حرب التشريعات الصحفية الطاحنة داخل الغرف المظلمة.. "تجاهل لصاحبة الجلالة ومحاولات لإعادة الحبس في قضايا النشر" (تقرير)

تقارير وحوارات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


دخلت نقابة الصحفيين بعد احتفالها بيوبيلها الماسي، العام الماضي، في دوامة صراعاتها الداخلية، التي مازالت مستمرة حتى اليوم، بدأت باقتحام قوات الأمن لها، مطلع مايو العام الماضي، انتهاءًا بحرب التشريعات، التي مازالت تحارب فيها أمواج عاتية، لطالما أردات إغراقها.

كان ومازال الصراع الأساسي للنقابة هو حربها التشريعية، التي تخوضها منفردة وسط غابة التشريعات الإعلامية، التي خرجت مؤخرًا، وخلفت ورائها صراعات متراكمة، رغم أن النقابة كانت هي المبادر الأول لثورة تشريعية جديدة، إلا أنها كان أول من تم ظلمه في إعداد تلك التشريعات وإقرارها.

لجنة التشريعات وقانون إنشاء النقابة
بادر مجلس نقابة الصحفيين السابق، برئاسة النقيب السابق يحيى قلاش، وكارم محمود رئيس اللجنة التشريعية السابق بالنقابة، في إعداد قانون جديد لنقابة الصحفيين، بدلًا من قانوها الحالي 76 لسنة 1970، الذي عافى عليه الزمن، ليكون تربة خصبة، تتلقى مشاريع القوانين الجديدة، التي حلمت بها النقابة، لتواكب التطور التكنولوجي، وتضبط السوق الصحفية.

وعلى الرغم من اقتحام النقابة، وغرقها في أزماتها الداخلية، وصراعاتها التي احتدمت، إلا أن العمل على قانون إنشاء النقابة ظل مستمرًا، وعقدت جلسات استماع، وفتحت النقابة الباب أمام أعضاء الجمعية العمومية لتلقي مقترحاتهم، حتى أصبح هدفًا قويًا للمجلس السابق، وسط كل تلك الأزمات.

وبعد حرب انتخابات التجديد النصفي الضروس، التي جاءت بنقيب جديد، بدأ الصراع حول تشكيل اللجان داخل النقابة، وفي البداية لم يشمل هذا الصراع لجنة التشريعات، خوفًا من ثقل العبء الذي تخلفه هذه اللجنة، بعد البدء في مشروع تعديل القانون.

وعلى الرغم من أن لجنة التشريعات لم تكن محط صراع كبقية اللجان في بادئ الأمر، إلا أنها كانت ركيزة أساسية لهذا الصراع، بعد الصراع حول لجنة الحريات، فبعد عدم ترشح أحد لرئاسة اللجنة، بادر عمرو بدر رئيس لجنة المعاشات والخدمات بالترشح لرئاستها، إلا أن نحو نصف أعضاء المجلس طلبوا ترشيح جمال عبد الرحيم سكرتير عام النقابة السابق، ليكون رئيس اللجنة ووكيل النقابة للتشريعات، إلا أن الثاني رفض الترشح من الأساس، على خلفية أزمة اللجان داخل مجلس النقابة.

وعلى الرغم من ترشح عمرو بدر على رئاسة لجنة التشريعات، إلا أن نصف أعضاء المجلس طالبوا بإرجاء الحديث حول لجنة التشريعات، لحين إقناع "عبد الرحيم" برئاستها، ليفاجأ المذكور وعمرو بدر أيضًا وعدد من أعضاء المجلس، بعد انتهاء هذا الاجتماع، أن نقيب الصحفيين عبد المحسن سلامة أصبح رئيسًا للجنة، بعضوية أعضاء المجلس "دون تصويت".

وعلى الرغم من ذلك لم يعقد المجلس الحالي، أي جلسات استماع حول استمرار تعديل مشروع القانون، ولم يبد أي نية لذلك حتى الآن.

