سيناء.. كنز مدفون ينتظر الخروج (ملف)

أخبار مصر



منذ أن استعادت مصر سيناء قبل نحو ثلاثين عامًا، والحديث عن تنميتها وتعميرها لا يتوقف، لكن الواقع في محافظة شمال سيناء خصوصا، يكشف أن التنمية هناك ظلت حبرًا على ورق، وحديثًا يتكرر بشكل روتيني في مناسبات معينة كذكرى حرب أكتوبر أو تحرير سيناء.

وتركزت جهود الحكومات السابقة قبل ثورة 25 يناير في النشاط السياحي في مناطق محدودة من جنوب سيناء، وذلك على خلاف ما كان يتمناه المصريون من وجود مشروعات تعمل على توطين تجمعات كبرى للمصريين في سيناء.

ونهضت الآمال مجددا بعد ثورة 25 يناير، حيث استقبلت شبه الجزيرة العديد من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، كما استقبلت الرئيس المصري محمد مرسي ورئيس وزرائه هشام قنديل. ويعد مشروع تعمير سيناء من الموضوعات القليلة التي تمثل محل اتفاق بين مختلف القوى السياسية في مصر.
ولتنمية سيناء أهمية خاصة، فهي البوابة والحصن الشرقي لمصر، وتأمينها وتنميتها صيانة للأمن القومي المصري.

مرسي وعد بالتنمية 
وعد الرئيس محمد مرسي أهالي سيناء بتنمية حقيقية، كما وعد بالنظر في الكثير من مطالب أهل سيناء ومن بينها ملفات المعتقلين والتملك والخدمات، وذلك خلال زيارته لمدينة العريش عاصمة محافظة شمال سيناء التي زارها للمرة الثالثة منذ توليه الرئاسة. واعتبر أن مصر "التي نجحت في تحدي عبور قناة السويس وخط بارليف الحصين خلال حرب أكتوبر، ثم نجحت في العبور نحو المستقبل عبر الثورة على النظام السابق، باتت على أبواب تحد يتمثل في ضرورة إتمام عبور جديد نحو تحقيق التنمية في شبه جزيرة سيناء التي تعرضت لإهمال طويل".
الببلاوي: الحكومة تعمل في ظروف صعبة

أكد الدكتور حازم الببلاوى وزير المالية السابق ، ومستشار صندوق النقد الدولى أن سيناء لها اهمية إستراتيجية هائلة للأمن القومى المصرى ومردود متميز على الاقتصاد المصري، مشددا على أن تردى الوضع الأمنى على أرض سيناء ما هو إلا حصيلة تراث من التشريد والتغريب على مدار ثلاثين عاما ولن تكتمل المنظومة الأمنية إلا فى إطار تنموى يعيد للمواطن السيناوى كرامته ويعزز مصريته التى يفتخر بها برغم معاناته فى العهد البائد.
وأضاف للفجر أن تنمية سيناء يجب أن تأتى  لتطوى صفحات سوداء من الإهمال والتدنى والغياب الخدمى والتنموى، وأن تكون الفرص الأولى دعما للمواطن السيناوى فى المشروعات المقامة هناك وخلق فرص عمل وتوفير الخدمات وتحسين المرافق العامة وتطوير سيناء العريش، وتطوير ميناءى نوبيع والطور وحل مشاكل التملك والاستثمار والرخص والانتفاع وتوحيد آليات العمل لصالح المواطن السيناوى والاهتمام به كأساس للتنمية وبناء على هذه الأهداف التنموية التى طالما عانى منها أهل سيناء.

وعند أداء حكومة الدكتور هشام قنديل لتنمية وتعمير سيناء قال الببلاوى أن حكومة قنديل تعمل فى ظروف صعبة وتواجه تحديات ومشاكل كثيرة ، ولا نستطيع أن نقول أن هناك شئ ملموس من الحكومة لتنمية وتعمير سيناء ، وذلك لأ تنمية سيناء تحتاج الكثير من الوقت وتظاهر الجهود ، مشير إلى ان تنمية سيناء لن تتم فى يوم وليلة وإنما تأخذ عدة سنوات بتظافر جهود الحكومة مع القطاع الخاص وبمشاركة المجتمع المدنى وأهالى سيناء .

