"السديري".. سيرة سيكتبها التاريخ والأجيال

السعودية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


بعد مسيرة أمتدت لخمسة عقود في بلاطة صاحبة الجلالة رحل "ملك الصحافة" الأستاذ تركي السديري رئيس تحرير صحيفة الرياض إلى جوار ربه اليوم الأحد 18 شعبان 1438.

ولد تركي السديري بالغاط عام 1363هـ وأنتقل إلى الرياض صغيراً, لقبه خادم الحر مين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بـ "ملك الصحافة", تقلد عدة مناصب في مؤسسة اليمامة الصحفية وتولى رئاسة تحرير صحيفة الرياض في العام 1394هـ حتى 16 شعبان 1436هـ. 

يقول عنه نائب رئيس تحرير صحيفة الرياض سابقاً و أستاذ الصحافة بكلية الإعلام والاتصال الدكتور أحمد الجميعة؛ إنه يمثل علامة فارقة على مستوى المهنة وعلى مستوى الإعلام السعودي والخليجي والعربي أجمع، مبيناً أن الراحل الكبير كان هرماً في قدرته على حماية المهنة وتشجيع أبنائها والتأكيد على قيمها، وقد استطاع طوال الأربعين عاماً التي قضاها في بلاطة صاحبة الجلالة أن يكون وفياً لها وقد أخذت من وقته وصحته الشي الكثير، مشيراً إلى أنه كان من أكثر الناس وفاءاً لمهنته ولكيانه "الرياض" الذي أحبها وأحبته وعرفته وعرف بها، موضحاً أنه على مدى عقود شكل مواقف ومنعطفات مهمة في تاريخ الصحافة السعودية، ووضع إبان تسلمه منصب رئيس التحرير وخلال عشر سنوات نواة العنصر البشري والكفاءات السعودية الشابة في التحرير.

وقال في حديث لـ"الإخبارية نت" أن السديري جعل مهنة الصحافة شريكاً في هموم الوطن والمواطن, وأن يشكل علاقة جميلة بين المعلن والقارئ، دون إنحياز للمعلن مقابل القارئ ولا للمواطن على حساب المعلن، مشدداً أنه خلق سياسة تحريرية متوازنة تستجيب لاحتياجات كل طرف، و أن يحصل على الحصة الأكبر من الإعلان في السوق السعودي من خلال رؤيته العميقة.

وأضاف أن السديري واجه أثناء انتقال صحيفة الرياض من حي الملز إلى حي الصحافة منعطفاً وتحدياً مهماً له من خلال الارتقاء بالجانب التقني للصحيفة، حيث أسس مطابع كبيرة، ووفر أجهزة متطورة واشتراكات مع وكالات أنباء عالمية ومصادر للأخبار.

وأشار إلى أن "السديري" عزز من حضور الرياض والدخول بها للمنافسة من خلال التقنية من خلال مرحلة حي الصحافة، مبيناً أنه عمل طوال الأربعين عاماً على خلق وإيجاد مادة تحريرية تنسجم مع الموقف السياسي للمملكة حتى وصلت نتائجها إلى أن صنفت الرياض بأنها صحيفة الدولة غير الرسمية، لافتاً إلى أنه عمل طوال مسيرته أن تبقى صحيفة الرياض صوت الدولة الأمين الصادق الذي لا ينقل قراراتها فقط وإنما ينقل الأمانة والمصداقية بدقة وموضوعية وأن ينقل المسؤول للمواطن, باعتبارها المعادلة المهمة في مسيرته  المهنية، مؤكداً أنه لم ينظر إلى هذه المهنة على أنها وظيفة وإنما كان يمثل مهنة يتعامل معها بشكل يومي وما ينجزه اليوم يختلف عن ما أنجزه  بالأمس.

وبين أستاذ الصحافة بكلية الإعلام والاتصال أن الفقيد الراحل تعامل بحزم في مواقف وكان إنساناً في مواقف أخرى وكان منافساً ونداً شرساً، مشدداً أنه لم يدخل صحيفة الرياض في صراعات منذ مسيرته المهنية بل حافظ على الكيان والتزم بقيم المهنة ولم يصنف ولم يصنف بأنه رجل أفتقد المهنة بسبب صراعات واتجاهات فكرية، إلى جانب أنه لم يوظف موقعه ومسوؤليته وصحيفته للنيل من الأخرين إطلاقاً بل سخر هذا النجاح بالإرادة والصمود لما تحتاجه المهنة من متطلبات، مضيفاً أن سيرة "السديري" بعد هذه السنوات يجب أن تكون سيرة تكتب لتروى وتنصف أيضاً، موضحاً أن هذا الرجل هو فقيد الوطن وسيرته سيكتبها التاريخ والأجيال.