معركة قانون الإعلام الموحد

كان لقانون الإعلام الموحد نصيب الأسد من أزمات المتشريعات التي خاضتها النقابة، وهو الشكل الأول من قانون التنظيم المؤسسي للصحافة الإعلام، قبل أن يقسمه مجلس النواب والحكومة لجزئين ويصدر منه الجزء الأول الخاص بتشكيل الهيئات الصحفية والإعلامية.

بدأت "خناقة" قانون الإعلام الموحد للصحافة والإعلام، بين النقابة والبرلمان، بعد إعداد لجنة الخمسين لمشروع القانون، بالتعاون مع نقابة الصحفيين، وجهات صحفية وإعلامية، التي ظلت تعده وتناقشه عامًا كاملًا، وفتحت لجان الاستماع حول مشروع القانون، وسط تخوفات من تقسيم القانون لجزئين، وإصدار البرلمان للجزء الأول من القانون، دون أي ضمانات لإصدار الجزء الثاني.

وفي ذات السياق، أكد أسامة شرشر - عضو لجنة الثقافة والإعلام والآثار بمجلس النواب، في نوفمبر 2016، أن فكرة تقسيم القانون غير دستورية وغير صحيحة، وأن المجلس لم يصله حتى ذلك الوقت أي مشروع قانون مقدم من الحكومة، بشأن قانون تنظيم الصحافة والإعلام، موضحًا أن ما يجري التوافق بشأنه داخل مجلس النواب، هو البدء بإقرار الهيئات التنظيمية الثلاثة الخاصة بالعمل الصحفي والإعلامي، ثم إصدار القانون الموحد لتنظيم الصحافة والإعلام، على أن يكون الإثنان وحدة واحدة دون تجزئة.

وبرغم كل محاولات مجلس النواب لنفي ذلك، والتأكيد على أنه لم يصله أي مشروع قانون مقدم من الحكومة كما أشيع، إلا أن النقابة فوجئت أن مجلس النواب بدأ في مناقشة قانون قدمته الحكومة بأسم "التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام"، اعتمد على فصل قانون تنظيم الإعلام لشقين، أولهم قانون تنظيم عمل الهيئات الإعلامية وإنشائها، وجزء خاص بتنظيم الإعلام، وفقًا لتوصية مجلس الدولة حول المشروع، بعد إحالته له.

وأصدرت لجنة التشريعات بنقابة الصحفيين بيانًا، أكدت فيه أن الحكومة تتعمد تجاهل مشروع "القانون الموحد"، الذي شاركت النقابة في إعداده، ضمن إطار "اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلامية"، التي ضمت ممثلين عن كل الجهات المهتمة بالصحافة والإعلام، وهو القانون الذي استمر إعداده عامًا كاملًا، ويحظى بموافقة الأغلبية من أبناء المهنة، وهو ما يعد التفافًا على قانون أعدته الجماعة الصحفين، بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء، قبل ذلك الوقت بعام ونصف، وفقًا لبيان أصدره المجلس في ذلك الوقت، وقال صلاح عيسى الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة، إن الحكومة قامت بتقسيم القانون الموحد للصحافة والإعلام، وتقدمت به للبرلمان دون مسوغ قانوني أو دستوري في رأي الجماعة الصحفية.

وكان تخوف المجلس الأعلى للصحافة ونقابة الصحفيين، من مشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة، من تمثيل الحكومة وممثلي الجماعة الصحفين داخل تلك الهيئات، الذي لا يتخطى 3 إلى عشرة، وهو ما يهدد استقلال الهيئات الصحفية والإعلامية، فضلًا عن تخوف من حالة ارتباك قد تحدث في تشكيل الهيئات الثلاثة.

