صحافة الأخوان 75 سنة من الفشل

منوعات



عندما يكون الحديث عن الاخوان فإن المسألة تبدأ فى التعقيد، فإلى جانب أنه باتت هناك حساسية مفرطة تغلف المسألة خاصة بعد إزاحة الاخوان عن الحكم إثر أحداث  30/6 ووصول التناحر بين الشعب وإرهاب الجماعات الدينية إلى حد الدم، فإن البحث فى تاريخ الاخوان صار أكثر تعقيد، يكفى أن نعرف أن كتب الاخوان عن الاخوان لا تذكر سوى نضالات البنا ورجاله ضد الاستعمار، أما اليسار واليمين المصريين ممثلان فى الحركات الشيوعية وحزب الوفد لا ذكر لهما، وإن وجد فهو للطعن فى أعوان الغرب الصهيو إمبريالي كما يراهم الاخوان.والمسألة ليست مختلفة من الناحية الأخرى، فقد كان فوزا مؤزرا بالنسبة لى عندما عثرت لدى بائع كتب قديمة على كتاب “الطلبة والسياسة فى مصر” للدكتور “أحمد عبدالله رزة” والذى ترجمته عن الانجليزية إكرام يوسف منذ عشرون عاما تقريبا،حيث وجدت  كتابا يسطر الحركة الطلابية بحيادية ويذكر كل التيارات كما هى، لكن ستزول الفرحة عندما نعرف أن ذلك الكتاب قد توقف طبعه منذ سنوات ومن النادر إيجاده.

الوصول إلى المعلومة الصحيحة عندما يكون الحديث عن الاخوان أصبح مسألة شبه مستحيلة، لكن سأحاول معكم أن أصل إلى معلومة صحيحة عبر قراءات متعددة لكتابات عن الاخوان من داخل الاخوان أو من باحثين من خارجهم فيما يخص صحافة الاخوان المسلمين.


إن فهم ذلك الجانب من جماعة الاخوان سيقودنا إلى تفسير جوانب أخرى معقدة، فأهمية ذلك الموضوع تتضح عندما ندرك أن رائد صحافة الاخوان ورئيس تحرير وصاحب إمتياز نشر أهم مجلة للإخوان وهى مجلة الدعوة هو نفسه أحد قادة التنظيم الخاص قبل عبد الرحمن السندى وأحد أهم أعضاء ذلك التنظيم “صالح عشماوي” والذى رغم فصله من جماعة الاخوان منتصف الخمسينيات من القران الماضي إلا أنه كان دائما هو صاجب الكلمة فى تلك الصحافة، مما يؤكد أن إدراك الاخوان لدور الاعلام فى توجيه الرأى العام كان منذ نشأتهم، ويوضح أيضا لماذا كانت تلك الحرب الشرسة على وسائل الاعلام بجميع أشكالها فور وصول الاخوان إلى الحكم؟ حيث أنهم يدركون خطورة تلك الآلة ومدى تأثيرها فى الناس.

أحمد عادل كمال صاحب كتاب “النقط فوق الحروف” وهو أحد قادة النظام الخاص خصص فصلا فى كتابه لـ صحافة الاخوان. ففى العام 1938 أصدر الاخوان مجلة “النذير” وكان صاحب امتيازها محمود أبو زيد المحامي، وتم تكليف صالح عشماوي برئاسة تحرير الجريدة وبرر أحمد عادل كمال ذلك قائلا:”وقد صدر حينذاك قانون يحتم أن يكون رئيس تحرير أى صحيفة من حملة المؤهلات العليا، فكلف المرشد العام الأستاذ صالح عشماوي أن يتولى رئاسة تحريرها باعتباره حاصلا على بكالوريوس التجارة العليا..” صـــ 121 . ويطرح ذلك التبرير تساؤلات عدة مثل، هل كان حملة المؤهلات بتلك الندرة حتى يعين رئيس تحرير أول مجلة للإخوان عضو لم يمضى على انضمامه للجماعة عام – واحد حيث انضم عشماوى عام 1936 بعد عودته من عمله بالسودان واستقراره فى القاهرة- ؟ .. أم أن أحمد عادل كمال افتقد الدقة فى وصفه ذلك.. حيث ذكر أحمد عبدالله رزة في كتاب الطلبة والسياسة فى مصر صــ 61 ” وقبيل نشوب الحرب العالمية الثانية بلغت عضوية الجماعة من الطلاب حوالي خمسمائة طالب كان معظمهم من الأزهر” هنا يتأكد وجود المئات من حملة الشهادات العليا لتحمل ذلك التكليف.  المرجح لدينا أن إدراك البنا لخطورة تلك الآلة الاعلامية ساقه لاختيار صالح عشماوي بالذات. لكن من هو صالح عشماوي الملقب برائد الصحافة الاسلامية؟.

