رمضان "الثمانينيات".. كيلو اللحمة بـ 3 جنيه والدولار بـ 69 قرش!

منوعات

رمضان الثمانينيات
رمضان الثمانينيات


*علبة السمن وزن 2 كجم 5.5 جنيه

*وكيلو اللحمة بـ 3.50

*الشقة فى العجمى بـ 7900 جنيه

*الجنيه الذهب بـ 91 جنيهًا

*الدولار الأمريكى 69 قرشًا

*جريدة الأهرام بـ 3 قروش

رمضان فى الماضى كان له رونق خاص جدًا.. يرتبط معنا بذكريات لا تنسى ومشاعر جميلة نفتقدها فى عالم اليوم المزدحم.. ومن أجل تكريم هذه الذكريات التى كونت شخصياتنا وانطبعت داخلنا كان لـ«الصباح» جولة شاملة فى عناوين الصحف وأهم الأخبار الصادرة فى رمضان منذ 35 عامًا، كى نتتبع روائح الزمن الجميل فى النصف الأول من الثمانينيات، ونستعيد جمال الأيام التى ولت وقد لا تعود أبدًا.
مشكلة الخبز الخالدة

فى تمام الساعة السابعة من مساء يوم السبت الموافق الثانى عشر من يوليو عام 1980، أطل فضيلة الشيخ «جاد الحق على جاد الحق» ليعلن أن دار الافتاء استطاعت استطلاع هلال رمضان، وأن ذلك اليوم هو المتمم لشهر شعبان وأن الأحد الموافق الثالث عشر من يوليو هو غرة شهر رمضان.

و ما أن انتهى البيان حتى أذاعت القناة الأولى الأغنية الرسمية لرمضان فى جمهورية مصر العربية وهى «رمضان جانا» للفنان عبد المطلب، والتى تعتبر شرارة الانطلاق لأطفال ذلك الجيل، الذين سرعان ما انطلقوا لعمل «زينة رمضان» المكونة من قصاصات الورق متعددة الأشكال فالبعض على شكل مثلثات، والبعض الآخر على شكل مربع أو مستطيل وعن طريق «العجين» وهو المادة اللاصقة التى بها يتم ثبيت الأوراق بالخيوط، ثم يقوم الأطفال بتثبيتها بأطراف البلكونات، لتغطى الشارع بأكمله، ويلى ذلك مرحلة الفوانيس المصنوعة من «الصفيح» المستخدم فى إضاءتها «الشمع»، ليجوب الأطفال الشوارع بها معلنين فرحتهم بقدوم الشهر المبارك، عن طريق اللعب بالفانوس فى حركات دائرية مصحوبة بأغنية «وحوى يا وحوى» الشهيرة.

فى تلك الفترة كان الراحل «أنور السادات» هو رئيس الجمهورية، والذى انطلق المانشيت الرئيسى للأهرام يعلن تصريحات له يقول فيها «أنه يولى أولوية قصوى لاحتياجات الجماهير، والتشديد على توفير السلع الغذائية للمواطنين فى رمضان».

مما دفع وزير التموين للإسراع بالتصريح أن الرغيف الأبيض ظهر فى الأسواق بتكاليف دعم بلغت 700 مليون جنيه، وأن السلع الغذائية سيستمر تدفقها فى الأسواق حتى بعد نهاية شهر رمضان، وكانت مصر فى تلك الفترة تشهد أزمة فى الخبز وصعوبة فى الحصول عليه.

و توسط تصريح آخر لوزير التموين افتتاحية جريدة «الأخبار» جاء فيه: أنه سيتم توافر الملابس والأحذية طوال شهر رمضان بأسعار مخفضة للجميع حتى يستطيع الشعب الحصول على ما يستلزمه من تلك السلع، بينما أعطت «الأخبار المانشيت الرئيسى لتصريح رئيس الوزراء» فؤاد محيى الدين، والذى أكد أن الدولة أعطت وعدًا بحل مشكلة رغيف الخبز وأوفت بوعدها.

و كانت صفحات الأهرام والأخبار تخصص صفحتين كاملتين باسم «جريدة الصائم» تحت عنوان «أيام وليالى رمضان» كان يناقش فيها أكبر الأئمة مشاكل الصائمين وآداب الصوم والرد على أسئلة واستفسارات الصائمين، كما كان يفعل الشيخ الدكتور / عبد الله النمر، والشيخ صالح شرف.