الباشا: لو اهتمت حكوماتنا بتنمية سيناء لما وقعت نكسة 67
ويقول الدكتور عبد المقصود الباشا رئيس قسم التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر، إن أرض الفيروز - سيناء- هى البوابة الشرقية لمصر، وطوال فترات التاريخ المختلفة قديمة ووسيطة وحديثة كانت المعبر الفعلي للغزاة.

وأكد الباشا في تصرح خاص لـ"الفجر" أنه لو اهتمت حكوماتنا منذ ثورة يوليو 52 بسيناء وقامت بتنميتها وتعميرها ما كان يمكن أن تحدث نكسة 67، والهزيمة المروعة للجيش المصرى، ولو أن الحكومات المصرية المتوالية وضعت مصلحة مصر أولا واخير ، وعمرت سيناء ورعتها بالبشر و الخضرة والنماء وكثر سكانها ما إستطاعت اسرائيل أن تغزو سيناء عام 56 ، ولا أن تدخل حتى شاطئ القناة سنة 67 وحتى تصل على بعد مشارف القاهرة.

وأشار إلى أنه نتيجة للتخطيط السيئ وتقديم المصالح الشخصية على مصالح الدولة أهملت سيناء رغم أنها تمثل ثلث أرض مصر وبها من الخيرات ما لا يحصى.

وأكد أن سيناء تمتلك ثروات متعددة ، فالسياحة الدينية فى سيناء يمكن أن تجلب لمصر ملايين الدولارات شهريا، فسيناء بها الشجرة التى كلم الله منها سيدنا موسى ، والوادى المقدس طوى المذكور فى القرآن، إضافة الى الجبال التى ذكرها القران فمنها عروق بيضاء وحمراء وسوداء ومنها ينتج أفضل أنواع الرخام فى العالم كله وخام الجبس والحجر الجيري والطفلة والفحم ، كما أن بها الرمال التى يمكن ان يكون مورد هاما فى صناعة الزجاج ، أضافة الى وجود البترول والغاز الطبيعي والكبريت ، حيث يتواجد الغاز فى المنطقة المواجه لسيناء بكثافة ، يمكننا من خلالها الاستفادة من المخزون البيرولى والغازي.

ماجد الحيدري: إهمال سيناء تقود مصر إلى حرب لا محال
من جانبه قال ماجد الحيدري عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري للمستثمرين، أن سيناء جزء عزيز على كل مصري، وراح دماء الشهداء من أجل تحرير هذه الأرض الغالية ، وذلك يجب أن تأخذ الدولة أقصى اهتمامها لتنمية وتعمير سيناء خصوصا بعد ما تعرضت إلية من إهمال شديد من قبل النظام السابق .
وأكد الحيدرى للفجر أن إهمال سيناء وتركها مرتع للمجاهدين والإرهابيين تقود مصر إلى حرب لا محال، مشير إلى أن سيناء أصبحت قنبلة موقوتة بسبب انتشار الإرهابيين والجهاديين، والجميع يشاهد وحكومة قنديل لم تعالج الوضع الأمني.

وأشار إلى ضرورة تنمية وتعمير سيناء للخروج من النفق المظلم ، لافتا إلى ان تنمية سيناء لن  تأتى إلا برأس مال خاص ولكن برعاية حكومية وتسهيلات إجرائية وتوفير حوافز استثمارية وعلى رأس ذلك توفير الأمن .
وأكد أن الحكومة لن تستطيع تنمية سيناء وتعميرها منفردة بدون مشاركة رأس المال الخاص ، مؤكدا رأس المال الخاص هو الوحيد القادر على إقامة المشروعات فى كافة المجالات بسيناء،  مستشهدا بذلك بانهيار الاتحاد السوفيتى وفشل المشروعات الحكومية.

