الملف الأسود لـ"هشام عشماوى"

العدد الأسبوعي

الارهابي هشام عشماوى
الارهابي هشام عشماوى


"المقنع" الذى يدير الإرهاب فى مصر

■ هل بترت ساقه فى مستشفى درنة أم انتقل إلى مصر ونفذ عملية الواحات؟


بحسابات الواقع وخطورة العمليات ونوعية الأهداف، أصبح هشام عشماوى، وفى أقل من أربع سنوات، هو الرقم الأصعب فى معادلات المشهد الإرهابى فى مصر.

تشير إليه أصابع الاتهام فى تلك اللحظة ولتنظيمه «المرابطون»، بالوقوف وراء الهجوم الإرهابى على رجال الشرطة فى الكيلو  135 بطريق الواحات بالجيزة.

المؤكد أن تكتيكات العملية، وطريقة تنفيذها، تشير إلى وجود عقلية تتمتع بخبرات قتالية تقف خلفها، وهى صفة ترتبط بعشماوى من دون شك نظرًا لخلفيته العسكرية.

كما سبق أن ارتبط اسمه بقائمة من أخطرالعمليات الإرهابية وأكثرها دموية، فى أعقاب عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى، سواء ما كان منها تحت مظلة تنظيم «أنصار بيت المقدس» كمذبحة الفرافرة، ومحاولة اغتيال وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم، وتفجير مديرية أمن الدقهلية، أو ما نفذه بتوقيع تنظيمه الحالى «المرابطون»، كتفجير القنصلية الإيطالية فى وسط القاهرة.

 ربطه البعض بعمليات كاغتيال النائب العام السابق المستشار هشام بركات، واستهداف الكتيبة 101حرس حدود، المعروفة بـ«مذبحة العريش الثالثة»، غير أن لائحة الاتهامات والإدانات فى العملية الأولى خلت من اسمه، فيما أن العملية الثانية جرت بعدما انفصل عضويًا عن أنصار بيت المقدس، جراء بيعة الأخير لداعش.


1- تصنيع الأسطورة

نجح هشام عشماوى منذ اللحظة الأولى فى توظيف نجاح عملياته، واستغلال «الأساطير» المنسوجة حول قدراته الفائقة والاستثنائية فى التنكر والتخفى والهروب، فى الترويج لنفسه والدعاية للتنظيم الذى ينتمى إليه، كلاعبين مؤثرين لا مفر من أن يعمل الجميع لهما ألف حساب وحساب.

من تلك الأساطير، أن عشماوى نجح فى إحدى المرات أن يتنكر فى صورة «كومودينو» فلم يلحظه رجل الأمن كان يقف إلى جواره، وأنه لا يمكث فى مكان واحد سوى ساعات قليلة، وأنه يتنقل طوال الوقت مرتدياً حزاما ناسفا حول خصره  لتفجير نفسه إذا ما نجحت أجهزة الأمن فى الوصول إليه.

 فلم يكن إذن ينقص المخطط الاستراتيجى الأخطر للإرهاب فى مصر، إلا لقب «المقنَع» ليضفى مزيداً من الغموض والإثارة على «أسطورته الشخصية «وعلى الحالة برمتها، فى سياق مجموعة من الكنى والأسماء الحركية المتعددة، اشتهر بها عشماوى، مثل « شريف، وأبو مهند»، وذلك قبل أن يسمى نفسه  «أبوعمر المهاجر المصرى»، زعيم جماعة «المرابطون» ومقرها مدينة درنة الليبية.

بدورها، توثق التحقيقات الرسمية أيضاً من الوقائع ما يؤكد أن عشماوى هو قيادة «استراتيجية» إرهابية، ذات امكانيات ميدانية وتنظيمية شديدة الخطورة على الأمن القومى، وأنه المطلوب الأخطر لدى أجهزة الأمن فى مصر، والمطارد أيضا من السلطات فى ليبيا.