كانت جريدة الأهرام فى ذلك الوقت مكونة من 16 صفحة ويبلغ سعرها 30 مليمًا، بينما كانت الجريدة الرسمية الثانية تحتوى على 12 صفحة بسعر 20 مليمًا فقط، فى حين أن مقدم سيارة المازدا موديل العام 1300 جنيه، وسعر جهاز التكييف 3 حصان 1640 جنيهًا، وتكلفة رحلة إلى روما وشواطئ الريفيرا الفرنسية مونت كارلو ونيس 320 جنيهًا + 350 دولارًا.

أسعار السلع تفتح النفس

إذا نظرنا إلى أسعار السلع الغذائية فى 1980 سنجد أن سعر علبة السمن الطبيعى البقرة الحلوب وزن 2 كجم بلغ سعرها 5.5 جنيه، بينما سادت حالة من الغضب العام بعدما ارتفع سعر اللحوم ارتفاعًا قياسيًا حيث بلغ سعر اللحم البتلو 3.50 للكيلو، مقابل 2.50 للكندوز.

بينما فى مجال العقارات كان سعر الوحدة السكنية فى منطقة العجمى بالإسكندرية 7900 جنيه وبمقدم 1000 جنيه، والتقسيط على أربع سنوات، الشاليه على بحر الإسكندرية مباشرة 9500 جنيه، الشقق 3 وحدات وصالة تبدأ من 12500 جنيه والتقسيط على 26 شهرًا وخصم 10% للدفع الفورى.

أما سعر الذهب فكان الجنيه الذهب ب 91 جنيهًا، عيار 23.5 بـ 12.91 جنيه، عيار 21 بــ 11.30 جنيه، عيار 18 بــ 9.69 جنيه، عيار 14 بــ 7.55 جنيه.

بينما أسعار أجهزة التليفزيون 20 بوصة بلغت 595 جنيهًا، ولم يكن يعرف بعد ما يسمى بالقنوات الفضائية فإذا لم تستطع الذهاب لرؤية أحد فى السينما تستطيع أن تنتظر إلى أن يتاح على أشرطة الفيديو، وكان سعر جهاز الفيديو يبلغ 1479 جنيهًا، وأغلى أنواع البوتاجازات، نوع 6 شعلات كان يساوى 850 جنيهًا.

وفى الجزء المخصص للإعلانات فى أسفل الصفحات، يظهر إعلان عن أسعار الإقامة بقرية «مجاويش» السياحية بالغردقة فكانت 179 جنيهًا للإقامة أسبوعًا بالإضافة للانتقال بالطائرة من القاهرة للغردقة ذهابًا وعودة، ويجاوره إعلان عن الدماسة «بنس» الأصلية،التى تلزم جميع البيوت لعمل الفول اللازم للسحور فى شهر رمضان، بينما أسفل هذا الإعلان نجد إعلانًا آخر عن «خضر العطار « يعلن فيه عن أفخر أنواع الياميش الرمضانى والأسعار التى لا تقبل المنافسة فكان التين المجفف 145 قرشًا، وكيلو البندق بقشره 280 قرشًا، وتأتى المفاجأة عن منتج «هدى كولا» تلك المياه الغازية وارد أمريكا.

طوارئ فى ماسبيرو

بينما كان للتليفزيون المصرى طبيعة خاصة فى رمضان، وهو المكون من قناتين فقط لا غير كانت تعرض عليهما كل البرامج والمسلسلات الرمضانية، والتى تعطى طابعًا آخر للشهر المبارك فى مصر، غير بقية الدول الإسلامية، فهذا الشهر كانت تسبقه حالة طوارئ فى ماسبيرو للإعداد الجيد لخريطته البرامجية فى  رمضان، فاليوم التليفزيونى فى رمضان كان يبدأ فى الساعة الثانية والنصف بالقرآن الكريم وتفسيرًا لآياته لمدة ساعة وعشر دقائق، ويليه عرض إحدى المذيعات لبرامج اليوم، وفى تمام الرابعة يبدأ برنامج «حكايات عالمية للأطفال» ومدته 20 دقيقة تنتهى ليبدأ «فيلم كارتون» للأطفال فى تمام الرابعة والثلث ويليه «أسامة وسكة السلامة» ثم مسلسل الغريبة ويتبعه برنامج «دنيا الغرائب» الذى كان يسبق برنامج «واسألوا أهل الذكر» الذى كان يبدأ فى تمام السادسة والنصف ويستمر حتى أذان المغرب، والذى كان يسبقه بثوان معدودة مدفع الإفطار الذى ينطلق معلنا لصائمين أنه قد حان وقت الإفطار.

