تحمل جدرانه "الصليب" وأبوابه "نجمة داوود".. هنا المسجد الذي يرقد فيه المتسبب بقطع علاقات مصر وإيران (صور)

أخبار مصر

مسجد الرفاعي
مسجد الرفاعي


يبدو أننا كمصريين لن نكف عن الانبهار الدائم بما وصلنا إليه من تحضر في يوم من الأيام، المسجد هو أحد أهم المعالم التي كان يحرص الأمراء والحكام علي إنشائها والعناية بها، والعمل علي عمارتها وتزيينها وزخرفتها بآخر ما تفتقت عنه قرائح فناني عصرهم.

ومسجد الرفاعي بالقاهرة والمطل علي ميدان القلعة لم يكتف بذلك فإلى جانب ضخامة البناء وروعة تصاميمه المعمارية وكثرة عناصره الرائعة وزخارفه الخلابة يحمل سمات حضارات الأديان الثلاث إضافة إلي علامات عصره.

سبب التسمية 

يقول السعيد حلمي رئيس قطاع الآثار الإسلامية إن مسجد الرفاعي ترجع تسميته نسبة إلى الإمام الرفاعي وهو المولود في أم عبيدة بالعراق بمدينة البصرة، وقد دخلت الطريقة الرفاعية إلى مصر عن طريق أبو الفتح الواسطي والذي استقر بالأسكندرية وهو أحد تلامذة الإمام الرفاعي بمصر.

ويكمل قائلًا إن مكان المسجد الحالي كان عبارة عن مقابر ومن بينها الزاوية والتكية الرفاعية، وكان مدفون بها علي أبو شباك الرفاعي حفيد الإمام الرفاعي، وإلي جانبه السيد يحي شيخ الطريقة الرفاعية، وكان المكان يسمي التكية الرفاعية أو الزاوية الرفاعية أو مسجد الذخيرة.

مراحل البناء 

ويقول جمال الهواري إن منشئ المسجد هي "خوشيار هانم" والدة الخديوي إسماعيل سنة 1869م، وقد اختارت هذا المكان المواجه لمسجد السلطان حسن درة العمارة الإسلامية بالشرق، والمطل علي ميدان قلعة صلاح الدين الأيوبي، وعهدت إلى حسين باشا فهمي بتنفيذ المشروع.

وأضاف "الهواري" أنه في عام 1885م توفيت خوشيار هانم وظل مشروع البناء متوقفاً نحو 25 عاماً حتى كلف الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1905م أحمد باشا خيري بإتمام المسجد والذي عهد إلي المهندس "هرتس باشا" بإكمال البناء، فأتمه في سنة 1911م، وكانت أول صلاة فيه بغرة شهر المحرم عام 1912م.

وعن المقابر الملحقة بالمسجد، يقول "الهواري" إن بالمسجد مقبرتي الشيخان علي أبي شباك ويحيى الأنصاري، وكذلك مقابر الأسرة الملكية التي يرقد بها الخديوي إسماعيل وأمه خوشيار هانم منشئة المسجد وزوجاته وأولاده، والسلطان حسين كامل وزوجته، والملك فؤاد الأول، والملك فاروق الأول، وتم نسبة المسجد إلي جد أحمد الصياد والد الشيخ علي أبي شباك، وهو الشيخ العارف بالله السيد أحمد الرفاعي المدفون بواصل بالعراق.




مسجد الرفاعي تحمل جدرانه الصليب 

الصليب أحد العلامات المميزة لجدران مسجد الرفاعي ويقول الاستاذ جمال الهواري أن ما يبدو للبعض شكل صليب هو مجرد أشكال هندسية استقاها الفنان المسلم مما سبق عليه من الحضارات. 

وأضاف أن الفنان المسلم في زخرفة المساجد خصيصًا كان أكثر ميلًا للزخارف الهندسية منها للنباتية أو التصاوير بحكم أن أحد بيوت العبادة. 

أما الدكتور محمد حمزة الحداد عميد كلية الأثار كان له رأيًا آخر، حيث قال إن هذا المظهر علي أثر إسلامي يخالف المعتاد من العناصر الزخرفية الإسلامية المعتادة، وأكد أنه من الطبيعي في حالة الاستعانة بمعماري أجنبي مثل "المهندس هارتس" الذي استعان به أحمد باشا خيري أنه سيحرص على إضافة ما يراه مناسبًا من عناصر. 

وأضاف أنه بالرغم من وجود الصليب علي الحوائط وبحجم كبير، إلا أن هذا لم يؤثر في السمت الإسلامي للمسجد، الذي حرص مصمميه أن يكون ضخم البناء ومساويًا لمسجد السلطان حسن إرتفاعًا، حتي لا يكون "قزمًا بجانب هرمًا" علي حسب تعبيره، وعليه إستعان المهندسين بعدد كبير من العناصر المعمارية والزخرفية لتغطية هذه المساحات الضخمة، والتي جعلت الطراز الإسلامي طاغيًأ علي المسجد، وصار الصليب عنصرًا هندسيًا يحيط بالقنديليات والقمريات الإسلامية المنشأ، ولا يمكن أن يلاحظه سوي المدقق، بل ونتج عن ذلك خليطًا بديعًا شارك في إعطاء المسجد مظهرًا خاصًا، اعتقد البعض أنه مقصودًا. 

