مسجد قائد المحمل وقاهر الصليبيين يتعرض للهدم بالجمالية (صور وفيديو)

أخبار مصر

بوابة الفجر


أصل هتاف المصريين "الله الله يا بدوي جاب اليسرى"​

أقدم أثر لـ "طبعة قدم" الرسول صلي الله عليه وسلم بالمسجد المرزوقي 

   
قبل أربعمائة عام جاء إلي مصر الشيخ مرزوق الأحمدى، جاء من بلاد اليمن، ووضع منهجًا صوفيًا نشأت منه طريقة جديدة عُرف أتباعها بـ "الأحمدية المرازقة".
 
من هو الشيخ مرزوق الأحمدي

هو مرزوق أحمد بن حسن بن محمد اليمانى، ولد بإحدى قرى اليمن عام 602 هـ، ويُقال أن نسبه ينتهي إلي الإمام الحسين رضي الله عنه.
تربى فى كنف والده تربية دينية حتى حفظ القرآن الكريم، تزوج عام 620 هـ، ثم سافر إلي مكة المكرمة لآداء فريضة الحج وهناك التقى ببعض علماء المذهب الشافعى فتتلمذ على أيديهم، فهو شافعي المذهب.
 
مجيئه إلى مصر

يقال أن الشيخ مرزوق الأحمدي إعتكف بالكعبة المشرفة، ورأي رؤيا تبشره بالسفر إلي مصر، فهاجر مع زوجته إلى القاهرة عام 630 هـ، حيث آوى إلى المدرسة الكاملية حيث درس الحديث النبوى الشريف، وفى شهر رمضان سنة 636 التقى الشيخ مرزوق بالقطب النبوى سيدى أحمد البدوى فى رحاب الروضة الحسينية بالقاهرة، فأعطاه البدوى العهد الوثيق يدا بيد وصار من أبرز خلفائه.
 
وبعد المدرسة الكاملية أقام بخلوة صغيرة (غرفة) بحى الجمالية بالقرب من المسجد الحسيني، واشتغل بمهنة النسيج، وكان يعيش علي ما تنسجه يداه، وقد أخذ الشيخ مرزوق طريقة السيد البدوي الصوفية منهجًا، وظل يدعوا لها بالقاهرة، وكان يتردد لزيارة البدوي بطنطا سنوياً ويحظى منه بالوصايا والتوجيهات.
 
أصل كلمة "الله الله يا بدوي جاب اليسرى"

قام الشيخان بأعمال بطولية إبان الحملة الصليبية التى جاءت إلى دمياط، بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا سنة 648هـ فى عهد الملك الصالح نجم الدين الأيوبى، فقد كان كل منهما يقوم بحث الشباب على التطوع فى سبيل الجهاد، بل إنهما ذهبا إلى ميدان المعركة واشتركا فيها بنفسهما، فقد كانت مهمتهما الدخول ليلا فى معسكرات الفرنجة، وإحضار الأسرى، ومن هنا جاء المثل السائر "الله الله يا بدوى جاب اليسرى" (أى الأسرى).
 
مما يروى عن كرامات الشيخ مرزوق

الحادثة التى وقعت له مع الجمل المحمل بكسوة الكعبة الشريفة، فقد جرت العادة، بعد الانتهاء من صناعة الكسوة الشريفة للكعبة والحرم النبوى أن تعرض بالمشهد الحسينى، حتى يراها أكبر عدد من الناس، فلما تولت السلطانة شجرة الدر زوجة الملك الصالح نجم الدين الأيوبى آخر سلاطين الدولى الأيوبية كرسى السلطنة، ابتدعت نظاما جديدا فى عرض الكسوة، بالإضافة إلى عرضه بالمشهد الحسينى، فقد أمرت أن توضع الكسوة فى صناديق على ظهر جمل عليه هودج ويسير الجمل فى موكب من القاهرة، حتى ينتهى فى السويس، حيث ينقل بحرًا إلى الأراضى الحجازية،  وفى سنة 648 هـ، عندما برك الجمل أمام المشهد الحسينى، وحضر أمير الحج يتسلم مقوده ليقف، لم يحرك الجمل ساكنا وتبادل عليه جميع الأمراء وعلية القوم، يحاولون تحريك الجمل وإيقافه، ولكن دون فائدة.
 