2- التحول  

تشير البطاقة التعريفية الرسمية للإرهابى الشبح، أن اسمه هشام على عشماوى مسعد، من مواليد 1978، وهو ضابط صاعقة سابق أيضاً، كان التحق بالكلية الحربية سنة 1996، وعرف بتفوقه بين زملائه فى فرق الصاعقة الأساسية كفرد أمن فيها، وكذلك فى فرق التدريب التى تلقاها فى الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن  يتحول إلى الفكر المتطرف ويتم فصله من الخدمة، وتنقطع صلته بالمؤسسة العسكرية بنهاية 2011.

لا يمكن الوقوف على لحظة بعينها للتحول «المظلم» فى مسيرة العشماوى، فى ظل وجود عدة روايات متداولة حول قصة انزلاقه إلى الفكر الجهادى المتطرف، أشهرها، أن الشبهات بدأت تثار حول ضابط الصاعقة المفصول، بعد أن احتد بشدة على خطيب مسجد كان يصلى فيه، لمجرد أنه قد أخطأ فى ترتيل القرآن.

وقد وُضع  هشام عشماوى تحت المراقبة بعد تلك الواقعة، كما تم التحقيق معه بسببها، حيث استمر فى الترويج للفكر المتشدد بين زملائه بالخدمة، وفى توزيع كتب مشايخ السلفية الجهادية عليهم، كما كان يحرضهم بأن «التحية والسلام لله فقط»، وأن «الحكام كفرة»، ما أسفر عن تحويله لوظيفة إدارية  سنة 2007، ثم تقديمه للمحاكمة العسكرية قبل فصله نهائياً.

أما الرواية الثانية، فتشير إلى واقعة شديدة الأهمية فى حياة عشماوى، تتعلق بوفاة والده أثناء خدمته، فيما لم يتمكن من العودة إلى القاهرة لرؤيته جراء ظروف العمل، ما أدى إلى اصابته بالاكتئاب، وسمح لمجموعة من المتطرفين بالتقرب منه فى ذلك التوقيت واقناعه بأن التزامه بعمله، كان السبب وراء اهماله فى رؤية والده قبل وفاته.

فيما تزعم رواية  منسوبة لأحد أقارب هشام عشماوى أن التحول الحقيقى فى حياة «المقنع» كان فى 2006 بعد أن تم إلقاء القبض على أحد أصدقائه وقد توفى داخل السجن، ما ذهب به نحو التطرف.

وسواء صحت إحدى هذه الروايات، أو ساهمت جميعاً فى تحوله إلى إرهابى «استثنائى».. «جاهز ومدرب»، فقد لجأ عشماوى بعد استبعاده من العمل، إلى التجارة، وتحديداً استيراد وتصدير الملابس وقطع غيارالسيارات، قبل أن يكون خلية إرهابية من أربعة ضباط شرطة مفصولين أبرزهم المقدم هاشم حلمى، ضموا إليهم آخرين، فكان يعقد اجتماعه معهم فى أحد مساجد المطرية، ثم نقل اجتماعاته معهم بعد ذلك إلى مسجد أسسه والده بمدينة نصر. 


3- الانضمام إلى "أنصار بيت المقدس"

فى 27 إبريل 2013 تم رصد سفر عشماوى إلى تركيا ومنها إلى سوريا حيث شارك فى القتال هناك، ثم عاد مرة أخرى لينضم إلى اعتصام رابعة.

لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة فى حياة عشماوى، وهى علاقته بتنظيم «أنصار بيت المقدس» فى سيناء، وانضمامه إليه.  

تنص التحقيقات فى القضية رقم 857 لسنة 2014 حصر أمن دولة عليا، المعروفة إعلاميًا بـ«قضية أنصار بيت المقدس الثالثة»، بأن «أبوهمام الأنصارى» قائد تنظيم أنصار بيت المقدس، نجح فى إعادة هيكلة التنظيم، وتقسيمه إلى مجموعتين، الأولى فى الوادى الجديد، والثانية فى شمال سيناء.

وقد تولى هشام عشماوى «أبوعمر المهاجر»، قائد عمليات التنظيم، مسئولية مجموعة الوادى الجديد بنفسه، فيما أسند مسئولية المجموعة الثانية  إلى شادى المنيعى، الإرهابى السيناوى.

