إسرائيل تعيد حساباتها الأفريقية بعد فشل انعقاد قمة توجو

العدو الصهيوني

نتنياهو
نتنياهو


جاء فشل انعقاد قمة توجو كأول قمة إسرائيلية أفريقية ليقدم دافعا لإسرائيل لإعادة حسابات سياستها الخارجية تجاه الأفارقة، فبينما كان شعار القمة هو "بناء جسور نحو رخاء مشترك للأفارقة ولإسرائيل" من خلال تعزيز العلاقات التجارية والأمنية والدبلوماسية بين إسرائيل وأفريقيا، بدا بوضوح أن عددا غير قليل من بلدان أفريقيا ترفض المضى قدما على "تلك الجسور" ففى ديربان بجنوب أفريقيا وفى شهر سبتمبر منذ 16 عاما كانت الضربة الأولى التى تلقتها إسرائيل من مؤتمر دولى ساوى بين الصهيونية والعنصرية، وفى سبتمبر 2017 كانت الضربة الثانية من أفريقيا بإلغاء القمة الأفريقية الإسرائيلية وهى القمة التى كان مقررا أن تستضيفها لومى عاصمة جمهورية توجو فى الفترة من 23 وحتى 27 أكتوبر المقبل وأحدثت انقسامات حادة حولها منذ الإعلان عنها فى يونيو الماضي.

 

ويقول افرايم نجيسو رئيس رابطة الأعمال الإفريقية الإسرائيلية فى الكنيست الإسرائيلى إن إلغاء قمة توجو يعد خسارة لإسرائيل التى كانت تأمل من خلالها تدشين شراكة استراتيجية مع الأفارقة تقوم على الدبلوماسية ومشروعات الأعمال، كما كان مقررا أن تشارك فى هذه القمة شخصيات مؤثرة من مجلس الصداقة الإسرائيلى الأمريكى / ايباك / وقياديون فى الرابطة اليهودية الأمريكية التى تعد أحد جماعات الضغط على السفراء الأفارقة فى الأمم المتحدة.

 

واعتبرت صحيفة ميدل ايست مونيتور التى تصدر فى لندن أن قمة توجو الملغاه " معولا خبيثا لهدم الأساس الأخلاقى الذى يقوم عليه الاتحاد الأفريقي"، ونقلت الصحيفة عن دبلوماسيين أفارقة قولهم إن القمة كانت ستعطى "صك المشروعية" لإسرائيل التى أرادت استمالة الأفارقة عبر شعار براق وهو "إسرائيل تعود إلى أفريقيا".

 

وبرغم أن إلغاء القمة جاء بناء على طلب من الرئيس التوجولى فارو كينسينجيبى متذرعا بما تشهده بلاده من اضطرابات داخلية واستحالة استضافة القمة وسط تلك الظروف، يعتبر المراقبون أن التوترات الداخلية فى توجو وإن كانت سببا فى إلغاء القمة لكنها لم تكن السبب الوحيد فى ظل تقارير تؤكد وجود ضغوط أفريقية وعربية سعت باتجاه إفشال عقد القمة.

 

وقالت مصادر فلسطينية إن مقاطعة كثير من بلدان أفريقيا والبلدان العربية الأفريقية لقمة توجو كان عاملا أساسيا لإفشال انعقادها، وألمحت المصادر ذاتها إلى أن البلدان الأفريقية تعى جيدا الدور الإسرائيلى فى إمداد بؤر للتمرد والتوتر فى القارة بالأسلحة للمتمردين وإمداد أدوات القمع للحكومات فى كثير من بلدان القارة فى مقدمتها جنوب السودان وبوروندى وجميعها صنعتها إسرائيل وجربتها فى قمع المقاومين والمنتفضين فى الأراضى الفلسطينية، فضلا عن ملف إسرائيل الأسود فى مجال حقوق الإنسان.

