مستشفيات الحكومة.. أسرع طريق إلى الموت

العدد الأسبوعي

الإهمال في المستشفيات
الإهمال في المستشفيات - أرشيفية


المرضى متكدسون أمام البوابات وبـ"الاستقبال"

■ "باطنة الدمرداش" مغلق.. وأشعة "الحسين الجامعى" معطلة ولا أخصائيو جراحة بـ"أبو حمص العام"


لا يذهب أى مريض إلى مستشفى حكومى، إلا لأنه لا يملك بالفعل ثمن الكشف لدى طبيب، أو تكاليف الأدوية أو إجراء عملية جراحية، لذا تزيد الطوابير طولاً أمام المستشفيات الحكومية، رغم أن الحصول على خدمة سواء كشفا أو دواء أو سريرا بالرعاية المركزة أمر أقرب للمستحيل، وهو ما شاهدته «الفجر» وتحققت منه فى أكبر 3 مستشفيات تابعة لوزارة الصحة وفى القاهرة .

البداية كانت فى مستشفى الدمرداش بمنطقة العباسية، حيث يوجد عشرات المرافقين للمرضى يفترشون الأرض أمام البوابة الرئيسية، وصولاً إلى قسم الطوارئ والاستقبال، بعد أن طردتهم إدارة المستشفى من الغرف التى يبيتون فيها مع النزلاء.

محمد عبد الحى، 53 سنة، قال إن شقيقه أجرى جراحة فى المخ بعد معاناة وانتظار لمدة 4 أشهر لدرجة أن المريض كان سيموت وبعد خروجه من غرفة العمليات، تم نقل الأخير إلى الرعاية المركزة، فيما رفض أمن المستشفى بقاء شاب بجانب زوجته المصابة بجلطة دماغية استدعت دخولها للرعاية المركزة، فلجأ للمبيت فى الشارع ليكون بجوارها، خصوصاً أنه لا يستطيع استئجار شقة أو الإقامة فى فندق، وإلا لما لجأ إلى المستشفى من الأصل لعلاج زوجته، والمفاجأة أن عيادات الباطنة كانت مغلقة، وقال فرد الأمن: «مش شغالة يا بيه».

وقال أحد أبناء مريض بمستشفى الزهراء الجامعى إن والده شعر بتعب بسيط فى المعدة، وتوجهوا به إلى مستشفى الزهراء الجامعى، حيث تم حقنه بمسكن، وفوجئوا بعدها بأن متاعب والدهم زادت وبدأ يصرخ من شدة الألم، وقال طبيب الطوارئ بعد الكشف على المريض إنه ربما يكون مصاباً بالتهاب فى الزائدة الدودية ويجب استئصالها فوراً حتى لا تنفجر، كما أن حقنة المسكنات التى تناولها فى مستشفى الزهراء هى السبب فى الالتهاب.

فى مبنى الاستقبال، قلنا لأطباء المبنى إن هناك مريضة مصابة بجلطة دماغية، وتحتاج لسرير رعاية مركزة، فأجاب أحدهم بهدوء: «معندناش سرير فاضى، وأحسنلك تودى الحالة بتاعتك مستشفى خاصة وادفعلها فلوس عشان صحتها متدهورش»، فقلت له: «يعنى يا ادفع الفلوس يا تموت»، فرد: «أيوه هتموت». ذهبنا إلى موظف الاستقبال وطلبنا سرير رعاية فرد: «يا بيه مفيش سراير فاضية داخل الرعاية، فيه 10 حالات محتاجين سراير ومدخلوش لعدم وجود مكان ولو مش مصدق ادخل شوف بنفسك»، وبالفعل دخلنا ووجدنا سرائر المرضى تهتز من صعوبة قدرتهم على التنفس، وصراخهم من شدة التعب فيما ينتظر مرافقوهم موعد وفاتهم فى أى لحظة.

وأمام بوابة الاستقبال كانت سيدة، 46 سنة، تقف أمام بوابة المستشفى ودموعها تتساقط على وجهها وتحاول إخفاءها عن المارة، وتسعى جاهدة لمقابلة أى مسئول بالمستشفى لمساعدتها، وقالت لـ«الفجر»: «ابنى محتاج يجرى جراحة تركيب مفصل لقدمه اليسرى بعد حادثة على الطريق أصابته بالتهتك، لكن أطباء المستشفى أعطوا لنا 6 شهور انتظار لحين الانتهاء من كشوفات العمليات الأخرى، وابنى لن يستطيع تحمل كل هذا الوقت من الانتظار، وحالته الصحية تتدهور يوم بعد يوما، وربما تحدث له مضاعفات تجعله لا يستطيع المشى على قدمه، وعندما اعترضت السيدة على موعد العملية رد عليها أطباء: «لو مش عاجبك يا حاجة روحى مستشفى خاصة ادفعيله واعمليله العملية عشان صحته متتدهورش».