بعد أذان المغرب تطل الفوازير، والتى كانت بطولة «نيللى» فى العام 1980، وهى بعنوان الخاطبة، تقوم فيها نيللى طوال 30 حلقة بعرض شخصيات من الواقع المصرى على المشاهدين، ومن يستطيع معرفة الحل يرسل رسالة إلى ماسبيرو متضمنة الحل الصحيح، ليدخل كل من قاموا بالإرسال فى قرعة اختيار للفائز، كانت تتم بعد شهر «رمضان».

أيام انقطاع البث

وفى الثامنة مساء يأتى موعد عرض أهم الأخبار لليوم، ثم المسلسل الدينى «فرسان الله»، وفى التاسعة والنصف تطل المذيعة مرة ثانية لتعلن عن برامج الغد، ويليه مسلسل صيام صيام ليحيى الفخرانى، وفى الحادية عشرة يأتى الموعد الثانى لعرض أهم الأخبار، وفى الساعة الحادية عشرة وخمس وأربعين دقيقة يأتى موعد عرض إمساكية الغد للتعريف بمواقيت الصلاة والتأكيد على موعد الإفطار وموعد مدفع الإمساك حتى يستعد الصائمون لبدء صيام اليوم التالى، وفى الثانية عشرة يعرض برنامج نفحات من الإيمان وهو آخر برامج اليوم ليقوم التليفزيون بإذاعة النشيد الوطنى ثم قطع البث.

كان التليفزيون المصرى دائم المفاجآت للمشاهدين، فقد أعلن أنه فى آخر أيام شهر رمضان سيقوم بعرض مسرحية «شاهد ماشافش حاجة» وذلك للمرة الأولى، بينما كان يضم مجموعة كبيرة من أفضل المسلسلات مثل الباحثة لليلى طاهر وحسن عابدين وفوازير فؤاد المهندس للأطفال.

وعن أسعار العملات فى تلك الفترة كان الدولار الأمريكى يساوى 69 قرشًا بينما كان الجنيه الاسترلينى ب 163 قرشًا، فى حين بلغ الريـال السعودى 20 قرشًا والدينار الكويتى250قرشًا، وكانت صفحات الأهرام والأخبار تخصص جزءًا للحديث عن البورصة وتعاملاتها، فلم تكن الجرائد والمجلات الخاصة بالبورصة تنتشر مثل انتشارها فى وقتنا الحالى.

فى الثمانينيات كان شهر رمضان يأتى صيفًا، فكانت أول أيام رمضان فى العام 1980 يوافق 13 من يوليو، وهو ما يعنى أن الحرارة تبلغ أقصى معدلاتها، وكانت درجات الحراة فى تلك الفترة تتراوح ما بين الآتى 37و 42 درجة نهارًا.

باولو روسى وزيكو فى رمضان

وفى رمضان أيضًا تابع المصريون بطولة من أقوى بطولات كأس العالم وهى بطولة إسبانيا 1982، والتى شهدت تألقًا تاريخيًا وغير عادى للمنتخب الإيطالى بقيادة المخضرم «باولو روسى»، وهو ما توج بفوز الإيطاليين بكأس البطولة، وذلك على حساب الألمان فى المباراة النهائية التى جمعتهما، وقدمت البرازيل كرة قدم من عالم آخر بفريق ضم كلًا من زيكو وفالكاو وسقراط وجونيور وباولو إيزادور، وشهدت تلك البطولة تألق منتخب الجزائر العربى فى كأس العالم، فقد فازت على منتخب «ألمانيا» وصيف البطولة، ولكنهم خرجوا بعد تواطؤ معروف بين ألمانيا والنمسا.