سيناء.. منجم كنوز 
يقول الدكتور عبد الناصر هلال أستاذ الجيولوجيا بجامعة عين شمس إن سيناء الحبيبة عبارة عن منجم من الكنوز والتي منها على سبيل المثال لا الحصر ، كنز الخامات التعدينية، كنزالاراضى الصالحة للزراعة، كنز الثروة السمكية، كنز التنمية السياحية، كنز الخدمات اللوجستية ، كنز النباتات الطبية، كنز الاثار على مدى العصور. كنز البترول والغاز، كنزالطاقة الجديدة والمتجددة.

وأكد أنه يتوافر بسيناء عدد من خامات الثروة المعدنية ذات الميزة النسبية العالمية أو الإقليمية من حيث وفرة كمياتها ويسر مواقعها وأهمية إنتاجها للوفاء بإحتياجات محلية أو خارجية فى منطقة أو أخرى من مناطق العالم  ، مشير إلى أن تنمية هذه الخامات ذات الميزة النسبية وإنتاجها يؤدى إلى فتح فرص تصدير هائلة وفرص عمل عديدة للشباب وصغار المستثمرين وخلق صناعات ونشاطات وسيطة ومجالات للإستخدامات محلياً وخارجياً وتحقيق عائد مادى كبير للمستثمر من العملات الصعبة عند التصدير والمشاركة بفعالية فى قضية التنمية .

وأشار هلال إلى أن هذه الخامات تتميز بإنها ذات إحتياطيات كبيرة توجد فى أماكن ومواقع مناسبة وتخترقها أو قريباً منها طرق رئيسية أو فرعية وقربها المناسب من أماكن التصدير من الموانىء المختلفة ، كما إن عمليات الإستخراج وتجهيز الخام المنتج لاتحتاج إلى تكنولوجيا معقده موجود معظم هذه الخامات على سطح الأرض يسمح بإستخراجها بطريقة المنجم المكشوف "المحجر" القليل التكلفة ويسهل تجهيزها وتصنيعها لأى عدد من المنتجات لكل منها إستخداماته الصناعية على المستوى المحلى والعالمى . 

وأوضح أن الخامات التعدينية تنقسم إلى نوعين وهما ، الخامات المعدنية الفلزية وغير الفلزية و تتركز فى جنوب سيناء ومنها " الذهب والنحاس واليورانيوم والتركواز والفلورين والبيريت والمنجنيز...الخ " ، و احجار الزينة ومواد البناء ومنها "الجرانيت، الجبس، الاباستر، الحجر الجيري، الحجر الدولوميتي، الكاولين، البنتونيت، البازلت، الطفلة، رمل الزجاج ..ألخ".

وشدد على أن تنشيط عمليات تسويق الخامات المعدنية وإستخدامها فى الصناعة أو تصديرها للخارج وفتح أسواق محلية أو خارجية لها سوف يؤدى بالضرورة إلى تزايد الطلب على هذه الخامات ، الأمر الذى سيحفز الكثيرين على الإستثمار وفتح مناجم ومحاجر جديدة يزداد عددها وتتحسن إنتاجيتها بتزايد الطلب ويؤدى بالتالى إلى تولد أرباح لدى المستثمر تشجعه على أن يدفع بجزء منها للبحث والتنقيب لمزيد من الخامات ولتحسين الأداء ، وحتى يمكن أن تلعب الثروة المعدنية دوراً أكثر أهمية فى الإقتصاد القومى يجب رفع جودة الخام للوصول إلى الأسواق العالمية.

وأضاف "الأهم من ذلك هو تصنيع الخامات حتى يتم تعظيم الجدوى الاقتصادية وتوفير فرص عمالة وعلى سبيل المثال لاالحصر سعر طن رمال الزجاج 30دولار وبعد التصنيع يصل إلى 2000 دولار. ومن ثم انشاء مجمعات صناعية تعدينية ضخمة فى سيناء مهمة قومية عاجلة لا تنتظر التأجيل". 

خبير اقتصادي يضع روشتة لتنمية سيناء 

ويقول الدكتور حمدى عبد العظيم رئيس أكاديمية السادات سابقا، والخبير الاقتصادى المعروف ، إنه حان الوقت لتنمية وتعمير سيناء لأنها عانت الكثير من التهميش والتجاهل خلال الفترات الماضية ، رغم أهميتها وموقعها المتميز.

