في الذكرى المئوية لوعد بلفور.. خبراء يوضحون حقيقة تصريحات "تيريزا ماي" المستفزة تجاه الوعد المشؤوم

عربي ودولي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


ستظل ذكرى وعد بلفور من أكثر الذكريات المشؤومة السيئة، ليس فحسب على الشعب الفلسطيني، وإنما على جميع أقطار الوطن العربي بأكمله، فبعيدا عن أنه زرع جسدًا غريبا بين العرب، والمتمثل في إسرائيل، كذلك تستمر أعمال القتل والتنكيل بل والاستنزاف في أجساد الأمة العربية بتأليبها على بعضها، لينال هذا الجسد الغريب ما يتمنى، وهو التوسع، الذي يساعده في ذلك ذاك المحتل البريطاني، الذي لا يزال مصرًا على كارثته التاريخية، وعدم الإعتراف بأنه أعطى من لا يملك لمن لا يستحق.

الرسالة سيئة السمعة

وعرف هذا الوعد بوعد بلفور، وهو الاسم الشائع المطلق على الرسالة التي أرسلها آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2 نوفمبر 1917 إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد، أكد فيها تأييد الحكومة البريطانية إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

وأرسلت تلك الرسالة قبل شهر من احتلال الجيش البريطاني فلسطين، وكان تعداد اليهود في فلسطين ائنذاك لا يزيد عن 5% من مجموع عدد السكان، هذا الأمر الذي فتح باب الهجرة إلى فلسطين، وكان احتلالا عمليا واغتصابًا حقيقيًا للأراضي الفلسسطينية العربية، بناء على هذا الوعد الذي عرف بأنه"وعد من لا يملك لمن لا يستحق".


ماي: سنظل نفخر بتأسيس إسرائيل

بلا خجل ولا وجل، كانت هذه تصريحات تيريزا ماي، رئيسة الوزراء البريطانية، التي أكدت إصرارها على السير في الخطأ التاريخي الذي ارتكبته دولتها، فما كان منها إلا أنها أعلنت بوجه سافر أن بريطانيا ستحتفل بفخر بالذكرى المئوية لصدور"وعد بلفور"، الذي وضع قاعدة لتأسيس دولة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المنتزعة من أصحابها.

وأضافت خلال جلسة لمجلس العموم البريطاني، قائلة "إننا نشعر بالفخر من الدور الذي لعبناه في إقامة دولة إسرائيل، ونحن بالتأكيد سنحتفل بهذه الذكرى المئوية بفخر"، حسب وصفها.

وففي ديسمبر الماضي، كررت ذات الرسالة، حيث أكدت عزم بريطانيا للاحتفال بمئوية "وعد بلفور"، موضحة: "هذه الرسالة واحدة من أهم الرسائل في التاريخ"، مضيفة: "إنها تظهر الدور الحيوي، الذي قامت به بريطانيا في إقامة وطن للشعب اليهودي، وسنحتفل بهذه الذكرى المئوية بفخر".

توجهات سياسية متطرفة

وفي أعقاب تلك التصريحات الإستفزازية من رئيسة الوزراء البريطانية، أكدت وزارة الإعلام الفلسطينية أن تصميم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى على الاحتفال بمئوية عام على وعد بلفور، وتفاخرها أمام البرلمان بدور بلادها فى إقامة وتكريس دولة الاحتلال "إسرائيل" يعد تكرارًا للجريمة السياسية الأكبر فى التاريخ الإنسانى، ومواصلة للخروج على كل التقاليد الدبلوماسية.

ولفتت الوزارة إلى أن رفض "ماى" الاعتذار عن الوعد الأسود وإصرارها عليه لا يعكس توجهات سياسية متطرفة فقط، بل يُدلل على أزمة أخلاقية كبرى تصدر من عين بريطانية مصممة على التعامي، وتدافع بشراسة عن نكران الحق الفلسطينى، مبينة أن ما تفعله رئيسة الوزراء البريطانية، لا يمكن أن يساهم بأى صيغة فى إحلال السلام العادل والشامل ليس فى فلسطين فحسب وإنما فى العالم كله.

وأكدت أن الدفاع عن وعد بلفور يكرس الانحياز المطلق لفكرة الاحتلال، ودعم التمييز العنصرى، والاعتزاز بالإرث الاستعمارى البريطانى، والتمجيد بشكل أو بآخر للحربين العالميتين: الأولى والثانية، وما خلفتاه من نتائج دموية، وما سبقهما من انحياز أعمى واستقطاب.

بريطانيا ستدفع ثمنا غاليا من سمعتها

من جهتها، دانت حركة "فتح" تصريحات تيريزا ماي وتصميمها على الاحتفال بمئوية "وعد بلفور"، الذي وصفته بالمشؤوم، فيما أكد منير الجاغوب، رئيس المكتب الإعلامي في مفوضية التعبئة والتنظيم لحركة "فتح"، إن بريطانيا ستدفع ثمنًا غاليًا من سمعتها وصورتها جراء احتفالها بذكرى"وعد بلفور"، مضيفا أن هذا الأمر سيؤسس لعزلها أمام المجتمع الدولي والمنطقة بأكملها.