فى رمضان 1983 حدث ما يتذكره أبناء هذا الجيل حتى الآن... حيث لم يعلن عن ثبوت الهلال بعد صلاة المغرب كالعادة، ولكن أعلن ذلك بعد منتصف الليل، وهو ما دفع المؤذنين فى المساجد للتنبيه عبر مكبرات الصوت فى المساجد أن الصيام سيبدأ غدًا، وانطلق الجيران يبلغون بعضهم البعض عن ذلك، فلم تكن هناك أى من وسائل الاتصال الحديثة، واندفع الناس إلى الشوارع مهرولين لشراء السحور، ولم تؤد صلاة التراويح فى ذلك اليوم، استيقظ الناس فى اليوم التالى على خبر مؤسف، حيث تصادم قطاران بمدينة العياط بالجيزة وأسفر عن مصرع 22 مواطنًا.

فى تلك السنة كان سعر التليفزيون الأبيض والأسود 120 جنيهًا، سعر العجل الهولندى البالغ من العمر 20 شهرًا 1400 جنيه فقط لا غير، بينما سعر التليفزيون 20 بوصة 725 جنيهًا، التكييف 2.25 حصان بـ 1175 جنيهًا، فى حين بلغ سعر الدولار 79 قرشًا، وسعر الجنيه الاسترلينى 128 قرشًا، والريال السعودى 23.8 قرش، بينما بلغ الجنيه الذهب 110.40 جنيه.

كانت دور العرض السينمائى تعرض حينها أفلام بروس لى، ومن الأفلام العربية فيلم «وحوش الميناء» لوحش الشاشة فريد شوقى، وفيلم «العذراء والشعر الأبيض» للفنانة نبيلة عبيد ومحمود عبد العزيز.

و فى هذا العام قدم الراحل «فؤاد المهندس» فوازير عمو فؤاد بيلف بلاد، وقام سمير غانم بمتابعة تقديم فوازير «فطوطة» ومن المسلسلات التى عرضها التليفزيون، مسلسل «عطفة خوخة» بطولة حسين فهمى وفاروق الفيشاوى.

الصائمون يمتحنون

وفى العام 1984 وافق أول أيام رمضان يوم 1 يونيو، واحتفلت مصر يومها ببداية الشهر وأيضا مرور 50 عامًا على إنشاء الإذاعة المصرية، بدأت امتحانات الثانوية العامة فى اليوم الثانى من أيام رمضان، وصدر العدد الأول من جريدة «الأهرام الدولية»، وفى ذلك الشهر وتحديدًا يوم 22 رمضان، كان أطول يوم قام بصيامه المسلمون حيث بلغت ساعات الصوم 15 ساعة و47 دقيقة.

فى تلك الفترة كان فؤاد محيى الدين يشغل منصب رئيس الوزراء فى الحكومة الثانية له بعدما كان يشغل ذات المنصب فى عهد الراحل «أنور السادات» وفى خامس أيام رمضان وأثناء تأديته لمهام عمله بمكتبه، توفى «محيى الدين» عن عمر يناهز 58 عامًا، وشيعت الجنازة من مسجد رابعة العدوية، بينما تولى «كمال حسن على» المنصب خلفًا له.

فى رمضان لذلك العام عرض التليفزيون المصرى مسلسل «رحلة المليون لمحمد صبحى» وذلك لأول مرة والذى أدى فيه دور «سنبل»، ويذكر أن ذلك المسلسل حقق نجاحًا كبيرًا، كما عرض مسلسل «غدًا تتفتح الزهور» لمحمود ياسين وسميرة أحمد، وتضمن أغانى للأطفال بصوت الفنان «محمود ياسين»، وقد لاقى هذا المسلسل أيضا نجاحًا واسعًا، كما عرض لأول مرة أيضا برنامج «يا تليفزيون يا» تقديم رسام الكاريكاتير «رمسيس»، وأيضا برنامج الجائزة الكبرى للمذيع الراحل «طارق حبيب»، وعلى خشبة المسرح كان الفنان الراحل «حسن عابدين» يقدم مسرحيته بعنوان «افرض» وكانت الفنانة «شادية» والفنانة «سهير البابلى» والراحل «عبد المنعم مدبولى» كانوا يقدمون مسرحية «ريا وسكينة».

و فى ذلك العام بلغ سعر الدولار 82 قرشًا، والجنيه الاسترلينى 113 قرشًا، وبلغ سعر الريال السعودى 33 قرشًا، فى حين أن الجنيه الذهب كان يبلغ 110 جنيهات، وكان قد أعلن عن بدء سداد رسوم حج القرعة، والذى بلغ سعره وقتها 835 جنيهًا، وكان سعر سيارة «سكودا» يتراوح بين 4 آلاف جنيه و6400 جنيه، ولم تتوقف المفاجآت عند ذلك، ولكن المفاجأة الأكبر هدية «راديو كاسيت».
 
