مينا ميلاد يكتب : بالكيل الذين تكيلون به يكال لكم

ركن القراء

مينا ميلاد
مينا ميلاد


يتخللني دائمًا ذلك المشهد الذي رأيته يومٍ ما بعرض مسرحي بعنوان "رأس المملوك جابر"، وكان المشهد يتحدث عن اجتماع كلًا من الحاكم والمستشار، لبحث كيفية زيادة أموال الدولة لشراء المزيد من الجنود، مع العلم أن مخازن الدولة ستنفجر مما يؤخذ من التجار، وعلى النقيض الشعب فقير للغاية لا يمتلك حتى قوُت يومه، وكان الملك والمستشار الخاص به يفكران سويًا، إلا أن اقترح مستشار الملك الطريقة الأمثل لجمع الأموال من الشعب الفقير، قائلًا يا سيدي : الشعب فقيرًا ولكنه مؤمن اسمح لي أن ادعو كبير رجال الدين، وهو من سوف يتولى تلك المسألة، وعندما حضر رجل الدين جلس مع الحاكم ومستشاره واستمع لهم إلى الفكرة، وعلى الفور ذهب إلى مكان العبادة وأذاع قائلًا: كل ما سوف أقوله لمصلحتكم فلا تُمانِعوا وذلك لأنه أمر من الله وليس من البشر، الحاكم فرض علينا ضريبة مقدسة نظير حمايتنا واطمئنانا على أولادنا، يجب على الكل أن يدفع تلك الضريبة، وإلا سوف يكون عاصي لأمر الله، ليرد معظم الشعب "حاشا لله المعصية" نحن نتمني رضا الله، حتى وإن كان الحال صعب فأن طاعة الله واجبة، وترد القلة المتبقية من الشعب، من أين سنأتي بالأموال، فنحن لم نضع الذات في فمنا منذ يومين مضوا؟، ليرد رجل الدين، هذا أمر واجب تنفيذه فأن كان سبب موتكم هو الجوع فهنيئًا لكم الموت وأن تنعموا بالجنة، خيرًا لكم من جلوسكم على الأرض وأنتم تعصون الله.

يأخذني ذلك المشهد إلى الوقت الراهن، وردود النسبة الأكبر من الشعب الذين توصلوا إلى وضع رجل الدين في مكانة مبالغ بها، فقد تناسوا أن رجل الدين هو أولًا وأخيرًا ليس إلا بشر، فأصبح ما يُقال من قبل رجال الدين هو أمر واجب تنفيذه دون نقاش، وأي معارض لتلك التعاليم هو "ملحد – كافر ... وما خفي من ألفاظ كان أعظم".

وتناسوا أيضًا، أن سبب كل المشاكل الراهنة ليست إلا مجرد أخطاء من إناس، كانوا يدعون الدين في وقتًا مضي، أرادوا تحقيق بعض المصالح سواء مصالح سياسية أو شخصية، والأن هم تحت رتبة "الأنبياء" بدرجة صغيرة، حتى وصل الحال إلى عدم ذكر أسمهم بأي شيء، وإلا أصبحت معارض للدين نفسه!.

فالأنبياء تحدثوا عن جمال وسماحة الله وكيفية التعايش السلمي بين كافة الخلق، وهو مبغي الرسائل السماوية جميعًا، ولكن من خلف الأنبياء تحدثوا عن الأنبياء، ومن جاء بعد من خلف الانبياء تحدث عن من خلف الأنبياء، ...... إلى أن انقلبت الأية وضاع الله في الوسط، حتى بات كلًا منا يفسر الله على حسب هواه، فبات في الدين الواحد "ثلاث ديانات على الأقل"، كل منهما يُكفر الأخر ويصدق رسالته فقط.

وبين هذا وذاك ضاعت القيم الدينية "الإنسانية"، فأصبحنا كـ طاحون الصحراء نتحرك على حسب إتجاه الرياح القادم، أصبح القتل باسم الله عادل، أصبح عدم مراعاة شعور الإنسانية "جراءة"، أصبحنا أشباه بشر في هيئة بشر، أصبحنا نحكم على بعضنا البعض من سيدخل الجنة ومن سوف يدخل النار، أصبحنا دنيويون أحكم من حاكم الكون في قدر المعرفة اللا دنيوية! ، أصبحنا نحلل ونحرم، جهلنا هيئا لنا أننا أصبحنا الهه.