وأكدت بعد ذلك اللجنة الوطنية لإعداد التشريعات الصحفية والإعلامية، أن مجلس الدولة أرسل ملاحظاته لمجلس النواب على مشروع قانون الإعلام الموحد، وهو ما يجعل هذه الملاحظات ملزمة أمام لجنة الإعلام بالمجلس، مقترحًا بتقسيم القانون لجزئين.

وانتهى مجلس النواب من مناقشة قانون تنظيم الإعلام، الذي تقدمت به الحكومة، ووافق على شقه الأول في 14 ديسمبر من العام الماضي، والذي تضمن 90 مادة، على رغم اعتراض نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة وهيئات صحفية وإعلامية أخرى، انتهت بتقديم نقابة الصحفيين بترشيحاتها لرئاسة الهيئة الوطنية لتنظيم الصحافة والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.

أزمة قانون تنظيم الإعلام

كان من المفترض أن تنتهي أزمة الجماعة الصحفية مع مجلس النواب، بعد تشكيل الهيئات الثلاث، والشروع في إصدار الجزء الثاني من قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، إلا أن الأزمة زادت احتقانًا بتجاهل مجلس نقابة الصحفيين للمرة الثانية، وعدم الأخذ برأي النقابة في مشروع القانون، وإبداء النية والفعل بإصداره دون أخذ مشورة النقابة، وهو يعد "عملًا في الغرف المظلمة"، كما وصفه يحيى قلاش النقيب السابق.

وبعد الانتهاء من تشكيل الهيئات الثلاثة المنظمة للعمل الصحفي والإعلامي، بدأ مجلس النواب في إخطار تلك الهيئات، بالإنتهاء من مناقشة الشق الثاني من القانون، وإرسال ملاحظاتها له، لمناقشته وإصداره، دون وضع نقابة الصحفيين في حسبانه، على الرغم من مخاطبة النقابة لرئيس المجلس بذلك، إلا أن النقابة لم تتلق أي رد في ذلك الشأن.

وقال جمال عبد الرحيم - عضو مجلس النقابة، إن النقابة حتى اليوم، لم تتلق نسخة من مشروع القانون من مجلس النواب، مؤكدًا أن هذا يخالف المادة 77 من الدستور، التي تلزم بعرض أي مشروع يخص العمل الصحفي والجماعة الصحفية على نقابة الصحفيين قبل إصداره.

وأضاف لـ"الفجـر" أنه في أول تطبيق للقانون، حال الزج في القانون بمواد تبيح الحبس في قضايا النشر، من حق النقابة أن تطعن بعدم دستوريته، وتحيله للمحكمة الدستورية العليا.

بينما قال عمرو بدر - عضو مجلس النقابة، إن النقابة من حقها مناقشة القانون، وإرسال ملاحظاتها عليه، حتى قبل إصدار القانون بيوم واحد، مضيفًا أن تجاوز مجلس نقابة الصحفيين في مناقشة القانون، والتعامل مع هيئات أخرى، هو أمر لم يحدث من قبل.

مواد الحبس في قضايا النشر

كان التخوف الرئيسي من أزمة التشريعات التي عاشتها النقابة، كان من مواد الحبس في قضايا النشر، خاصة وأن تقرير لجنة الحريات بالنقابة عن عام 2016، والذي صدقت عليه الجمعية العمومية الأخيرة للنقابة، رصد 800 انتهاك بحق الصحفيين، فضلًا عن نحو 50 صحفيًا محبوسًا ومهددًا بالحبس، ولطالما شغلت قضية حبس الصحفيين في قضايا النشر بال الجماعة الصحفية، منذ عمومية 1996 التاريخية حتى اليوم.

واستطاعت نقابة الصحفيين والجماعة الصحفية أن تنتصر بألا يتضمن سواء قانون الإعلام الموحد السابق، أو قانون تنظيم الإعلام الذي يتم مناقشته، أي مادة تخص حبس الصحفيين في قضايا نشر.