تليفزيون رمضان.. المجد للفوازير

*فى الثمانينات كان من السهل على مصر كلها أن تشاهد مسلسلًا واحدًا.. والجمهور الآن يلهث خلف 40 عملًا
 
*رمضان ارتبط طوال الوقت بالفوازير.. ونجاح «كلام من دهب» و«بدون كلام» جاء لأنها برامج مسابقات
هل أتى على الإنسان المصرى حين من الدهر كان راضيًا عن رمضان الذى يعيش فيه؟.. هل فعلا جاء وقت وشعر الناس أن هذا الرمضان أفضل مما كان، أم أننا طوال الوقت نبكى على أطلال الماضى؟.. ربما لو كنا الآن فى الثمانينات لشعر الناس بالحنين يمزقهم إلى أيام الشيخ محمد رفعت والالتفاف حول الراديو، ولاشتكوا من ضياع أجواء رمضان الروحانية التى أفسدها الاختراع اللعين المسمى التلفزيون للأبد!

الأمر يتكرر كل سنة، والنوستالجيا لرمضان القديم تزيد مع الوقت ولا تنقص.. حتى أنك تتساءل هل كان الماضى جميلًا حقًا أم أن خيالنا هو ما يجمله لأن الإنسان بطبعه سريع الملل ولا يرضى عن حاله.. ثم تأتى نظرة سريعة إلى ما كان يجذب الأنظار وقتها لتعرف أن الماضى بالفعل كان أجمل من الحاضر.

ارتبط رمضان فى وجدان المصريين دائمًا بالفوازير.. ربما لأن الصائم يبحث عن أى لعبة مسلية كى تسلى صيامه وتشغله عن الجوع والعطش.. لدرجة أنك ستجد أن أغلب البرامج التى نجحت فى رمضان كانت تتعلق بالفوازير والأسئلة بشكل أو بآخر.. مثل كلام من دهب، وبدون كلام، وفكر ثوانى تكسب دقايق.. كان هذا قبل أن يبتلينا الله بعصر برامج المقالب التى يشبع فيها رامز جلال وأشباهه كل رغباتهم السادية الممكنة على الشاشة.

كانت بداية فوازير رمضان بالإذاعة المصرية على يد الاعلاميتين: آمال فهمى وسامية صادق، حيث كانت عبارة عن أسئلة ويقوم المشاركون بإرسال الإجابات عبر البريد. ثم انتقلت الفكرة إلى التليفزيون بعد عام واحد من انطلاقه عام 1961 حيث ظهرت فوازير الأمثال «على رأى المثل» وكانت عبارة عن فقرة درامية يذكر فيها أحد الأمثال ويقوم المشاركون بإرسال الإجابة الصحيحة.

بدأت فكرة الفوازير التى كانت خليطًا بين الدراما والاستعراض 1967 على يد المخرج أحمد سالم وفرقة ثلاثى أضواء المسرح «المكونة من سمير غانم وجورج سيدهم والضيف أحمد» وكانت أول فوازير عربية، ثم قدمتها الممثلة نيللى منذ عام 1975 وحتى 1981، ثم قام بإخراجها فهمى عبدالحميد بشكل مستمر، وفى عام 1982 ابتكر فهمى عبدالحميد شخصية فطوطة، والتى قدمها سمير غانم فى الفوازير حتى 1984.

فى النصف الأول من الثمانينات كان التلفزيون الرسمى للدولة يتكون من 3 قنوات فقط.. وهذا يعنى ان المنافسة ستكون صعبة جدًا.. وانك تحتاج ان تكون فنانًا متميزًا جيدًا وأفضل من أقرانك بكثير كى تضمن لنفسك مكانًا فى الحيز الضيق الذى يصل للمشاهدين فى البيوت.. لهذا كانت الأعمال التى تفوز بهذا السباق جيدة جدًا فنيًا، ولهذا نتذكرها جميعًا رغم مرور 35 عاما على إنتاجها.. بينما لو سألتك عن مسلسلات رمضان قبل الماضى لغابت عنك أغلب التفاصيل.

