قصة قضاء "الكروت الملونة" على بدع المقابر يرويها "خبير الـ30 عاماً"

السعودية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


منذ 30 عاماً يجاور المشرف على مقبرة الشعيبة ومغسلة الموتى بمحافظة الدرعية، عبدالمحسن بن عبدالرحمن اللحيد، عالمَ الأموات المليء بالسكون والوحشة والهيبة والوقار؛ إلا أن ذلك لم يزده إلا طمأنينة وزهداً ويقيناً بحقيقة الدنيا وفنائها؛ لكن الملفت للنظر مع مشهد ترتيب المقبرة ونظافتها، وقوفُ "اللحيد" منتظِراً ذوي المتوفى بعد فراغهم من الدفن؛ ليوزع عليهم كروتاً ملونة تسهّل عليهم فيما بعد معرفة موقع دفن موتاهم في المقبرة ولو بعد سنين!
 
وحول فكرة الكروت والهدف منها؛ أوضح "اللحيد" لـ"سبق": "بدأتُ تطبيق هذه الفكرة منذ 9 سنوات؛ بهدف القضاء على البدع المتمثلة في وضع العلامات على القبور من قِبَل ذوي المتوفين؛ حتى يسهل عليهم التعرف عليها أثناء زيارتها، وكان البديل توثيق مواقع المدافن في المقبرة على كروت خاصة".
 
وأضاف: "في هذا الصدد قام مكتب مقبرة الشعيبة بالدرعية التابع لبلدية المحافظة بتاريخ 1/ 2/ 1429 بإزالة جميع العلامات الموجودة على القبور من أخشاب وعلب وحديد وأسيام وغيرها ما عدا النصائب فقط؛ وذلك لنظافة المقبرة وترتيبها، كما تمت إزالة جميع الأرقام على سور المقبرة؛ وذلك لصدور فتوى من هيئة كبار العلماء بعدم جواز ذلك.
 
وقال "اللحيد": "من أجل تطبيق فكرة الكروت؛ تم تقسيم المقبرة إلى 5 مربعات، لكل مربع لون خاص به توضع على الكروت، المربع الأول باللون الأسود، المربع الثاني باللون البني، والمربع الثالث باللون الأزرق، والمربع الرابع باللون الأخضر، والمربع الخامس باللون الأحمر".
 
وأضاف: "بعد تسجيل هوية ومعلومات المتوفى في السجل من خلال شهادة الوفاة وكتابة الأسماء بحسب ترتيب الحروف الهجائية؛ أقوم بترقيم مكان القبر في الكرت متضمناً الاسم والصف ورقم القبر والمربع".
 
وأردف: "بعد الفراغ من الدفن أقف على مدخل المقبرة، وأبادر بتوزيع هذه الكروت بحسب مكان القبر؛ لكي يتعرف ذوو المتوفى من خلالها على موقعه في المقبرة"؛ مشيراً إلى أن الكروت تحتوى على اسم الميت، والصف، ورقم القبر؛ مضيفاً أنه في حال فقدان الكارت يمكن مراجعة مكتب المقبرة للتعرف على مكان القبر؛ مبيناً أنه بهذا الترتيب يستطيع بإذن الله استخراجَ مكان القبر لأي متوفى ولو بعد 30 سنة!
 
وأكد "اللحيد" لـ"سبق" جدوى تطبيق فكرة الكروت حتى في المقابر الكبيرة؛ إذا توفر لدى العاملين فيها الاجتهاد والحرص والأمانة؛ متمنياً أن ينتقل تطبيق هذه الفكرة من العمل اليدوي إلى الإلكتروني.
 
وعن أعداد الجنائز التي تستقبلها المقبرة قال: "بعد إغلاق الدفن بمقابر أم الحمام؛ أصبحت المقبرة تستقبل الضعف؛ حيث يتم تقريباً دفن متوفى يومياً أو أكثر بمعدل 50 جنازة شهرياً؛ بعد أن كان لا يتجاوز العدد النصف من ذلك".
 
وأكد أنه يتم إشعار جميع زائري المقبرة بأنه لا يجوز شرعاً التصوير داخل المقابر، والترقيم أو الكتابة على القبور، ودفن الموتى عند طلوع الشمس أو غيابها، ودخول النساء للمقابر، ووضع الزهور أو أوراق الأشجار على القبور، بموجب الفتاوى الصادرة عن هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء؛ مشيراً إلى أن جميع الخدمات التي تُقَدم من قِبَل العاملين في المقبرة مجاناً وبدون مقابل.
 
ونبّه "اللحيد" إلى أنه بحسب تعليمات بلدية محافظة الدرعية الخاصة بدفن الموتى؛ فإنه يتوجب الحصول على إذن وشهادة وفاة من المستشفى، ومراجعة مكتب الإشراف بالمقبرة؛ لاستيفاء المعلومات عن المتوفى.
 
وتجنّب المشرف على مقبرة الشعيبة بمحافظة الدرعية من باب "اذكروا محاسن موتاكم"، الخوض في خفايا وأسرار الجنائز؛ برغم أن بعض مشاهدها لا تزال عالقة في ذهنه وذاكرته، من ابتسامة على وجوه الموتى وطيب رائحة أجسادهم إلى النقيض من ذلك؛ سائلاً الله العفو والعافية وحسن الخاتمة.  
 
وحث -في ختام حديثه- الجميع على الموازنة بين واجبات الدين وأمور الدنيا والمبادرة بالأعمال الصالحة؛ فالموت يُباغت الإنسان في أي لحظة؛ لافتاً إلى أن زيارة المقابر تُعد علاجاً فعالاً يخفف من إدمان التفكير في الدنيا وانغماس التفكير فيها؛ فكفى بمشاهد الموت والمقابر واعظاً يحرر الإنسان من شهوات وملذات الدنيا، ويذكّره بالآخرة، ويعينه على العبادة والمحافظة على الصلوات والطاعات.