"إيدز" الإسكندرية وكفر الشيخ.. وقصة فتيات أثرن الرعب في شوارع المعمورة والقنطرة البيضاء

تقارير وحوارات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


• "فتاة الإيدز" محجوزة في مكان سري.. والوزارة: جار فحص جميع ممارسي الجنس معها

• 3 سائقين توكتوك مشتبه بإصابتهم.. وقلق خوفا من ظهور حالات جديدة وحملة مكثفة للوصول إلى "فتاة كفر الشيخ" في القنطرة البيضاء

•  "الحق في الدواء" يحذر من قنبلة موقوتة.. ويؤكد: زيادة عدد الحالات المصابات بالإيدز في جميع مستشفيات الحميات


لم تسلم "سعاد" من ضِباع الشوارع، ولم تكن تعلم أنها يومًا قد تتعرض لكل أنواع الإهانة والمذلة منذ حطّت رحلها إلى الشارع؛ فبين شهوتي الطعام والجنس كانت مستباحة للجميع، ومن الانبطاح والخنوع من أجل كسرات الخبز وقشور البطيخ، إلى إذلال كرامتها واستغلال جسدها من أجل إفراغ الطاقة الجنسية. 

سعاد (اسم مستعار) التي لم تتجاوز الـ20 سنة، وهي إحدى "فتيات الشوارع" بالمعمورة في الإسكندرية، لم تكن الأولى التي انُتهك جسدها مئات المرات من "شبيحة الإسفلت" سائقي الميكروباصات والتكاتك، بهدف إفراغ الشهوة الجنسية، حتى أصيبت بالإيدز ونقلت العدوى للعشرات من الشباب، وفقًا لمصادر طبية ومسؤولين بوزارة الصحة. 

تقول سعاد، بحسب الدكتور حاتم البنا طبيبها المُعالج، إنها تعرضت للاعتداء الجنسي عشرات المرات من قِبل بعض شباب الشوارع والسائقين، كانت في البداية تقاوم، ومع تلقيها "علقة موت" وضرب مُبرح وممارسة الجنس معها رغمًا عنها جعلها لا تقاوم وتستلم للوضع العام. 

وضع "فتاة الإسكندرية" جلب إليها عشرات الشباب، "لأن كل واحد كان بينجح أنه يعمل معاها حاجة كان المرة اللى بعدها بيجيب أصحابه معاه، وأصحابه يجيبوا أصحابهم، وهكذا"، تقول سعاد، بينما الدكتور حاتم يؤكد احتمال حمل مئات الشباب لفيرس الإيدز ولمح لاحتمالية انتقال الفيروس لزوجاتهم وربما أطفالهم.

ووفق ما ذكر محمود فؤاد مدير المركز المصري للحق في الدواء، ورغم نفي مديرية الصحة بالإسكندرية والمسؤولين في بداية انتشار القضية، واختفاء الطبيب حاتم البنا الذي فجر القضية بإغلاق صفحته على "فيسبوك"، فإن "فتاة" الإسكندرية تحت الاحتجاز الراهن في مكان سري، وتُستجوب حاليًا من قبل المسؤولين للوصول إلى من كان لها علاقة مباشرة بها، ومارس الجنس معها في شوارع المعمورة.

"طبيب الإسكندرية" الذي فجر القضية أغلق حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ما أثار الشكوك حول مصيره بعد كشف الواقعة، لكن الدكتور وليد كمال، مدير برنامج مكافحة الإيدز بوزارة الصحة أكد لـ"الفجر"، أنّ الطبيب الذي كشف الواقعة هو من أغلق حسابه بنفسه، وتواصلنا معه لمعرفة الفتاة المختفية. 

الدكتور وليد كمال، يقول إن "فتاة الإسكندرية" تتحفظ عليها حاليًا وزارة الصحة، وتخضع حالتها لمتابعة دقيقة، كاشفًا أن الوزارة أمرت بتكثيف حملات التوعية وفحص المرض في منطقة المعمورة بالإسكندرية، وتلك الحملة على غرار تنظيم الأسرة، لكنها تدور في منطقة معينة، وهي كأي حملة لا تكشف عن هويتها خشية خوف المواطنين، العربة عليها مقولة "عربة المشورة والفحص الاختياري"، ولافتة عبارة عن كلمتين "فحص الفيروسات"، مشددًا على أن هناك حالة طوارئ قصوى فرضت في المنطقة المبلغ عنها.

عربة "المشورة والفحص الاختياري" وفقًا لمدير برنامج مكافحة الإيدز، تكون مهمتها خضوع أي شخص في المنطقة المبلغ عنها للتحلي -حسب رغبته- وعند دخول الشخص، يتم إجراء الفحوصات اللازمة مع توعيته بشأن الحملة، مشددًا على أن مريض الإيدز شأنه شأن أي مريض آخر بمرض فيروسي، يُعالج عبر طرق وقائية، لمنع انتشار المرض.

هناك فتاة أخرى في كفر الشيخ لم تتوصل لها وزارة الصحة بعد، فقبل حوالي 3 أسابيع، ترددت فتاة في العشرين من عمرها، على طبيبة في المستشفى العام بكفر الشيخ، وجهها شاحب وجسدها هزيل من آثار التعب، اشتكت للطبيبة نسرين الزن، إخصائي العيون في "رمد كفر الشيخ"، من خراج في إحدى عينيها منذ فترة، وطلبت كبسولات مضاد حيوي، لكن الطبيبة سألت عن حالتها، بقولها: "إنتي حامل ولا بترضعي"، تلعثمت الفتاة في الرد، لكن ردها كانت "لا تعرف".