أيضًا من ضمن العوامل التى ساعدت على خلود هذه الأعمال هو أن الكل شاهدها.. بالتأكيد كانت الشوارع خالية أثناء إذاعة ليالى الحلمية لأنه لا يوجد بديل يجذب الأنظار.. بينما الآن وسط مئات القنوات من المستحيل قطعيًا أن يشاهد الناس مسلسلًا بشكل جماعى، فعلى سبيل المثال ماراثون رمضان فى 2015 يحوى أكثر من 40 مسلسلًا بتكلفة تتجاوز المليار جنيه.. بينما فى الماضى كان التلفزيون يقدم 5 أو 6 مسلسلات طوال الشهر.

وطالما ذكرت الفوازير فلا بد من التشديد على ثلاثة أسماء هى ثالوث الفوازير المقدس الذى لا يشرك بحبه أحد: نيلى وشريهان وسمير غانم.. ففى الفوازير أيضًا للذكر مثل حظ الأنثيين !

والغريب أن نيلى بشعرها الأشقر وعيونها الزرقاء وملامحها الخواجاتى كانت طرف النقيض من شيريهان بلامحها العربية وشعرها الأسود.. لكن الاستعراض لا يعرف العنصرية.. وقلب الناس كان مفتوحًا للاثنتين بنفس الدرجة.
 
رمضان.. شهر الاعتكاف على النت

>> 30 فى المائة زيادة فى استخدام مواقع التواصل الاجتماعى خلال ساعات الصيام

شهر الصيام فى الماضى كان شهر المشاركة.. المشاركة فى الطبخ، المشاركة فى الأكل، المشاركة فى التهانى، المشاركة فى تعليق الزينة، المشاركة فى الغناء مع المسحراتى، المشاركة فى صلاة التراويح.. كانت الناس تمارس كل الأنشطة سويًا.. كان رمضان هو الشهر الذى فعلا «بيجمعنا كلنا».

لكن دلوقتى خلاص.. أصبح رمضان شهر التكنولوجيا.... كل التهانى تحولت إلى رسائل وكوميكس وبالكتير مكالمات.. وفى وقت الإفطار الكل يمسك بالموبايلات لدرجة أن الشبكة تقع فى عموم الجمهورية.. ولو شاء حظك التعيس ان تحتاج لإجراء مكالمة هامة أو حالة طارئة فمن رابع المستحيلات ان تستطيع اتمامها.... والمسحراتى غالبًا سيفكر فى عمل جروب على واتساب يكلم فيه الناس أونلاين بدلا من اللف فى الشوارع ووجع الدماغ!!

هذا الجموح نحو وسائل التواصل الاجتماعى لفت الانتباه فشركة «الرائدة» المتخصصة فى وسائل الإعلام الاجتماعى فى الشرق الأوسط، قامت بتحليل الاتجاهات السلوكية لمستخدمى الشبكات الاجتماعية خلال شهر رمضان فى 9 دول عربية:  مصر والإمارات والكويت وعُمان والأردن ولبنان والبحرين والجزائر وتونس.

الشركة فوجئت أن استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية فى دول الشرق الأوسط يزداد بنسبة 30 فى المائة طوال أيام رمضان، مع زيادة عدد ساعات استخدام الفرد لمواقع التواصل الاجتماعى.

وكشفت الشركة أن معدل المستخدمين يصل إلى ذروته خلال شهر رمضان، ما يحفز الشركات المعلنة بدورها لزيادة الإنفاق بنسبة 20 فى المائة.. يعنى كلنا بقينا على مواقع التواصل وماحدش بقى بيشوف حد.. بقى رمضان شهر الاعتكاف فى البيت مش حتى فى الجامع!

«الحاجة فاطمة».. أول مدفع إفطار فى مصر

ترجع رواية أول مدفع إفطار فى مصر إلى سنة 859 هجريًا الموافق 1455 ميلاديًا، فى هذا العام كان يتولى الحكم فى مصر مملوكى يدعى «خوشقدم» وكان جنوده يقومون باختبار مدفع جديد جاء هدية للسلطان من صديق ألمانى، وكان الاختبار يتم فى وقت غروب الشمس، فظن المصريون أن السلطان استحدث هذا التقليد الجديد لإبلاغ المصريين بموعد الإفطار، وعندما توقف المدفع عن الإطلاق ذهب العلماء والأعيان لمقابلة السلطان لطلب استمرار عمل المدفع فى رمضان فلم يجدوه.