وشدد الدكتور الجميعة على ضرورة أن تروى قصة تركي السديري بإنصاف وأن تبقى رمزيته حاضرة ولا تغيب، مبيناً أن هذه ليست مهمة الرياض فحسب بل أيضاً مهمة الجهات الأخرى بأن تشارك في تكريم هذا الرمز, كهيئة الصحفيين ووزارة الإعلام والقطاع الخاص, مشيراً إلى أنه ليس بحاجة إلى تكريم معنوي, لأنه حصل من الجوائز ما يكفي بل أن التكريم الحقيقي يأتي من خلال أن تبقى سيرته ورمزيته حاضرة للأجيال وللإعلام السعودي، مؤكداً أنه إذا كان البعض يتغنى برموزه في دول ما فإنه يجب علينا أن نذكر تركي السديري كأهم رموزنا الإعلامية.

إلى ذلك قال خالد المالك رئيس مجلس إدارة هيئة الصحفيين السعوديين في اتصال هاتفي عبر برنامج "ستيديو الإخبارية" إننا نعزي أنفسنا و الوطن والإعلاميين في وفاة تركي السيديري ليست المملكة فقط ولكن على مستوي الدول العربية.

وأشار المالك إلى أن  السديري لم يكن رئيس تحرير صحيفة الرياض وهيئة الصحفيين السعوديين ورئيس اتحاد الصحافة الخليجية فقط بل كان رائداً من رواد الصحافة العربية، حيث قضي أكثر من 40 سنة في خدمة العمل الإعلامي على المستوى الخليجي.

وأضاف رئيس مجلس إدارة هيئة الصحفيين السعوديين أن وفاة عميد الصحافة السعودية جاء صدمة على كل الإعلاميين،  لما كان له من بصمة في العمل الصحفي السعودي خلال رحلته في عالم الصحافة، مؤكداً أنه كان كاتباً لامعاً ومفكراً استقبل كوكبة من الصحفيين العرب والسعوديين وقام بتوجيههم خلال رحلتهم في العمل الصحفي.

ولفت المالك إلى أن المواطن السعودي صدم بهذا الخبر رغم أنه لم يكتب لأكثر من عام نظراً لحالته الصحية، مبيناً أن غياب "السديري" سيترك فراغاً كبيراً في العمل الصحفي والإعلامي.

وذكر رئيس تحرير صحيفة عكاظ جميل الزيابي أن تركي السيديري أبدع في العمل الصحافي أكثر من 40 عاماً في جريدة الرياض وناقش العديد من  القضايا الوطنية وشارك في الكثير من الأمور التي تهم الوطن والمواطن، وكذلك  كان له دوراً كبيراً في كل التطورات التى شهدتها جريدة الرياض، مضيفاً أن الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز لقبه بملك الصحافة العربية، مما يدل على القدرة النموذجية على العمل الصحفي والإبداع فيه.

من جهته قال رئيس قسم الإعلام في جامعة الملك سعود الدكتور على العنزي إن المملكة فقدت اليوم  أحد ركائز وأعمدة الإعلام السعودي، مؤكداً أنه كان مدافع للمملكة والمواطن السعودي والمجتمع العربي والإسلامي  في المحافل الدولية، وكان قلمه ينبض بالحيوية وبالحق والموضوعية, وأسس مدرسة الرياض للصحافة.

وأضاف العنزي أن رحم المملكة كبير وينجب الكثير من الأبناء المتميزين، ولكننا سننتظر فترة طويلة لإنجاب مثل "السديري"، مشيراً إلى أنه كان شامخاً دائماً وقامة إعلامية كبيرة تتلمذ على يديه العديد من الأقلام الشابة حتى تمكنت وأصبحت من إعلام المملكة والوطن العربي، لافتاً إلى أن "السديري" لم تنطوي صفحته بل ستظل مفتوحة دائماً طالما أن هناك صحافة عربية ودولية.