 

وأكدت صحيفة تايمز اف إسرائيل - التى تصدر فى تل أبيب - على أن تحرك إسرائيل لتحسين علاقاتها مع الدول الأفريقية يعد جزءا من جهود إسرائيل لكسب الشرعية والدعم والتأييد لمواقفها وقراراتها فى الأمم المتحدة لا سيما بعد نجاح الدبلوماسية الفلسطينية فى الأمم المتحدة فى إجهاض مساع إسرائيلية للحصول على عضوية منتخبة فى مجلس الأمن الدولي، وأرجع المراقبون فى تل أبيب سبب فشل التحرك الإسرائيلى إلى اعتماد الدبلوماسية الفلسطينية على ورقة التصويت الأفريقية وتعبئتها لرفض المسعى الإسرائيلي، وكشفت مصادر إخبارية إسرائيلية عن أن بعض الرعاة الماليين للقمة الإسرائيلية الأفريقية الملغاة هم من الضالعين فى دعم توريد الأسلحة الإسرائيلية إلى أفريقيا.

 

وكذلك كشفت الصحافة الإسرائيلية عن أن الإدارة الأمريكية كانت تنوى إرسال وفد للقمة الأفريقية الإسرائيلية الملغاة لتنسيق استراتيجية إدارة ترامب تجاه أفريقيا على ضوء مجريات تلك القمة وعلى ضوء التكليفات الصادرة للكولونيل الأمريكى ادريان بوجارت الذى عينه ترامب رئيسا لمكتب الشئون الأفريقية فى مجلس الأمن القومى الأمريكي.

 

وقبل أيام قليلة كان رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يعتبر انعقاد القمة انتصارا كبيرا واختراقا تاريخيا لإسرائيل فى افريقيا وانه بمثابة "العودة الكبرى" للقارة السمراء من جانب إسرائيل من خلال تقديم نموذج للتنمية والتطوير التكنولوجى الذى حققته إسرائيل وتريد إفادة القارة الأفريقية منه، نتنياهو نفسه قام بالترويج الاستباقى لتلك القمة منذ العام الماضى من خلال جولة أفريقية قام بها فى يوليو 2016 شملت كلا من أوغندا وكينيا ورواندا وأثيوبيا ومشاركته فى قمة قادة دول غرب أفريقيا فى منروفيا عاصمة ليبيريا فى يونيو الماضي.

 

وقال مراقبون إن نتنياهو يسعى من خلال تعميق شراكاته مع أفريقيا إلى تغيير نمط التصويت الأفريقى المتحالف تقليديا مع حقوق الفلسطينيين فى المحافل الدولية، وتغيير اتجاهات الأفارقة تجاه إسرائيل وكان مأمولا لدى إسرائيل أن تأتى قمة توجو فى أكتوبر المقبل كتتويج لتلك الجهود وتدشين لعهد جديد من العلاقات الأفريقية والإسرائيلية.

 

ولا يعد سعى إسرائيل للتقارب مع أفريقيا وليد اليوم إذ يرجع تاريخه للأب الروحى لإسرائيل تيودور هيرتزل ورئيسة وزرائها الأشهر جولدا مائير، وفى عام 2014 قام وزير خارجية إسرائيل أفيجدور ليبرمان بجولة أفريقية شملت رواندا وكوت ديفوار وغانا وأثيوبيا وكينيا لتنشيط علاقات التجارة مع القارة الأفريقية، وفى سبتمبر 2016 عقد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لقاءات قمة مع 18 من قادة الدول الأفريقية على هامش الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة وجميعها لقاءات شارك فيها رجال أعمال إسرائيليون وممثلون عن الشركات الإسرائيلية الكبرى المتطلعة للعمل فى أفريقيا.

 

وفى تصريحات لجيروزاليم بوست .. يرى البروفيسير دورى جولد رئيس معهد السياسات العامة ومهندس استراتيجية إسرائيل تجاه أفريقيا أن بناء تحالف "أمريكى - إسرائيلى - أفريقي" بات أمرا مطلوبا على ضوء التحديات الإرهابية القائمة على الأرض الأفريقية والتى تستهدف الوجود الأمريكى ويرى أن تعامل إسرائيل مع الملف الأفريقى من خلال تلك الشراكة قد يكون عاملا ملطفا من خلال التعاون المالى والإنمائى والأمنى والعسكرى حيث كان مقررا أن يرافق نتنياهو إلى قمة توجو الملغاة 70 من رجال الأعمال وممثلى الشركات الإسرائيلية الكبرى، كذلك كان حادث استهداف سفارتى الولايات المتحدة فى كينيا وتنزانيا أواخر تسعينيات القرن الماضى والذى أودى بحياة 224 فردا وإصابة 4085 اخرين عاملا دافعا للاهتمام من جانب مؤسسات صناعة القرار الأمنى والاستراتيجى الأمريكية لخطوة انفتاح جبهة إرهاب أفريقية تستهدف المصالح والوجود الأمريكي.