وفى مستشفى الحسين الجامعى بمنطقة الدراسة، لا يمكن وصف ما يجرى هناك سوى أنه حالة من العبث والإهمال غير الموجود فى أى مستشفى آخر، وإذا كان المريض لا يجد سريرا داخل غرف الرعاية المركزة، أو وضعته الظروف فى كشوف الانتظار لإجراء جراحة عظام أو مخ وأعصاب، فليس أمامه سوى اللجوء لسماسرة بعض أعضاء هيئة التدريس، الذين سينصحون المرضى بالذهاب إلى العيادات الخاصة لهؤلاء الأطباء للكشف والدفع مقابل سرعة الانتهاء من حل أى مشكلات تصادف المريض فى المستشفى.

وقال أحد موظفى المستشفى لـ«الفجر» إن المستشفى «غرقانة» فى بحر تجاوزات بداية من التعامل مع المرضى وصولاً لتجاوزات الأطباء ومتاجرتهم بآلام المحتاجين والغلابة، من خلال السماسرة الذين يعملون لحسابهم. وفى الطابق الثانى الذى يضم غرف مركز الرعاية المركزة للمخ والأعصاب، وطلبنا من المسئول سريرا لحالة مرضية فرد قبل عرض تفاصيل الحالة: «مفيش مكان عندنا»، فسألناه: «مفيش حل من تحت لتحت»، فرد قائلاً روح للدكتور (س . م) فى عيادته الخاصة وهو هيحولك على هنا، وأعطانى عنوان العيادة.

ومن قسم المخ والأعصاب إلى قسم الأشعة والتحاليل، يعيش المرضى حالة صدمة بعد أن تقول لهم مسئولة أجهزة الأشعة والفحوصات: «تعالى بعد 3 شهور»، وإذا أردت أن تجرى أشعة «إيكو» للقلب، فالرد معروف: «مفيش أفلام .. الجهاز عطلان»، وأحيانا تقول المسئولة بصراحة أنه يجب على المريض سرعة إجراء الأشعة أو التحليل فى المراكز الخاصة.

سعيد أحد المرضى الذين التقيناهم أثناء جولتنا فى مركز أشعة الرنين المغناطيسى على المخ بمستشفى الحسين، قال إنه يأتى إلى القسم منذ شهر أملاً فى إجراء أشعة على القلب لعمل الفحوصات اللازمة قبل إجراء عملية القلب المفتوح، ولكن يتم تأجيل الفحص إلى الأسبوع التالى وهكذا، وقال إنه هدد إدارة القسم بأنه سينتحر أمام المستشفى لو لم يحصل على الأشعة.

وفى الطابق الخامس بالمبنى القديم للمستشفى، والمخصص لقسم النساء والتوليد، يتم ابتزاز الأزواج مقابل وضع الجنين، ويطلبون من الأب التوقيع على إقرار قبل عملية الولادة بأنه مسئول عن سلامة طفله إذا لم يجد له حضانة، بسبب عدم وجودها وقبل قيام الطبيب بإجراء عملية الولادة يضع الأم على جهاز النبض للتأكد من سلامة أو نقص المولود وبعدها يتوجه إلى الأب ويطلب منه التوقيع على الإقرار، ومن يرفض يمتنع الأطباء عن إجراء عملية الولادة، وعندما يبدأ الزوج فى التشاجر مع الأطباء لرفضه التوقيع يضع الأطباء الرضيع على سرير بجوار والدته ما يعرض حياته للخطر.

ومن مستشفى الحسين فى قلب العاصمة إلى مستشفى أبوحمص العام فى محافظة البحيرة، والذى شهد واقعة وفاة عجوز فى السبعين من العمر، يدعى أحمد الشحيبى، والذى كان أجرى جراحة لإزالة حصوة على الكلى بإحدى المركز التخصصية، حيث مكث المريض داخل غرفة العمليات أكثر من 6 ساعات متواصلة، وفوجئ أبناؤه المرافقون له بانقطاع التيار الكهربائى عن المركز، وفى اليوم التالى أصيب المريض بنزيف من بطنه.

طلب الأبناء سيارة إسعاف نقلت والدهم إلى مستشفى أبوحمص العام، وهناك اكتشفوا أن الوالد مصاب بقطع فى شريان البطن وحالته سيئة جداً، واستقر الأطباء على إجراء جراحة استكشاف لسرعة إنقاذ المريض، لكنهم فوجئوا بأن المستشفى خال من الأطباء المتخصصين فى إجراء جراحات الجهاز الهضمى.

وفى النهاية لم يجد نجله عماد سوى اتهام الدكتور مالك المركز بالتسبب فى قتل والده، حيث حرر ضده بلاغ رقم 3734 عام 2017 محكمة أبوحمص.