يقول المؤرخون إن العلماء عندما لم يجدوا السلطان التقوا بزوجته التى كانت تدعى «الحاجة فاطمة» التى نقلت طلبهم إلى السلطان، فوافق عليه فأطلق بعض الأهالى اسم «الحاجة فاطمة» على المدفع، واستمر ذلك حتى الآن، إذ يلقب الجنود القائمون على تجهيز المدفع وإطلاقه الموجود حاليًا بنفس الاسم».

وكان فى القاهرة 6 مدافع موزعة على 4 مواقع.. اثنان منها فى القلعة وفى العباسية اثنين وواحد فى مصر الجديدة وآخر فى حلوان، تطلق مرة واحدة من أماكن مختلفة بالقاهرة حتى يسمعها كل سكانها، وكانت هذه المدافع تخرج فى صباح أول يوم من رمضان فى سيارات المطافئ لتأخذ أماكنها المعروفة.. ويستقر المدفع الآن فى قلعة صلاح الدين.

واستمر المدفع يعمل بالذخيرة الحية حتى العام 1859، بعد ذلك توقف نتيجة الزحف العمرانى على المناطق المحيطة بالقلعة، وأصبحت تستخدم الذخيرة غير الحقيقية، تلك التى تصدر صوتًا قويًا فقط دون أى انفجار حقيقى.

والمقطم منطقة قريبة من القلعة، ونصبت مدافع أخرى فى أماكن مختلفة من المحافظات المصرية ويقوم على خدمة المدفع 4 من رجال الأمن الذين يُعِدُّون البارود كل يوم مرتين لإطلاق المدفع لحظة الإفطار ولحظة الإمساك.

وينتظر المسلمون شهر رمضان الكريم لسماع صوت مدفع الإفطار عند مغيب الشمس حيث يجتمع شمل العائلة قبل ضرب المدفع استعدادًا للإفطار، وقبل وبعد إطلاقه يهلل الأطفال «مدفع الإفطار اضرب» وهى جملة يعشقها الجميع خاصة الأطفال.

الفانوس للنساء فقط

ربما لا يعرف كثيرون أن أول من عرف فانوس رمضان هم المصريون.. وأنه اختراع مصرى أصيل بامتياز.

هناك العديد من القصص عن أصل الفانوس كلها مصرية. أحد هذه القصص أن الخليفة الفاطمى كان يخرج إلى الشوارع ليلة الرؤية ليستطلع هلال شهر رمضان، وكان الأطفال يخرجون معه ليضيؤوا له الطريق. كان كل طفل يحمل فانوسه ويقوم الأطفال معًا بغناء بعض الأغانى الجميلة تعبيرًا عن سعادتهم باستقبال شهر رمضان.

هناك قصة أخرى عن أحد الخلفاء الفاطميين أنه أراد أن يضيئ شوارع القاهرة طوال ليالى شهر رمضان، فأمر كل شيوخ المساجد بتعليق فوانيس يتم إضاءتها عن طريق شموع توضع بداخلها.

وتروى قصة ثالثة أنه خلال العصر الفاطمى، لم يكن يُسمح للنساء بترك بيوتهن إلا فى شهر رمضان وكان يسبقهن غلام يحمل فانوسًا مضيئًا لتنبيه الرجال بوجود سيدة فى الطريق لكى يبتعدوا. بهذا الشكل كانت النساء تستمتعن بالخروج وفى نفس الوقت يبتعد عنها الرجال.

أما أصل كلمة فانوس فيقال انه يعود إلى اللغة الإغريقية، ويقال ان الكلمة تعنى أحد وسائل الإضاءة، كما يطلق على الفانوس فى بعض اللغات اسم «فيناس»، ويذكر «الفيروز أبادي» مؤلف كتاب القاموس المحيط أن أصل معنى كلمة فانوس هو (النمام) لأنه يظهر صاحبه وسط الظلام.

أصل فكرة موائد الرحمان

* أنشأها أحمد بن طولون.. وتخدم أكثر من 3 ملايين صائم

مائدة الرحمان.. هو الاسم الذى أطلقه المصريون على ذلك العمل التكافلى الذى صار طقسًا رمضانيًا للغاية، وعلى الرغم من أن كلمة «مائدة» غريبة على العامية المصرية التى تفضل أسماء مثل «سُفرة» أو «ترابيزة»، إلا أنه يبدو أن مبتكر هذا الطقس قد استعان به من سورة المائدة.. وتم اختيار اسم «الرحمان» من أسماء الله الـ99 لتأكيد أن هذا الطقس يحض على التراحم بين المسلمين.