 

وتمتلك القارة الأفريقية 11 من بين 20 دولة هى الأسرع فى العالم على صعيد النمو الاقتصادى وذلك طبقا لتقارير البنك الدولي، و تشكل الكتلة الأرضية لأفريقيا كتلة أكبر من أراضى كل من الولايات المتحدة وشرق أوروبا والهند والصين مجتمعة، كما من المتوقع أن يتضاعف سكان أفريقيا البالغ عددها مليار نسمة حاليا وذلك بحلول عام 2050 بما يجعل القارة سوقا استهلاكيا كبيرا ويدلل على ذلك وجود 700 مليون هاتف محمول بأيديهم، كما يشير التركيب العمرى لسكان أفريقيا إلى أن نصفهم دون الخامسة والعشرين من العمر مما يجعلهم قوة عمل مهولة ومؤثرة اقتصاديا إذا أحسن استثمارها وتدريبها وعدم تركهم فريسة لمسئولى التجنيد فى منظمات الإرهاب أو فريسة لمهربى البشر عبر زوارق الموت لبلدان الغرب.

 

لكنه وعلى الجانب الأخر .. يوجد 600 مليون أفريقى يعيشون بلا كهرباء ويوجد 300 مليون أفريقى بلا إمدادات من مياه الشرب الآمنة ويواجه 16 مليون أفريقى فى شرقى القارة شبح الموت جوعا، وتصل اعتمادات دعم تمويل مشروعات الكهرباء الشمسية فى أفريقيا المدعومة من البنك الدولى مليارى دولار أمريكى خلال الأعوام الخمسة القادمة وهى مشروعات حرصت إسرائيل على الإسهام فيها فنيا وتكنولوجيا وتنفيذيا.

 

وتعد مؤسسة الملياردير الإسرائيلى بينى شتينميتز لاستخراج الماس أحد أهم مؤسسات التعدين العاملة فى غرب أفريقيا وتتخذ من كوناكرى عاصمة غينيا مركزا لأنشطتها، وتجدر الإشارة إلى أن الملياردير الإسرائيلى ذاته قد اعتقلته الشرطة الإسرائيلية مرتين خلال عام 2016 فى تهم بالاحتيال وغسل الأموال.

 

من جانبها، أعلنت مؤسسة / اسرائيل – 24 / الإخبارية عن شراكة مع اللجنة التنفيذية المنظمة للقمة لضمان التأثير الإعلامى للقمة وبحسب المصادر الإسرائيلية فإن القمة كانت ستعقد تحت شعار الأمن والتنمية وأنه قد تم توجيه الدعوى إلى 54 دولة أفريقية للمشاركة على مستوى القادة والوفود، وتعد مؤسسة / إسرائيل – 24 / التى تأسست فى يوليو 2013 هى أقوى الشبكات الإخبارية الإسرائيلية الموجهة للخارج وهى تبث باللغات الإنجليزية والفرنسية والعبرية والعربية عبر شركاء عمل فى كل من باريس وواشنطن ولها مكاتب أخرى حول العالم.

 

وتسعى المؤسسة إلى بناء جذور عمل قوية لها فى أفريقيا من خلال الدعاية والتنظيم لملتقى القمة الأفريقى الإسرائيلى 2017 كبداية لسلسلة ملتقيات مشابهة يتم تسليط الضوء إعلاميا عليها، ويقول فرانك ميلول المدير التنفيذى لمؤسسة / إسرائيل – 24 / الإخبارية إن هدفه الاستراتيجى هو توسيع مساحة المكون الإخبارى الخاص بإسرائيل وتعاونها مع أفريقيا فى كافة وسائل الإعلام الأفريقية فى المرحلة القادمة.