ترميم المعبد اليهودي يثير التساؤلات.. 100 مليون جنيه من أجل 6 سيدات (تقرير)

تقارير وحوارات

المعبد اليهودي
المعبد اليهودي


تسلمت شركتا أوراسكوم والمقاولون العرب، المكلفتين من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، الأربعاء الماضي، المعبد اليهودي بالإسكندرية "معبد الياهو هنبي"؛ لوضع المعدات اللازمة وتجهيز الموقع، تمهيدًا للبدء في ترميمه، وذلك تحت الإشراف الكامل من وزارة الآثار، ومن المقرر أن يستغرق مشروع الترميم حوالي 8 أشهر، بتكلفة 100 مليون جنيه ممولة من الحكومة المصرية.

 
وقد أثار ملف ترميم المعابد اليهودية في مصر تساؤلات كثيرة، خاصة وأن أغلبها لا يفتح أبوابه للزائرين سواء سائحين أجانب أو مصريين، كما أنه ليس على خريطة المصريين ولا ضمن خططهم للسياحة الداخلية، وربما يمر من أمامه آلاف المواطنين يوميًا، دون أن يعرفوا أنه معبدًا أو أنه يخص الديانة اليهودية.

 
تساؤلات مشروعة
 
قال المؤرخ المعروف وخبير المصريات "بسام الشماع" إن لديه عدة تساؤلات مشروعة حول مشروع ترميم المعبد اليهودي بالإسكندرية أولها ما هي الفائدة الاقتصادية التي تكمن وراء ترميم معبد بتكلفة 100 مليون جنيه، وهو لا يخدم سوي طائفة لا يكمل عددها عشرة أفراد؟
 
وتابع قائلا: "الفائدة الأولي من المعابد اليهودية سواء بالإسكندرية أو القاهرة هو خدمة الجالية اليهودية، وطبقًا لصفحة المصري اليوم عام 2016م، فقد أعلنت أن عدد اليهود في مصر فقط هم 6 سيدات، فهل كوزارة آثار ننفق 100 مليون جنيه علي أثر لا ينتفع منه سوي ستة سيدات؟".

 
ويضيف "الشماع" انه في أثناء عمله بالإرشاد السياحي وأثناء مرافقته لأحد الأفواج السياحية اليهودية التي تزور معبدهم بشارع عادلي تم منعه من الدخول معهم، بناء علي قرار المسؤولة عن الدخول للمعبد، فإن كانت الآثار اليهودية ليست مزارات سياحية للمصريين،، وحكرًا علي اليهود، ويتم منع أي زائر من دخولها فما الجدوي من ترميمها وإنفاق مثل هذه المبالغ عليها ولا وجود لطائفة يهودية في مصر إلا ان اعتبرنا أن ٦ سيدات طائفة؟
 

من المسؤول ؟

ويقول الشماع أن المادة رقم 30 من القانون رقم 117 سنة 1983م وتعديلاته بقانوني 3، 61 لعام 2010م تنص علي أن هيئة الأوقاف الإسلامية، وهيئة الأوقاف القبطية تراعيان الآثار الإسلامية والمسيحية، ولم تأت علي ذكر هيئة الأوقاف اليهودية فمن يراعي المعبد اليهودي، وإلي أية هيئة يتبع، وإن كان أثر فمن المفترض ألا يشغله أحد ويتم فتحه للزيارة، وهل طبقًا للمادة 30 تكون المسؤولة عن ترميمه هي الطائفة اليهودية حيث هي الجهة الشاغلة أم ماذا ؟
 
ثم فجر مفاجأة أخري وهي أن الأرقام المعلنة لترميم المعبد اليهودي بالإسكندرية متخبطة للغاية، فقد أعلنت وزارة الآثار الشهر الماضي، بترميم شخشيخة المعبد فقط بتكلفة 40 مليون جنيه، ثم فوجئنا هذا الشهر بترميم المعبد ككل، فهل المسؤولين عن المعبد من الطائفة اليهودية فوجئوا بسقوط شخشيخة المعبد؟ وليس من المفترض متابعة الأثر كل فترة بالفحص، والإبلاغ أولًا بأول عن أي ضرر يظهر عليه، وبالتالي يتم تدارك الأمر؟
 
 ثم تساءل وما الذي جعل سقوط الشخشيخة مفاجئًا أم أنه الإهمال في صيانة الأثر وعدم متابعته؟ والتي أدت إلي هذا التضارب في الأسعار المعلن عنها لترميم الأثر مرة 40 مليون ومرة أخري 100 مليون جنيه؟، وهل من رصد الـ 40 مليون جنيه هو نفس الشخص الذي رصد مبلغ الـ 100 مليون جنيه ؟.
 
ويقول أحد أساتذة الآثار –رافضًا ذكر اسمه- إن المعابد اليهودية غير مفتوحة للزيارة سوي بتصريح، عدا معبد "ابن عزرا" الموجود بمجمع الأديان بمصر القديمة، وأضاف أنه لا جدوي اقتصادية من وراء ترميم المعبد اليهودي بالإسكندرية سوي المحافظة عليه كأثر وهذا أمر هام، ثم تساءل هو الآخر من وراء إنفاق مثل هذا المبلغ الضخم ١٠٠ مليون جنيه؟.  
 
أين الأولويات ؟

ومن ناحية أخري أكمل الشماع تساؤلاته قائلًا: إن السياحة تشهد تراجعًا شديدًا، وألم يكن من الأولي أن نبدأ بالآثار التي من الممكن أن تعود بعائد حقيقي على الوزارة مثل ترميم المتحف اليوناني روماني والمغلق منذ عام 2005 م وحتي الآن، وهو أحد المتاحف ذات الجذب السياحي العالمي، حيث يضم عدد كبير من القطع الأثرية النادرة للغاية منها مجموعة تماثيل "تناجرا".
 