وقد انتشرت موائد الرحمان فى مصر فى السنوات الأخيرة، وصارت متنفسًا للفقراء يتناولون فيها طعامهم، وصارت ساحة تنافس محببة بين الأغنياء لتقديم ما لذ وطاب فى موائدهم.

هذا هو تمامًا ما قصده وأراده أحمد بن طولون عندما أقام أول مائدة رحمان فى مصر فى السنة الرابعة لولايته، حيث جمع القواد والتجار والأعيان على مائدة حافلة فى أول أيام رمضان وخطب فيهم «إننى أجمعكم لأعلمكم طريق البر بالناس، لذلك فإننى آمركم أن تفتحوا بيوتكم وتمدوا موائدكم وتهيئوها بأحسن ما ترغبونه لأنفسكم فيتذوقها الفقير المحروم»، وأخبرهم ابن طولون أن هذه المائدة ستستمر طوال أيام الشهر الكريم.

بعد هذا أقام الخليفة الفاطمى المعز لدين الله، مائدة فى شهر رمضان يفطر عليها أهل جامع عمرو بن العاص وكان يخرج من قصره 1100 صحن بهم جميع ألوان الطعام لتوزع على الفقراء، وسميت «دار الفطرة»، ثم قل الحماس واكتفى المصريون فى العهد المملوكى ببعض المظاهر البسيطة التى لا تصل إلى ما سمى بعد ذلك «مائدة رحمان»، التى بدأت فى العودة مرة أخرى فى القرن العشرين تحت رعاية حكومية لبنك ناصر الاجتماعى، الذى كان يقيم مائدة بجوار الجامع الأزهر، يفطر عليها أربعة آلاف صائم من أموال دافعى الزكاة.

كانت أول مائدة رحمان قبطية، أقيمت من أجل الإفطار فى رمضان فى حى شبرا، وبالتحديد عام 1969حين أقام القمص صليب متى ساويرس، راعى كنيسة مار جرجس، مائدة إفطار للمسلمين والمسيحيين فى شهر رمضان بميدان الأفضل بشبرا.

وقد أصدرت جامعة الأزهر دراسة عن موائد الرحمان فى مصر، جاء فيها أن موائد الرحمان فى مصر يبلغ عددها 40 ألف مائدة تقريبًا، ويستفيد منها ما يقرب من 3 ملايين مواطن.
الفراعنة و«وحوى يا وحوى»

«وحوى يا وحوى إياحا» تنتمى هذه الكلمات إلى أغنية شهيرة اعتاد المصريون -وخصوصا الأطفال- ترديدها فى الشوارع والحوارى حينما يحلّ شهر رمضان كل عام، لكن دون أن يفهم أحد معناها.

ويُقال إن أصل هذه العبارة يرجع إلى نهاية الأسرة السابعة عشرة عندما انتفض الشعب المصرى لطرد الهكسوس، وكانت الملكة إياح حتب قد قتل زوجها سقنن رع فى أثناء الحرب مع الهكسوس ثم قتل ابنها كاموس أيضًا.. فأقسمت الملكة أن تنتقم من الهكسوس وقدمت ابنها أحمس العظيم لقيادة الجيش، واستطاعوا أن ينتصروا عليهم ويطردوهم ويعيدوا مصر للمصريين. 

وعند عودتهم منتصرين، خرج الشعب يحيى الملكة «إياح حتب» اعترافًا بفضلها ودورها العظيم فى تحرير  الوطن، واستقبلوها بالورود والزينة، وكانوا يقولون: «واح واح إياح» أى «تعيش تعيش إياح»،
واسم «إياح» يعنى القمر أو الهلال... و«حتب» معناها، «الزمان»، وبالتالى فالسيدة اسمها «قمر الزمان»، أما كلمة وحوى الفرعونية فمعناها: مرحبًا أو أهلاً.وهكذا وتقديرًا للتضحيات وللدور البطولى لـ «إياحة» خرج المصريون حاملين المشاعل والمصابيح وهم يهتفون لها: وحوى إياحة أي: مرحبًا يا قمر، أو أهلًا يا قمر.