وفى تلك المرحلة، ظهرت بوضوح الإمكانيات التنظيمية لعشماوى، الذى بدأ بتقسيم عناصر مجموعته إلى ثلاث مجموعات جغرافية، لتجنب الرصد الأمنى، هى: المركزية، والصحراء الغربية، والإسماعيلية والشرقية، وعين لكل مجموعة أميرًاعليها.

شكل عشماوى أيضاً مجلس شورى لخلية الوادى الجديد،  ضم كلًا  من صديقه الضابط المفصول أيضاً، عماد الدين عبدالحميد، واسمه الحركى «حاتم»، وقد أسند له عشماوى مسئولية التدريب العسكرى لأعضاء التنظيم على  تصنيع المتفجرات والأحزمة الناسفة وتفخيخ السيارات، وكذلك عين أشرف الغرابلى مسئولاً لمجموعة رصد المنشآت والشخصيات المستهدفة، كما عين محمد أحمد نصر، مفتياً للتنظيم فى الصحراء الغربية، وعمر السمان، مسئولاً «فكرياً»، وذلك بالإضافة إلى كل من أيمن أنور«هندسة»، وصبرى النخلاوى، وأحمد السجينى، كمعاونين.

أصدر عشماوى أوامره بتجنيد عناصر جديدة، فاعتمد استراتيجية الخلايا العنقودية لتفادى الضربات الأمنية، وأصدر أوامر مشددة بعدم استخدام التليفونات، واستخدام الأسماء الحركية طوال الوقت، وعدم السماح بتحدث اثنين من عناصر التنظيم على انفراد، واستخدام المزارع للاختباء واخفاء الأسلحة والصواريخ والمتفجرات.

منذ اللحظة الأولى كذلك  كانت ليبيا حجر زاوية مهماً فى المشروع  الإرهابى لهشام العشماوى، فكلف الإرهابى سلمى سلامة بتأسيس معسكر للتنظيم فى ليبيا وإرسال مقاتلين لتدريبهم على حرب العصابات والمدن واستخدام جميع أنواع الأسلحة وطرق إعداد المتفجرات، وكذلك تهريب كميات كبيرة من الصواريخ والأسلحة والذخائر إلى داخل البلاد، حيث اعتمد التنظيم على ليبيا كمخزن للسلاح، فيما اعتمد عمليات السطو وبخاصة على البنوك لتوفير الطعام والشراب والمال.


4- التمرد على داعش

فى أواخر 2013 نفذ عشماوى محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق اللواء محمد ابراهيم بمشاركة ضابطين مفصولين آخرين هما وليد بدر وعماد عبدالحميد، وفى يوليو 2014 نفذ بمشاركة ذراعه اليمنى عماد عبدالحميد مذبحة الفرافرة التى أسفرت عن استشهاد 22 مجنداَ، وأصدر تنظيم أنصار بيت المقدس،  فيديو لها باسم «صولة الأنصار». وفى شهر سبتمبر من نفس العام نفذ عملية الفرافرة الثانية، التى أصيب فيها وانتقل إلى درنة للعلاج، وكان «بيت المقدس» قد أصدر برومو يحوى صوراً ولقطات من العملية يروج لها تمهيداً لإذاعته بعنوان «صولة الأنصار2».

لكن فى نوفمبر 2014 كان تنظيم أنصار بيت المقدس قد أعلن مبايعته لتنظيم لـ»الدولةالإسلامية/داعش»  وتحول إلى «ولاية سيناء»، الأمر الذى دفع عشماوى للانشقاق بمجموعته، واصدار أول بيان رسمى لمجموعته مذيلا بتوقيع «كتيبة الرباط « وورد فى نصه: «اعلموا إخواننا بأننا لم ولن نخضع لبيعة البغدادى لأننا لا نرى خلافته قد أقيمت بوجه شرعى وخلت من مضامين شرعية مستوجبة لإقامة ذلك الأمر».