وأضاف قائلا:"إن تصريح تيريزا ماي يعبر عن انحياز حقيقي لدولة الاحتلال العنصرية، وتكمن خطورته في تشريعه للاحتلال، الذي يستهدف الأرض والإنسان الفلسطيني، وفي تنصل بريطانيا من مسؤليتها ومن ما يترب لشعبنا عليها من حقوق.


جهل بريطاني

من جهته قال أمين عام الرئاسة الفلسطينية، الطيب عبد الرحيم، إن تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماى، عن احتفال بريطانيا بالذكرى المئوية لصدور "وعد بلفور"، ينم عن جهل بحقائق التاريخ ووقاحة سياسية، وإصرار على تأييد الجريمة التى وقعت بحق شعبنا الفلسطينى.

وأضاف قائلا: "إن إصرار رئيسة الحكومة البريطانية على الاحتفال بمرور مائة عام على الوعد المشئوم، إنما يمثل أيضًا تأييدًا للسياسات العنصرية والقمعية التى يمارسها الاحتلال، وتؤكد بصورة لا نقاش فيها، أن بريطانيا تقف إلى جانب استمرار التوتر فى منطقة الشرق الأوسط بتدمير حل الدولتين والتوصل إلى حل يكفل لشعبنا الحصول على دولته فى حدود عام 1967م، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية".

وقال عبد الرحيم إن هذا الفخر الذى تحدثت عنه رئيسة الوزراء البريطانية بإقامة الكيان العنصرى فوق أرضنا، وعلى أنقاض الشعب الفلسطينى، هو العار بحد عينه، وهى السياسة التى لم تتغير لبريطانيا طوال احتلالها أو ما يسمى انتدابها على فلسطين، وبذلك فهى تتحمل مسئولية سفك دماء شعبنا ومعاناته مع الشعوب العربية جميعها".

وتابع: "لكن الشعب البريطانى بدأ يدرك الآن حجم المأساة والجريمة التى صنعتها بريطانيا عن عمد وسابق إصرار، وها هو يشارك شعبنا فى وطنه تضامنه ووقفته ضد تلك السياسة الاستعمارية ورموزها الذين يستحقون المحاكمة والعزلة لكل من يؤيدها".

خطة لمقاضاة بريطانيا

وفي يوليو الماضي، أعلن وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، أمام أعضاء جامعة الدول العربية، أن حكومة عباس تعد خطة لمحاكمة بريطانيا بسبب إصدار "وعد بلفور"، فيما شدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في سبتمبر الماضي، خلال كلمة ألقاها أثناء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ضرورة أن تقدم السلطات البريطانية الحالية اعتذارعن إصدار "وعد بلفور" ومنح تعويضات للفلسطينيين على احتلال أراضيهم، وجدد عباس مطالبته لبريطانيا، الذي أعلن عنها في الدورة السابقة للجمعية العامة للمنظمة العالمية عام 2016.

هناك أمل في تغيير السياسات

ويفسر سامر خليوي، المحلل والخبير السياسي، موقف تيريزا ماي، قائلا: "هو استكمال لمواقف الحكومات البريطانية السابقة، وتأييد مستمر لوعد بلفور المشؤوم والذي يعتبر ناقصًا، حيث لم تعترف الحكومة البريطانية إلى الان بالحقوق السياسية للشعب الفلسطيني والتي تمكنه من إقامة الدولة الفلسطينية والاعتراف بها".

وأضاف "خليوي" من لندن في تصريحات خاصة لـ"الفجر" ضرورة أن يوضع في الاعتبار الدور الكبير والهام الذي يلعبه اللوبي الاسرائيلي هنا ببريطانيا والذي يخضع له معظم القادة والسياسيين باستثناء قلة قليلة، والمتمثلة بحزب العمال البريطاني، الذي يرفض هذا تمامًا، وبالتالي هناك أمل في أن تتغير السياسات من خلال سيطرته على الحكم.

تصريحات "ماي" مرفوضة ويجب الاعتذار

وفي ذات السياق أكد عبد الناصر فروانة، ‏رئيس وحدة الدراسات والتوثيق بهيئة شؤون الأسرى والمحررين‏ الفلسطينيين، أنه يجب على بريطانيا أن تصحح خطأها التاريخي، وأن تعتذر عما ألحقه وعد بلفور من مصائب وكوارث للشعب الفلسطيني.

وأضاف من فلسطين في تصريحات خاصة لـ"الفجر"، أن بريطانيا عليها ان تتحمل مسؤولية ما لحق بالشعب الفلسطيني جراء ذلك، وخاصة الجرائم ما بين فترتي 1917-1948، مشددا على ضرورة الوقوف طويلا أمام هذه الفترة التي لا يلتفت إليها أحد، منوها على أن الغالبية تسقط تلك الفترة، وتنتقل من وعد بلفور 1917 الى 1948، برغم خطورتها وأهميتها.

ووصف "فروانة" تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية بأنها "تكريس لجريمة بلفور وبريطانيا وتثبيت لجرائم المحتل الإسرائيلي"، معربا عن رفضه التام لتصريحات "ماي" مطالبا اياها وسياسي بريطانيا بالإعتذار ل عما لحق بالشعب الفلسطيني من جراء وعدهم الأسود.