داخل العيادة الخاصة بالطبيبة نسرين، التي كشفت الواقعة لـ"الفجر"، إذ طالبتها بإجراء التحاليل اللازمة الخاصة بالحمل بعدما رأت عليها أعراض الحمل وانتفاخ بطنها، إلا أن الفتاة ردت: "مش معايا فلوس اعمل تحليل ولا أجيب علاج واديلي أي حاجة من هنا"، لترد الطبيبة: "خلي جوزك أو أي حد من أهلك يروح بيكي"، أجابت: "أنا مش متجوزة"، ووقتها بدأت الدموع تنهمر من عينيها.

أخذتها الطبيبة نسرين خارج العيادة، لتفصح أكثر عن شخصيتها، بدأت الفتاة العشرينية تروي قصتها بالقول: "أنا عايشة في الشارع واشتغلت شغلانات كتير بس عندي حاجة في القلب مولودة بيها ومجهودي قليل فبيطردوني من الشغل"، كاشفة عن صدمة للطبيبة بالقول: "فيه ناس كتير استغلتني ومارسوا معايا علاقات جنسية ومنهم متجوزين والثمن 20 جنيه في المرة"، مضيفة أن تلك الممارسات الجنسية تتواجد في القنطرة البيضاء، ختمت الطبيبة اللقاء معها بالطلب منها عمل تحاليل في المستشفى العام بكفر الشيخ و"سونار" على بطنها.

انتهى اللقاء الأول بين الفتاة والطبيبة منذ حوالي شهر ونصف، لتفاجأ الطبيبة بوجودها مرة أخرى منذ ما يقرب من أسبوع ونصف، لم تتذكرها الطبيبة، لكن الفتاة ذكرتها بالواقعة، وعرضت عليها الأمر، لتكتشف الطبيبة كارثة بأن الفتاة حامل، طلعت حامل ومريضة بـHIV positive أي مريضة بـ"الإيدز"، لتعرف الفتاة مرضها، وتهرول هاربة من المستشفى، لتحاول الطبيبة اللحاق بها، لكن محاولتها لم تجد نفعًا، لتبلغ المسؤولين ومحافظ كفر الشيخ.

الدكتور وليد كمال، مدير برنامج مكافحة الإيدز بوزارة الصحة، كشف أنه تم التواصل مع طبيبة كفر الشيخ للوصول إلى تلك الحالة، لافتًا إلى أن هناك عربة ثابتة أمام المستشفى العام في محافظة كفر الشيخ بجوار بنك الدم، وهناك حملات ستبدأ لفحص تلك الأماكن، ورغم تقليل "كمال" من نسبة الإصابة بين أطفال الشوارع بمرض الإيدز، بالقول "عدد ضعيف جدا من أطفال الشوارع مصابين بالإيدز من بين 7 آلاف مصاب على مستوى الجمهورية"، لكن بحسب تقرير دولي صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، فإن ممارسة الجنس للذكور والإناث من إباحيات الحياة بالشوارع، وكشف التقرير، أن ممارسة الدعارة بين أطفال الشوارع تصل إلى حوالي 31% من 191 حالة طبقت عليها الدراسة، كاشفًا أن ربع الإناث تعرضن للحمل، إضافة إلى انتشار الشذوذ الجنسي.

وفي آخر تقرير دولي لمنظمة "يونيسيف" كشف طريقة استقطاب بنات الشارع للجنس، بسؤال أحد الشاردين، والذي قال: "سواقين التاكسي والصنايعية بيستغلوا البنات دول ويشغلوهم لحسابهم، وفيه شباب بيتفقوا مع السواق وياخدوا البنت معاهم العربية، ولما تروح معاه تلقى 2 و3 صحابه، هتعمل إيه لو ما كانش واقف وراها راجل ياخد حقها منهن"، ووفقًا للتقرير، فإن المسار الأكثر احتمالية بالنسبة لأطفال الشوارع من الإناث هو التحول إلى الدعارة أكثر من التحول إلى أطفال وشباب شارع.

محمود فؤاد، رئيس المركز المصري للحق في الدواء، كشف أن هناك أكثر من 4 حالات تم رصدها لفتيات في مقتبل العمر أصيبوا بالإيدز، اختفوا جميعًا والوحيدة التي ظهرت هي فتاة الإسكندرية، إضافة إلى فتاة كفر الشيخ، مشيرًا إلى أن معرفتهم جرت عن طريق الصدفة، محذرًا من قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه المجتمع قريبًا تتمثل في فتيات الشوارع الذين يعيشون بلا مأوى أو رقابة، وبحسب "فؤاد"، فإن الحالة الثالثة ظهرت في طنطا لفتاة في العشرينات من عمرها، واختفت بعدما عرفت أنها مصابة بمرض الإيدز في مستشفى الحميات بطنطا، أما الحالة الرابعة ظهرت في الإسكندرية وهربت أيضًا من المستشفى فور علمها بإصابتها". 

وفجر "فؤاد"، مفاجأة لـ"الفجر"، بقوله إن "فتاة الإسكندرية" كانت تعرف مسبقًا إصابتها بالإيدز، ورغم ذلك كانت تمارس الجنس وفق اعترافات الطبيب الذي عالجها، كاشفًا أن برنامج مكافحة مرض الإيدز توّصل إلى هوية ثلاثة سائقين توكتوك مارسوا الجنس مع الفتاة، على أن يتم إخضاعهم إلى العلاج في أقرب وقت واتخاذ الاحتياطات اللازمة، لافتًا إلى زيادة عدد الحالات المصابات بالإيدز في جميع مستشفيات الحميات، معتبرًا أن هذا جرس إنذار للمجتمع، مطالبًا وزارة التضامن بتبني برنامج طموح للعمل على مواجهة المشكلة، وكذلك وزارة الصحة بالتعامل الجيد والآمن مع الحالات التي يتم الكشف عنها.