وهو ما فسر بعد ذلك عدم إذاعة تنظيم «ولاية سيناء» لفيديو عملية الفرافرة الثانية، بسبب اشتراك عشماوى فيها، أو لأنه رفض تسليمهم فيديو العملية الذى كان بحوزته كاملاً.


5- تأسيس "المرابطون"

فى أعقاب اغتيال النائب العام السابق يونيو 2015، وفى توقيت شديد الدقة، حيث كانت المعركة التنافسية بين  تنظيمى داعش والقاعدة فى مصر على أشدها، خرج عشماوى باصداره الصوتى الوحيد حتى الآن معلنا تأسيس تنظيمه جماعة «المرابطون» وموقعاً بكنيته الأشهر «أبو عمر المهاجر المصرى»، وذلك فى إجراء تصعيدى واضح فى مواجهة داعش الذى كان يسيطر على مسرح العمليات الإرهابية فى سيناء آنذاك.

جدد عشماوى فى الاصدار بيعته لأيمن الظواهرى زعيم القاعدة، وصدره بكلمة مصورة له وبفيديوهات وصور لأسامة بن لادن مؤسس التنظيم.

إصدار العشماوى تضمن كذلك مجموعة من الرسائل كان من أهمها، تصدير خطاب «تجنيدى»، «محلى» من الطراز الأول، ارتكز فيه على عوامل قوته، ولعب على نقاط ضعف داعش فى الداخل وصدر نفسه كقائد مصرى الجنسية لتنظيم مصرى الجنسية بالكامل، يتبع رأسا تنظيم القاعدة الذى يتزعمه الآن مصرى آخر هو الظواهرى، فى مواجهة «تنظيم داعش» ذى التوجه العولمى، والذى يتزعمه خليفة عراقى الجنسية. 

حرص عشماوى  أن يكون أول ظهور إعلامى  له كأمير لـ»المرابطون» «الإصدار الصوتى المدعوم بالصور» متسمًا بطبعة «مزدوجة» يظهر فيها بصورته الأولى مرتديا بدلته العسكرية أثناء وجوده فى الخدمة، وفى الثانية ببدلة العمليات كقائد لتنظيمه الإرهابى الجديد، فى  خطاب تجنيدى واضح لزملائه السابقين ربما ولغيرهم.

بعدها طالب داعش برأس عشماوى، كما قام داعش بتنفيذ عملية خطف وقتل الرهينة الكرواتى، فى الصحراء الغربية، لاثبات أنها ليست منطقة نفوذ منفردة لـ»المقنع».


6- "العلاقة المزدوجة"

وفيما يظل هشام عشماوى وتنظيمه، رقماً مهما فى معادلة الصراع بين تنظيمى القاعدة وداعش فى المنطقة، ويصب نجاح عملياته فى صالح تنظيم القاعدة الذى يشهد الآن مرحلة صعود جديدة فى مقابل توارى نفوذ رجال البغدادى، فإن الصراع تواصل بينه وبين داعش داخل الأراضى الليبية عبر معارك طاحنة هناك أصيب فى إحداها ودخل المستشفى فى درنة للعلاج، ويتم تداول المعلومات بشأن تعرضه لبتر فى القدم  بسبب تلك الاصابة.

ومع ذلك فيبدو أن عشماوى يحتفظ بعلاقة مزدوجة مع داعش، تحمل فى طياتها على الجانب الآخر تحالفاً بينهما لضرب الداخل المصرى، حيث سبق أن أعلن المتحدث باسم الجيش الليبى، العقيد أحمد المسمارى، أن عشماوى الموجود فى مدينة درنة، ضالع فى الهجوم الإرهابى بالمنيا فى مصر، والذى أسفر عن مقتل 29 قبطيًا مايو 2017، وهى العملية المنسوبة لعمر سعد أمير داعش فى الصعيد ومجموعته.

ومع تصاعد ضربات الأمن ونجاحاتها تلجأ التنظيمات عادة لتجاوز خلافاتها الأيديولوجية والاتحاد معًا لضرب من يعتبرونه عدوهم المشترك.