وردًا على سؤال حول إمكانية تعديل هذا المظهر، قال إن هذا مستحيلًا بالطبع فالمسجد الآن أثر ومن الممنوع التلاعب فيه بأي شكل، ووجود المظاهر الحالية علي جدرانه يعطي فكرة للدارس عن طبائع العصر حال بناؤه، وهذه هي الغاية من وجود الأثر. 

نجمة داوود على أبواب المسجد 

أما ثاني أمر لاحظناه فهو وجود النجمة السداسية علي مقابض الأبواب الداخلية للمسجد وهو الأمر الذي استدعي سؤال مفتش الأثار المختص والمسؤول عن الأثر والذي قال أن النجمة السداسية ليست رمزًا دينيًا خاصًا بل هي موجودة في الزخرفة الإسلامية منذ بدايات العصر الأيوبي، وتعتبر النجمة السداسية هي بداية نشأة الطبق النجمي بشكله المعروف. 

وقال د. عبد العزيز صلاح أستاذ الفنون الإسلامية كلية الآثار جامعة القاهرة إن أية نجمة بأية عدد من الرؤوس ظهرت علي العمارة الإسلامية هي زخرفة إسلامية، والنجمة السداسية تحديدًا موجودة علي الكثير من العمارة الإسلامية منذ العصر الأيوبي، وأضاف: "النجمة السداسية بشكلها المألوف هي زخرفة إسلامية وهي بداية ظهور الطبق النجمي في العصر الإسلامي". 



جسد الرجل الذي أفسد العلاقات المصرية الإيرانية 

يضم مسجد الرفاعي عدد من المقابر منها من كان موجودًا ساعة بناء المسجد مثل قبر الشيخان علي أبي شباك ويحيى الأنصاري، ثم تم دفن بعض من أفراد الأسرة الملكية بالمسجد أيضًأ منهم الخديوي إسماعيل وأمه خوشيار هانم منشئة المسجد وزوجاته وأولاده، والسلطان حسين كامل وزوجته، والملك فؤاد الأول، والملك فاروق الأول. 

إضافة إلى ما سبق، استضاف الرئيس السادات جسد الشاه إيران محمد رضا بهلوي بمسجد الرفاعي، يقول السعيد حلمي رئيس قطاع الآثار الإسلامية لـ"الفجر"، إن الرئيس السادات قد عرض على الشاه إيران اللجوء إلى مصر بعد الثورة الإيرانية التي أطاحت به، وذلك بعد أن أصبح وجوده غير مرحب به في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كان قد انتقل إليها للعلاج بعد أحداث الثورة. 

‎ويكمل قائلًأ إنه بعد لجوء الشاه إيران إلى مصر ووصوله إليها بعام توفاه الله، وتحديدًا في السادس عشر من يناير عام 1980م، وأمر الرئيس الراحل محمد انور السادات بدفن جثمانه بمقابر العائلة المالكة بمسجد الرفاعي، وقد دفن في هذا المسجد أيضًا الملك فاروق، ولا عجب في ذلك فقد كان الشاه إيران زوج أخت الملك فاروق الأميرة فوزية. 

‎وكان لقبول مصر لجوء الشاه محمد رضا بهلوي السياسي ورفضها تسليمه إلى إيران، أبلغ الأثر على العلاقات بين البلدين والتي وصلت من سوءها إلى حد إطلاق اسم قاتل الرئيس السادات خالد الإسلامبولي على أحد شوارع طهران. 



علم الملكية على جدران المسجد 

يبدو أن مفاجآت مسجد الرفاعي لن تنتهي، فلازالت جدران المسجد تحمل علم الملكية ذو الهلال والنجمات الثلاث، ويقول مصطفي عمر مفتش الأثار بمسجد الرفاعي أنه من الطبيعي أن يوجد رمز الملكية علي جدران المسجد من الداخل حيث أن المسجد تم إنشاؤه من قبل أحد أفراد العائلة المالكة وهي خوشيار هانم، وخصيصًا أن الجدار المجود عليه الرمز هو جدار ضريح الأسرة الملكية. 



يبدو أن مسجد الرفاعي بالقاهرة قد جمع كل المتناقضات ومزجها وخلط بينها حتي أنتج لنا منتجًا خاصًا فريدًا لا تملك معه إلا الإنبهار التام، فمع ضخامة البناء وكثرة عناصره الزخرفية، لا تعطي فرصة للناظر أو للزائر فرصة سوي للإنبهار والتأمل والتعجب من قدرة المعماري علي رفع مثل هذا البناء الضخم.