صالح عشماوي حسب موقع ويكبيديا الاخوان المسلمون إضافة إلى ما سطر عنه فى موسوعة ” من أعلام الدعوة والحركة الاسلامية المعاصرة” تأليف المستشار عبدالله العقيل  ” وُلد بالقاهرة 4 ديسمبر 1910م، وحفظ القرآن الكريم كاملاً في سنٍّ مبكرة، وتدرَّج في دراسته بتفوق حتى تخرج في كلية التجارة العليا سنة 1932م بجامعة فؤاد الأول – القاهرة حاليًّا –  وكان أول دفعته، ووُظِّف في بنك مصر لمدة سنة واحدة ثم تركه، واشتغل بالأعمال الحرة.

سافر إلى السودان عام 1934م، ثم عاد إلى مصر سنة 1936م، والتحق بالأحزاب الموجودة على الساحة، وتنقَّل بينها غير أنه لم يستقر به المقام في أحدها، في تلك الفترة كانت دعوة الإخوان المسلمين قد انتقلت من الإسماعيلية في :أكتوبر 1932م واستقر بها المقام في القاهرة، وبرزت على الساحة؛ فتعرف على الإمام البنا وأعجب بالإخوان، وفي 1937م انضم إليهم“

لقب عشماوي بـ ” رائد الصحافة الاسلامية”. تم تعينه وكيلا للجماعة بعد انشقاق الشيخ أحمد السكري عام 1946، ورأس النظام الخاص سنة 1941، ثم بعد اغتيال البنا كلف بإدارة الجماعة طبقا للائحة التى تنقل السلطات لوكيلها فى غياب المرشد، وظل لمدة 30 شهرا مرشدا للإخوان قبل تولي حسن الهضيبي. إذن فالرجل الأقوى فى التنظيم والذى جرؤ مع الشيخ محمد الغزالي على اقتحام مكتب الارشاد وعمل محاولة للإنقلاب على المرشد عام 1953 وكانت أقوى الحوادث التى هزت مكتب الارشاد فى عهد حسن الهضيبي حيث سماها محمود عبد الحليم فى كتابه – الاخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ – “المؤامرة الخسيسة” الجزء الثالث صـ 209 .

ربما لم يكن البنا مفكر أو فيلسوف أو صاحب أيديولوجية ينافس بها التيارات الفكرية الأخرى، لكنه كان صاحب رؤية واضحة للآخر من حوله، امتص فى جعبته كل أشكال الحركات السياسية فى داخله وخرج بالشكل الذى عليه جماعة الاخوان الآن، ومن هنا اهتم البنا بإنشاء صحيفة تكون لسان حال جماعته، كما كان للتيارات الأخرى على الساحة من صحف تتحدث بإسمها، وكان لابد أن يرأسها رجل لا يقل قوة وإدراك لذلك البعد المهم لوسائل الاعلام.

فكانت النذير فى العام 1938 والتى كان صاحب امتيازها محمود أبو زيد المحامي ورأس تحريرها صالح عشماوي، إلا أن محمود أبو زيد مالبث أن خرج على الجماعة مع آخريين سنة 1940 فيما عرف بـ فتنة شباب محمد، وتلك كانت أول حالات الانشقاق داخل جماعة الاخوان ومن أخطرها نظرا لأنها كانت جماعية.