كان من بين الواقفين الشيخ مرزوق، فإذا به يتقدم الصفوف بدون استئذان ويتناول مقود الجمل من أمير الحج، فما إن رأه الجمل حتى هب واقفا، وأخذ يسرع الخطى والشيخ مرزوق يتقدم ويقوده، ومنذ ذلك التاريخ أصبح الشيخ مرزوق قائد جمل المحمل، حتى توفى عام 677هـ.
 
بقى هذا التقليد فى ذرية السيد مرزوق يتوارثه جيلاً بعد جيل، حتى بطل موكب المحمل فى أوائل الثورة المصرية، ولم ينجب الشيخ مرزوق غير ولد واحد فى مصر من زوجته التى دخل بها فى اليمن، وهو السيد عمر مرزوق، ومنه تكاثرت ذرية سيدى مرزوق، والتى أخذت تتوارث مشيخة السادة الأحمدية المرازقة جيلا بعد جيل.
 
وفاته

توفي السيد مرزوق الأحمدي عام 677 هـ، ودفن بخلوته المشهورة الموجودة عند تقاطع شارعى قصر الشوق وحبس الرحبة بمنطقة الجمالية، والتى أقيم عليها المسجد الحالي في العصر العثماني.
 
المسجد المرزوقي

عرف المسجد الذي بني فوق خلوة السيد مرزوق الأحمدي بالمسجد المرزوقي، وبني على مساحة مائة وخمسين مترا يجتمع فيها أربعة أعمدة ومنبر خشبى ومحراب اعتاد أن يحج إليه مئات الآلاف من المتصوفة، وتحديدًا مريدى الطريقة الأحمدية المرازقة التى تُعد أحد أكبر الطرق الصوفية فى مصر وتنتشر فى أغلب الدول الإسلامية.
 
ومسجد مرزوق الأحمدي مسجل في عداد الآثار الإسلامية والقبطية " أثر 29" ويعود بناؤه للعصر العثماني، ويتكون من بيت للصلاة وضريح مرزوق الأحمدي، وضريح ثاني لأحد العارفين ويدعي أحمد محمد شمس الدين، ويتميز المسجد بمئذنته المخروطية الشكل والتي تشبه القلم الرصاص المميز للطراز العثماني.
 
حالة المسجد الحالية

يقول الشيخ صلاح دنيا، سكرتير عام الطريقة، أن الحالة المتردية للمسجد ترجع إلي تقاعس وزارة الأثار عن أعمال الترميم التى من المفترض أن المسجد مسجل تابعًا لها، ويقول: "خاطبنا وزارة الأثار أكثر من مرة، وأبلغناهم رسميًا، أن المسجد فقد معالمه الرئيسية دون مجيب"، وأضاف: "صيانة وترميم المساجد الأثرية هو دور وزارة الأثار وتحديدًا قطاع الأثار الإسلامية بها وأى تلف أو إنهيار يحدث بالبناء الأثري هو مسئوليتها الأولي والأخيرة"
 
ويوضح "دنيا" المسجد تابع للأثار ولا يخضع للأوقاف، ذلك لأنه أثر تاريخى وليس مجرد بيت للصلاة، والمسجد يزخر بالنقوش الأثرية بداية من كلمات السقف المرسومة بالخط العربي، وحتى أثر طبعة قدم الرسول محمد صلي الله عليه وسلم الموجود بجانب المحراب.
 
ويعود تاريخ هذه الطبعة من قدم الرسول صلي الله عليه وسلم إلى رواية يرددها أبناء الأحمدية المرازقة تقول إنه فى سنة ٦٣٦ من الهجرة، التقى الشيخ مرزوق الأحمدى اليمنى بالقطب النبوى سيدى أحمد البدوى فى رحاب الروضة الحسينية بالقاهرة، وأعطاه «البدوي» العهد الوثيق يدا بيد وصار أول خلفائه، بعدها منحه أثر قدم الرسول صلي الله عليه وسلم كهدية ليستقر بها الحال فى المسجد كأول أثر لقدم النبى صلي الله عليه وسلم ضمن أربعة طبعات أخري موجودة فى مصر، وتُعد آثار قدم النبى محمد صلى الله عليه وسلم المطبوعة على قطعة من الحجر من الآثار النادرة الموجودة بالمسجد.
 