ويقول أن الأوربيين كانت تأتي مركباتهم إلي شواطئ الإسكندرية لزيارة المتحف اليوناني الروماني، وعندما طالبنا منذ سنوات بترميمه خرجت علينا الحجة بعدم وجود مبالغ كافية للترميم.
 
وأضاف "الشماع" أنه كان الأجدر البدء بمنطقة الأهرامات ثم المتحف اليوناني الروماني ونحذف المعبد اليهودي تمامًا ونضع أثر آخر أهم، حيث أنه لا يفيد الخريطة السياحية في مصر ولا وجود لطائفة يهودية تتعبد فيه.
 

أين رواتب العاملين ؟

وأنهي "الشماع" كلماته بكلامه عن رواتب العاملين بالآثار فقال: "إن كبير الأثريين بالآثار يتقاضي 3450 جنيه كراتب، وصغار الأثريين يتقاضون أقل من ذلك بكثير، حيث قال إن عالمة آثار شابة قالت له أنها تتقاضي راتب من الوزارة 900 جنيه، فكيف يتم تكلفة أثر واحد ترميم 100 مليون جنيه، وهو أثر لا يدخله أحد ولا يستفد به سوي 6 أفراد؟ في حين نترك رواتب حراس الحضارة بهذا الشكل؟"
 
وأضاف "الشماع"  أنه كلما أثرنا قضية رواتب العاملين تتردد نغمة أن الوزارة مدينة بما يقرب من 4 مليار جنيه علي حسب تصريحات قياداتها.
 

يقول محمد عبد العزيز مدير مشروع القاهرة التاريخية والذي صرح بمبلغ تكلفة ترميم المعبد ١٠٠ مليون جنيه بأنه بالفعل ترميم المعبد اليهودي بالإسكندرية غير ذو جدوي اقتصادية، ولكن هو تراث مصري، ويجب المحافظة عليه.
 
ويكمل "محمد عبد العزيز" مدير المشروع عن المتحف اليوناني الروماني، أنه بالفعل تم إدراجه علي قائمة الآثار التي سوف يتم ترميمها، ولكن لم يتم تحديد موعد الانتهاء منه أو التكلفة اللازمة لترميمه بعد.
 
 
رئيس قطاع الآثار لجنة مختصة وراء التقدير:

ويقول سعيد حلمي رئيس قطاع الآثار الإسلامية، أنه بالفعل تم الإعلان من قبل عن تكلفة ترميم شخشيخة المعبد وتحديدًا 5 يوليو الماضي بتكلفة 40 مليون جنيه، ولكن بعد المعاينة ارتفعت هذه التكلفة إلي 100 مليون جنيه، وتم تقرير هذه التكلفة من خلال لجنة مختصة، وأضاف أن المعبد اليهودي هو أثر يجب المحافظة عليه مثل بقية الآثار حتي وإن كان غير ذي جدوي.  
 
وأكد أن المعابد اليهودية يتم فتحها كمزارات للجميع، والمعبد اليهودي بالإسكندرية سيتم فتحة للزيارة بعد الانتهاء من ترميمه.
 
فيما قال د. أحمد شعيب أستاذ الآثار بجامعة القاهرة والأستاذ الزائر بجامعة كانشاي اليابانية أن الترميم من المجالات المكلفة للغاية في موادها الخام، ونحاول كخبراء أن نستخدم الخامات الأصلية، ومصر بشكل خاص تهتم بالآثار كلها، سواء كانت مصري قديم، أو يوناني روماني، أو إسلامي، والمعبد اليهودي يعتبر جزء من تاريخ مصر، وهو أيضًا جزء من التراث الإنساني المصري الذي يجب الحفاظ عليه أيًا كان نوعه.
 

وتابع أن ترتيب الأولويات بوزارة الآثار يبدو غير واضحًا، فالأولويات في خطط الترميم مهمة للغاية، ويجب أن تتسم خطة الترميم بالتخطيط الإستراتيجي الذي يراعي التجديد الدائم في الآثار لجذب السائح، وإظهار المخفي لدينا علي الخريطة السياحية.
 
 ويقول د. حسين محمد علي أستاذ الترميم بجامعة القاهرة أن مبلغ الـ 100 مليون قد يكون حقيقيًا، فمبالغ الترميم تتجاوز هذا الرقم لأن الخامات المستخدمة تشهد ارتفاعا متزايدا بالأسعار خصيصًا وأننا كخبراء ترميم لا نستخدم سوي الأصلي منها.
 
 العاملون: علاوة الحد الأدني ملاليم.

وتقول مروة عبد الحفيظ المتحدثة باسم اتحاد العاملين بالآثار، إن رواتب العاملين تقل عن ذلك بكثير، وتكمل قائلة "أعمل بالآثار منذ 20 عام وأتقاضي ما يقل عن 2000 جنيه شهريًا، والمثبتين بعد عمل دام 7 سنوات يتقاضون راتب 1200 جنيه، والمتعاقدين يتقاضون مبالغ تتراوح ما بين 600 و 900 جنيه.
 
وتقول "عبد الحفيظ" أن علاوة الحد الأدني التي نطالب بها منذ سنوات تكلف الوزارة مبلغ 5 مليون جنيه، فكيف لا يتأتي توافرها في حين يتوافر 100 مليون جنيه لترميم المعبد اليهودي ؟.