وفى العام 1942 سمح الملك فاروق للإخوان بإصدار مجلة "الاخوان المسلمون" بعد اتفاق بين البنا والملك مقابل ألا يشارك البنا فى انتخابات البرلمان، ورأس تحريرها أيضا صالح عشماوى واستمرت حتى صودرت عام 1948. ثم أنشئت إلى جوار المجلة جريدة يومية بعنوان "الاخوان المسلمون" عام 1946 ورأس تحريرها زكريا خورشيد ثم صالح عشماوي عام 1947. وصودرت أيضا عام 1948. وتوسع الاخوان فى المسألة فأسسوا شركة مساهمة تحت عنوان الاخوان للطباعة وأخرى تحت عنوان الإخوان للصحافة وكان رأسمالاهما معا 70 ألف جنيه… النقط فوق الحروف صـ .122

إلا أن أكثر ما لفت إنتباهى فى طريق بحثي عن صحافة الاخوان هى مجلة الكشكول الجديد، تلك المجلة التى كان صاحب اقتراح إنشائها محمود عساف إلى جانب آخر وهو أمين اسماعيل، وكان ذلك الاقتراح وسيلة للرد على الصحف الوفدية والشيوعية التى تهاجم الاخوان، حيث رأى بعض الاخوان أن جماعتهم الدعوية لا يصح لها أن تسب على صفحات الجرائد فتفتق الذهن عن حيلة يمكرون بها على العامة والأتباع وهى أن يستقيل محمود عساف وأمين اسماعيل استقالة وهمية ويصدران مجلة الكشكول الجديد ويبدءان فى سب تلك الأحزاب على صفحات مجلتهم بدعم سرى من الاخوان دون أن تكون الجماعة مسئولة عن ذلك، وكان السب على صفحات تلك المجلة شديد حيث وصلت إلمسألة إلى أن حزب الوفد كان يصدر جريدة بعنوان"صوت الأمة" فصورت الكشكول صفحة على نفس نظام الجريدة جعلت عنوانها "صطل الأمة" بنفس نوع الخط.

ومن أمثلة ماكانت تنشره الكشكول باب بعنوان "دائرة المعارف الوفدية" بدأت بحرف الألف منها على سبيل المثال شرحا لكلمة "أب "جاء بها" أبوك معروف لك طبعا. يقال للوفديين ملعون أبوكم.. وليست الوزارة ميراثا عن أبيكم.. الخ  النقط فوق الحروف صـ 124/125.

توضح لنا تلك التجربة مسائل خطيرة جدا، أولا:- جماعة الاخوان قد ينشق عنها رجال انشقاق وهمى فى سبيل تنفيذ ما تعجز الجماعة عن تنفيذه دون أن يكون لها دور يذكر فى المسألة، من ذلك مثلا خروج الداعية عمرو خالد من صفوف جماعة الاخوان بعد أن ذاع صيته وقويت شهرته، وكانت الجماعة تبرر ذلك داخل صفوفها أن عمرو خالد صار ملكا للجميع وليس للإخوان وفقط وأن عضويته فى الجماعة قد تعرقل من مسيرته، ثانيا:- جماعة الاخوان لا تخجل أن تتبع أساليب الآخر مهما كانت حقارتها فى سبيل الزود عنها بشرط ألا يمسها شر، فمن ينشئ جريدة تهاجم، قد يدعم حزبا فى السر، قد يدعم شخصيات عامة، جمعيات خيرية، مؤسسات تقوم بأعمال لا تود الجماعة أن تتصدرها.

أنشأت جماعة الاخوان تباعا مجلة الشهاب والتى كانت إمتداد لمجلة المنار لمؤسسها رشيد رضا لكنها حلت عام 1948 مع محنة حل الجماعة ثم أعيدت بعد عامان على نفس النسق ولكن تحت مسمى مجلة ” “المسلمون”. ثم بعد ذلك أنشأت الجماعة مجلة الدعوة والتى صدر العدد الأول منها عام 1951، وكان يرأس تحريرها صالح عشماوى إلى جانب أنه كان صاحب إمتيازها أيضا، وكانت المجلة الأوفر حظا حيث استقرت مع الاخوان حتى وفاة صالح عشماوى فى أوائل الثمانينات من القرن الماضي.

بعد وصول الرئيس السابق محمد حسنى مبارك إلى الحكم دخلت جماعة الاخوان فى منحنى تاريخي مختلف عن كل ما سبق وبات من الصعب إصدار جريدة أو انشاء حزب سياسي أو حتى العمل تحت مظلة شرعية، وكانت الوسيلة المتبعة حينذاك هى التطفل على أحزاب أخري، ولا تعجب عزيزى القارئ عندما تعلم أن جماعة الاخوان دخلت مجلس الشعب عام 1984 بتحالف مع حزب الوفد الذى ما لبثت صحافة الاخوان تتهمه على مدار تاريخها أنه مأجور من الغرب لضرب المشروع الاسلامي.