تحرك الوزارة

ويقول د.محمد عبد اللطيف مساعد وزير الآثار لشئون المناطق الأثرية، بأنه وجه قطاع المشروعات بالوزارة للبدء في أعمال الصلب لمسجد مرزوق الأحمدي، وذلك بعد أن وقع إنهيارًا بسقفه.
 
وأوضح عبد اللطيف، أنه فور سقوط هذا جزء من سقف المسجد توجه مع رئيس قطاع الآثار الإسلامية د. السعيد حلمي، وعدد من مهندسي مشروع القاهرة التاريخية، ومفتشي آثار الجمالية لمعاينة الوضع الراهن للمسجد، وإعداد تقرير مفصل عن حالته، مضيفًا أنه تم التوجيه بغلق المسجد حفاظًا على الأرواح وذلك لحين الانتهاء من أعمال الترميم الشاملة له.
 
وأشار إلى أن الجزء المتساقط من السقف عبارة عن براطيم خشبية، سقطت بسبب الأتربة والمخلفات، والتي تداعت بهطول الأمطار واختلاف درجات الحرارة على مدار السنوات السابقة مما تسبب في زيادة الأحمال الواقعة عليه وسقوط هذا الجزء.
 
الجيران عن الاعتداءات علي المسجد

يقول عم طارق وهو أحد المداومين علي الصلاة بمسجد مرزوق الأحمدي أن المسجد يعاني من تشققات عدة، وأن إنهيار السقف كان متوقعًا وقد أشار إلي مواضع التشققات والتي بالفعل كانت واضحة لعدسة الكاميرا.
 
ويضيف "طارق" أن عائلة شمس الدين والتي لها ضريح بجوار ضريح السيد مرزوق منذ عشرات السنين قامت ببناء غرفتين فوق المسجد وقاموا حديثًا بتركيب جهاز تكييف داخلهما والحصول على وصلة مياه من المسجد، إلا أن مكان الغرفتين بعيد عن السقوط الحالي كما يتضح من الفيديو المرافق للموضوع، وبسؤال مساعد رئيس الحي عن الحجرتين قال إنها مسئولية الأثار، وليست مسئولية الحي، وقالت مسؤولة المسجد أن الغرفتين تم بنائهما بترخيص.   
 
مفتشو الأثار يرفضون التحدث

إنتقلنا إلي شارع التمبكشية وفيه إدارة مفتشي أثار الجمالية والموجودة بوكالة بازرعة الأثرية، وإلتقينا بأحد مفتشي الأثار هناك، والذي رفض أن فتح المسجد للتصوير من الداخل بحجة الخوف من سقوط السقف، وإلتقينا بمدير عام منطقة تفتيش الجمالية والذي رفض إفادتنا بأي معلومة حول حالة المسجد أو موعد ترميمه.
 
إلا أن العم طارق جار المسجد قال أن هناك قرار ترميم للمسجد صادر منذ سبع سنوات، وأنه قرأ ذلك في أحد الجرائد، إلا أنه لم يسعنا التأكد من صحة المعلومة حيث إمتنع مفتشو الأثار عن ذكر أي شئ يخص ترميم المسجد .
 
والصور الملتقطة توضح مدي تدهور حالة المسجد الخارجية حيث يعاني الجزء الخلفي من جدرانه إلي ترييح واضح للعين المجردة، وكذلك في الجزء الأمامي منه قبل المدخل يعاني من تشققات واضحة، إضافة إلي سقوط البراطيم الخشبية لسقفه فوق ضريح مرزوق الأحمدي مباشرة، إضافة إلي أن قبته الخشبية مهترئه تمامًا ومتساقطة.
 
ويبدو أن وزارة الأثار لا تتحرك إلي بعد سقوط الأثر وبعد أن يصبح مهدد بالإندثار، وفوق الشروخات والترييحات بجدران المبني يوجد أيضًا تعديات واضحة علي الأثر ولا يوجد سياج يحيطه لحمايته من عبث العابثين.
 
وأخيرًا فمسجد مرزوق الأحمدي هو مزار هام للمتصوفة ليس لمن هم بداخل مصر فقط وإنما أيضًا لمن هم خارجها ، والمسجد لا يقل أهمية عن المسجد الحسيني ومن الممكن أن يكون جاذبًا للسياحة الدينية، إن تم الاعتناء به كما ينبغي.