سامح المشد يكتب: صراع الأفاعي في إيران

مقالات الرأي

سامح المشد
سامح المشد


في إيران، يدق (حراس الفضل، والفضيلة)، ناقوس الخطر، فعلى مستوى الحياة السياسية، والدينية، يزداد تأثير الإسلام السني، في دول العالم العربي، وتكاد تقل المساجد في الجمهورية الإسلامية، من مرتاديها، بالإضافة إلى هروب الجيل الجديد، من الشباب، بصفة خاصة، من التدين، إلى طوائف مختلفة.

وهذه الظاهرة الخطيرة، تكشف عن تضاد واضح، بين إيران، والدول الإسلامية الأخرى، لانتشار ظواهر المذاهب، المملوءة بالأساطير، والخرافات، بين الشباب الإيراني. 

أزمات، وإخفاقات، وتناحرات، تنخر في عظام إيران، وتتنازع لنزع فتيل القنبلة الموقوتة، التي قد تنفجر في أي وقت، وذلك لأن الشأن الداخلي لإيران، يظهر لنا ضعفه، ويكشف لنا هشاشته، فهي تعاني معارضة داخلية، ومضاربة خارجية، بالإضافة إلى مشكلات الأقليات المضطهدة بالداخل، مثل: (عرب، وأكراد، وأتراك، وبلوش، وجيلاك)، وأيضا هناك معارضة مسلّحة مثل: (جند الله)، و(حزب الحياة الحرة)، فضلا عن وجود الإعلام المعارض، الذي يُحرّض بقوة وشراسة (الداخل الإيراني)، كقناة (أفق إيران)، و(راها).

نصف سكان إيران من الفرس، والنصف الآخر هم: أذريون (25%)، وأكراد (7%)، وعرب (3%)، والباقي بلوش، وتركمان، وغيرهم. 

وهذا المزيج، وهذه المنوعات، تعد بمثابة متفجرات، لأن هذا المزيج من الطوائف، والخليط من الأفكار، يشكل بيئة صالحة، وأرضية خصبة، وبؤرة مناسبة، لتفجير العديد من الثورات، والمزيد من الصراعات.

وإذا ما تعمقنا أكثر، داخل الدولة الإيرانية، لوجدنا تقسيمًا آخر، أشد خطورة، وهو التنوع الديني، الذي يمثل تعداد المسلمين من الشعب الإيراني، حوالي 98.9%، منهم 91% من المذهب الشيعي.

عندما كنت أتصفح بعض الكتب في الشأن الإيراني، وجدت أن الكاتب الكبير (صادق زيبا)، وهو مفكّر، ومؤرخ، إيراني بارز، وبروفيسور، بجامعة طهران، الذي كشف عن نظرة الضغينة، والحقد، والغل، للإيرانيين الفرس تجاه العرب، قال: (يبدو أننا كإيرانيين لم ننس بعد، هزيمتنا التاريخية، أمام العرب، ولم ننس القادسية، بعد مرور 1400 عام عليها، فنخفي في أعماقنا ضغينة، وحقدًا، دفينين تجاه العرب، وكأنها نار تحت الرماد، قد تتحول إلى لهيب، كلما سنحت لها الفرصة). 

وبعد انتهاء اكتشاف المفكر الإيراني، فإن الأمر كان على نفس المنوال، منذ الحقبة الملكية، حيث كانت تسود إيران نظرة تدن للعروبة، تحطّ هذه النظرة من شأن العرب، ومازالت هذه النظرة المتدنية، سائرة حتى اليوم، ومن هنا، وفي هذه الجزئية، أود، بل أريد الاستماتة في التأكيد، على أن الغرض الأساسي، والدوافع الرئيسية، من وراء تأسيس مجمع اللغة الفارسية، في إيران، هو طرد جميع الكلمات، والمصطلحات العربية، من الفارسية، وهذا يدل على الحقد الإيراني الدفين تجاه العرب.. 

