. الانتظار قاتل.. فكل من فى المنطقة يتسابق على جذب رءوس المال الأجنبية إليه.

والمؤكد أن التعليم الفنى والتدريب المهنى كان أبرز أسباب الثورة الصناعية فى ألمانيا، ولكن عمره هناك كما يقول بيكماير: 150 سنة ونقله إلى مصر لن ينجح إلا إذا حدث بشكل متدرج وفى مصر شركات ألمانية تعمل على ذلك ونحن نساعدها على ذلك.

ويضيف: يجب إنتاج العمالة الماهرة المؤهلة.. إننا لن نجدها على الشجر.. وإنما بالربط بين الدراسة النظرية والحياة العملية.. ونقل ذلك ليس هينًا.

ويستطرد: فى المعاهد الصناعية الألمانية يدرس الطالب نصف أيام الأسبوع فيها ويقضى النصف الآخر فى مصنع من المصانع القريبة يتدرب ويعمل فيها ويحصل على أجر متصاعد سنة بعد سنة لأنه يشارك فى العملية الإنتاجية وله نصيب من عائدها.

ما تحتاجه مصر هو التحول نحو النموذج الألمانى فى التدريب المهنى ولحسن الحظ فى مصر شركات ألمانية افتتحت مراكز تدريب مثل شركة سيمنز التى تدير مركزا لتدريب خمسة آلاف فنى بعد أن دربت كثيرًا من المهندسين المصريين فى ألمانيا أو فى دول أوروبية أخرى وكل ذلك فى إطار مشروعاتها الخاصة بمحطات الكهرباء.

قلت له: إن أوروبا مهتمة بالغاز المحيط بها مهما كان مصدره ومصر لها وجود بارز على خريطة منتجيه كما أن لها خبرة فى توصيله إلى دول المنطقة، فهناك خط يصل إلى إسرائيل وآخر يصل إلى الأردن كما وافقت مصر على مد خط إلى تركيا عبر سوريا ولكن الحرب الأهلية أفسدتها فهل تعتقد أن مصر يمكن أن تكون مركزا للغاز فى المنطقة وتقدر على توصيله حتى إليكم خاصة بعد الأزمات بينكم وبين روسيا؟

أجاب: ألمانيا لا تزال تستفيد من الغاز القادم من هولندا وروسيا، وهما يدعمان استقرار الغاز فى العالم ولكن الولايات المتحدة تنتج الغاز بطريقة غير تقليدية وتقتحم أسواقه العالمية بطريقة جريئة غير جيدة ولفت نظر المسئولين هناك عن عواقبها ولكن لا أحد استجاب لما قلت.

واستطرد: فى مصر شركات أجنبية تستخرج الغاز ولكن الحكومة لم تدفع لها مستحقاتها.

هنا تدخل السفير المصرى بدر عبدالعاطى ليقول: إن الحكومة بدأت فى السداد فعلا باتفاق مع الشركات الأجنبية التى لم تعد تشكو.

وكان ما قال شديد الدقة وكثير الأهمية.