دفع ذلك مجلس النقابة السابق برئاسة النقيب السابق يحيى قلاش، لإعداد قانون منفصل يخص منع الحبس في قضايا النشر، وقام مجلس النقابة بتقديمه رسميًا لمجلس النواب، إلا أنه لم يتم مناقشته حتى اليوم.

وقال جمال عبد الرحيم إنه طالب مجلس النقابة بمخاطبة الحكومة، لإرسال نسخة من قانون منع الحبس في قضايا النشر، وهو ترجمة لنص المادة 71 من الدستور، التي تلغي الحبس في قضايا النشر، مؤكدًا أن مجلس النقابة وافق على ذلك.".

وأضاف لـ"الفجـر"، أن تخوف المجلس الحالي الحقيقي، من تجاهل مجلس النواب لها في مناقشة قانون تنظيم الإعلام، هو الدفع بمواد تتضمن الحبس في قضايا النشر، دون أخذ رأي النقابة، التي ستكون أول الرافضين لذلك، متابعًا: محاولات إعادة مواد الحبس في قضايا النشر تعتبر مصيبة، واستمرار لتكميم الأفواه، والضغط على الصحافة وإرهاب الصحفيين.

وقال عمرو بدر إنه جزء من أداء النقابة، أن يضم قانون تنظيم الصحافة بجانب علاقات العمل والمعاشات وغير ذلك، قضية الحريات الصحفية، مؤكدًا أن هناك تخوف من الزج بأي مواد تضمن الحبس في قضايا النشر، دون الرجوع للنقابة، وهو ما كان سببًا لتجاهل مجلس النقابة في مناقشة القانون.

قانون الحبس في تهمة إهانة رئيس الجمهورية

وقع تقديم النائب كمال عامر - رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، بمقترح مشروع قانون تغليظ العقوبات على إهانة رئيس الجمهورية، وإعادة الحبس لها، وقعًا طريفًا على مجلس نقابة الصحفيين، نظرًا أنه يطالب بتغليظ العقوبات على إهانة مجلس النواب ورموز الدولة، وينص على معاقبة كل من أهان الرئيس، أو سب مجلس النواب أو الجيش أو المحاكم، أو أيًا من رموز الدولة المصرية، بالحبس مدة لا تقل عن 24 ساعة، ولا تزيد على 3 سنوات، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد على 100 ألف.

وقال عمرو بدر إن النقابة خاطبت مجلس النواب، بعدم الموافقة على مشروع القانون، الذي يخالف المواد 179 و184 من قانون العقوبات، مضيفًا أن هذا شئ مقصود به حرية الصحافة بشكل مباشر.

بينما أكد جمال عبد الرحيم أن مشروع القانون المقدم يخالف المادة 71 من الدستور، التي تحظر الحبس في قضايا النشر، باستثناء جرائم التمييز بين المواطنين، أو التحريض على العنف، أو الخوض في الأعراض.

وأضاف لـ"الفجـر" أن هذا التعديل الذي تقدم به عضو المجلس، كان قد ألغي الحبس بموجبه في 5 أغسطس عام 2013، وفقًا لقانون 77 لسنة 2013، بعد لقاء تم بين رئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور ومجلس النقابة وقتها، ووعد خلاله إلغاء الحبس في قضايا النشر، وصدر القانون بإلغاء الحبس واستبداله بغرامة 10 آلاف جنيه حد أدنى و30 ألف حد أقصى.

فيما قال صلاح عيسى – الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للصحافة، أن قانون إهانة الرئيس كان يعرف قديمًا بـ"العيب في الذات الملكية"، ولم يطبقه أي رئيس جمهورية منذ محمد نجيب وحتى محمد حسني مبارك، ولم يسبق أن قدم أحد بتهمة إهانة رئيس الجمهورية، لافتًا إلى أن هذا القانون لو تم تطبيقه سيسيء لرئيس الجمهورية نفسه.