أقول إننا نحن المصريين، والعرب بكل شموخ، وعلو منزلة، وسمو مكانة، ورفعة قامة، وقوة قيمة، لا نكره أحدًا، لأنه لا فرق بين عربي، ولا أعجمي، ولا أبيض، ولا أسود، إلا بالتقوى، كما علمنا الجناب النبوي (صلى الله عليه وسلم).

إن التحالف العربي، ضد احتلال اليمن، من قبل عملاء النظام الإيراني الغادر، كان ضروريًا، ولكن الأهم، أن تتوسع دائرة هذا التحالف، ليشمل باقي الدول المجروحة، المذبوحة، المكلومة، مثل العراق، وسوريا، ولبنان، وقطع أذرع الفاشية الدينية، الحاكمة، في إيران، وعملائها في هذه البلدان، وإسقاطهم، ويجب توحيد الجهود، وإمكانية الصمود، ضد الدكتاتورية الدينية، الإرهابية، الحاكمة، في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

لو عدنا إلى الوارء قليلا، للنظر في النظام الإيراني، منذ الثورة الإسلامية عام 1979، وحتى الآن، من صراع إلى صراع، ومن خداع إلى خداع، ومن ضياع إلى ضياع، ومن ألم إلى ألم، والشعب الإيراني يرى بأم عينه، ميزانية بلاده تذهب لمشاريع (الملالي)، التوسعيّة الخارجية، وحتما ستنهار إيران، بسبب ديونها، وتبديد ثرواتها، التي تقدم لدعم "الإرهاب" في العالم، ومن ثم تجد أن إيران علنا.. تفخر بما تفعل، وسرا.. تجدها في ذعر من هذا الشرر الداخلي الملتهب، القابل للاشتعال، والفتيل الخارجي، القابل للانفجار، بالإضافة إلى الشعب الذي بدأ يشعر بالغضب، من النظام الحاكم، فكان لزاما على النظام الجائر، أن يدفع ثمنًا غاليًا، من دماء أبنائها، فما زال يضُخّ أموالًا طائلة، من أموال الشعب المنهوب، والأزمات الداخلية، للنظام الفاسد.

وما تخوضه، من إرهاب، ودمار، ونار، وعار، في سوريا، ولبنان، والعراق، واليمن، والخليج العربي، أستطيع أن أسميه (صراع بقاء)، وإعلام يتظاهر بالموضوعية، والإيجابية، والقوة، والتماسك.

أضيف حقيقة مهمة في هذا الموضوع، وهي أن التدخلات العدوانية، للنظام الإيراني، وتأجيج نيران حروبه، في منطقة الشرق الأوسط، التي لا تأتي من موقع قوة، بل كانت محاولات مستميتة، من قبل النظام الإيراني، من أجل التستر على أزماته السياسة، والدينية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتي تعد أزمات مستعصية، متخبطة، ولكنها متأصلة، ومتجذرة، تتعمق يومًا بعد يوم، وتزداد يومًا بعد الآخر، ولكن في مواجهة الحزم، والحسم، يضطر هذا النظام إلى التراجع، شأنه شأن سياسة المهادنة، والمسايرة، التي شجعته على التمادي في العدوان والاحتلال.

فالأوضاع المتتالية للتدخلات الفارسية، واقتناص الفراغ العربي، وضعف الأمن القومي العربي، تؤكد عدم تلكأ الأقطار العربية، عن نصرة بعضها البعض، فكان ميلاد فجر جديد، ورأي سديد، لمخاض وعي الأمة العربية، بباكورة التحالف العربي، الذي يعبّر عن شعورها بذاتها، وتحقيق كيانها، ومكانها، ومكانتها. 

كاتب المقال: 
مستشار بالسلك الدبلوماسي الأوروبي والمتحدث الرسمي باسم النادي الدبلوماسي الدولي