فى أحيان أخرى كانت جماعة الاخوان تشترى حق تطفلها على بعض صحف المعارضة فى شكل شراء أعداد يومية بمبالغ طائلة وصلت إلى ثلاثين ألف جنيه يوميا مع إحدى صحف المعارضة قبل ثورة يناير مقابل فتح أبواب تلك الصحيفة لكتابات الاخوان، فالجماعة تدرك أن المال لا قيمة له أمام سلطة وسائل الاعلام، المسألة التى اتضحت جليا بعد الثورة فى تلهف الجماعة لإنشاء جريدة الحرية والعدالة لسان حال حزبها السياسي.

والمتابع الجيد لتطفل الجماعة على بعض الصحف مثل الشعب لسان حال حزب العمل الذى غير أيديولوجيته من اشتراكى إلى إسلامي متطرف فى يوم وليلة أو صحيفة أفاق عربية لسان حال حزب الأحرار الذى لا أرى له أيديولوجية أصلا، ثم إنشائهم لصحيفتهم الخاصة بعد ثورة يناير يندهش كيف لم تترك تلك الصحف أثرا يذكر سوى فى نفوس أعضاء الجماعة.

منذ ما يقرب من 12 عام توفى أحد شباب الاخوان، وكان حسن السمعة ومحبوب من الجميع، فى اليوم التالى لجنازته وجدت الجماعة كعادتها توزع صحيفة أفاق عربية على شباب القرية وهى تحمل خبر وفاة ذلك الشاب ونعيه، فسألت كيف لهذا الشاب الفقير فى القرية الأفقر أن يصل لتلك الصحيفة الحزبية التى من المفترض أنها تفتح أبوابها فقط لنشر كتابات الاخوان وأنها لسان حال حزب سياسي آخر، المسألة هنا تحولت إلى أن أصبحت الصحيفة لسان حال الاخوان، وحزب الأحرار ما هو إلا ديكور. لكن مع ذلك كانت الصحيفة خاصة بدولة الاخوان، هى صحيفة دينية، أقرب إلى مجلة الأزهر منها إلى صحيفة حزبية معارضة، كان سر وجودها يعتمد على الشراء الالزامى لأفراد  الاخوان، أما لو تنحت مشتريات الاخوان لن يجد القارء العادى ما يدفعه لشرائها. ولن تكون المسألة مستغربة خاصة مع معاصرتنا لجريدة الحرية والعدالة .. هل يذكر أحد القراء رئيس تحريرها، إن المسألة الوحيدة التى قد يذكرها الناس لصحيفة الحرية والعدالة هو المانشيت الذى تصدر صفحاتها وهو يحمل صورة "فانديتا" محذرين من محاولة الثوار حرق مجلس الشعب، وسبب تذكر الناس هو تناول الصحف الأخرى للمسألة بطريقة ساخرة، أى أن السبب لا يعود حتى لصحيفة الاخوان، لكن هل تعلمون أن رئيس تحرير الحرية والعدالة كان فيما مضى مدير تحرير آفاق عربية، أى أن الناس لا تذكر المسئول عن أكبر وأهم صحيفتين للإخوان فى آخر عشرين عاما.

والسبب يعود إلى أن الاخوان يصدرون صحفا خاصة بدولهم والتى ليس من ضمنها الدولة التى يعيشون فيها أيا كان مسماها.

ما سبق لا أقدر أن أسميه تأريخا لأن هناك مسائل كثيرة لم أوردها، هناك مسائل أخرى تحتاج إلى تأصيل، وإلى تحليل لفهم أبعادها، لكننى وضعت لبنة حركت بها السؤال فى عقل القارئ، عن الانشقاقات الوهمية، عن الصحافة المأجورة، وعن صحافة إخوانية مستترة، وعن مبالغ طائلة تدفع لصحافة الاخوان التى سرعان ما تفشل، فى الوقت الذى تهاجم فيه الجماعة جميع وسائل الاعلام الأخري، فلو قرأنا كواليس صحافة الاخوان لأدركنا أن الاخوان استوعبت أهمية الوسيلة الاعلامية فى السيطرة على الرأى العام، لذلك هى تسعى لأن تكون صاحبة وسيلة إعلامية قوية، وإن لم تقدر فعليها أن تطعن فى الوسائل الاعلامية التى تنتهجها القوى المخالفة لها حتى تقلل من تأثيرها، على أقل تقدير.