وأكد في تصريح خاص أن التنمية الحقيقية تتمثل فى تمهيد الطريق للقطاع الخاص عن طريق اهتمام الحكومة بإنشاء بنية تحتية بسيناء تتمثل فى مجالات المياه والصرف الصحي والطاقة والإسكان والنقل كى تساعد فى نجاح الأنشطة الصناعية والزراعية والتجارية ، وتعمل تحسين الأحوال المعيشية ، وتساعد على الحد من الفقر، وتؤدي إلى تحسين تقديم خدمات الرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الأخرى، وتوسيع نطاق التعليم، ومساندة التقدم الاجتماعي والثقافي.

وأضاف أن تطوير البنية التحتية أمرا مهما لإطلاق العنان لإمكانيات النمو في المنطقة وخلق الوظائف وتحسين نوعية خدمات البنية التحتية وتشجيع المصريين من مختلف المحافظات على الاستوطان فى سيناء. 

وأكد أنه يأتى دور المشاريع الاستثمارية والقطاع الخاص بعد إقامة البنية التحتية ، فلابد أن يكون هناك تشجيع للأستثمار المحلى ، والاجنبى ولكن بنظام حق الانتفاع داخل سيناء فى الانشطة التى تحتاجها سيناء كالأنشطة الزراعية والصناعات المختلفة ، والثروة المعدنية والتنمية السياحية ، وكذلك إنشاء مناطق حرة ، خصوصا أنه تم الإعلان عن 3 مناطق تجارة حرة  فى سيناء ، وذلك من أجل تشجيع الإنتاج من أجل التصدير ، ونقل التكنولوجيا المتقدمة فى هذه المناطق الصناعية ، أضافة إلى إنشاء مصانع على الخامات المتواجدة فى سيناء لأستغلالها فى التصنيع ، وكذلك الأنشطة السياحية والتجارة وكل ما يمكن ان يكون أنشطة جاذبة للسكان ، للتوطين فى هذه المناطق حتى تكون التنمية هى المدخل الامنى الحقيقى لسيناء.

وأشار الى أنه لابد من معالجة الانشطة الموجودة فى سيناء ، كمشاكل ترعة سيناء، لأن بها عيوب فنية  بالنسبة لصعودة المياة الى أماكن مرتفعة ، وتحتاج الى معالجة فنية لإصلاح مسار الترعة حتى تزرع الـ 400 ألف فدان المستهدفة ضمن المشروع القومى لتنمية سيناء ، ولكن ما زرع فعلا هو حوالى 60 ألف فدان ، وبالتالى نحتاج الى الاهتمام بالتنمية الزراعية واستغلال مياة ترعة السلام بعد معالجة مشاكلها فى الانتاج الزراعى والحيوانى والتصنيع الزراعى للمنتجات الزراعية.

وأوضح عبد العظيم أن تخصيص الدولة مليار و95 مليون جنية لتنمية سيناء هى مرحلة لأنشاء البنية الاساسية ، ثم يدخل القطاع الخاص والمستثمرين العرب والاجانب للاستثمار فى سيناء ، ليخفف على الدولة أعباء التنمية التى تحتاج الى مليارات الجنيهات ، مشير إلى أهمية البداية لتنمية سيناء فالمشروع القومى لتنمية سيناء مستمر حتى عام 2017 ، ولذلك يتبقى على المدة المستهدفة خمس سنوات يمكن خلالها يتم الإسراع بالتغلب على المشاكل والمعوقات التى أخرت قطار التنمية فى سيناء ، وعمل قوانين لتميلك أبناء سيناء الاراضى والمبانى مثلهم مثل أى محافطة أخرى. 

وعن أداء الحكومة لتنمية سيناء، قال الخبير الاقتصادى ان حكومة قنديل أعلنت عن أنشاء جهاز لتنمية سيناء ، والاعلان عن انشاء مناطق حرة، ورغم ذلك فالانجاز بطئ جدا، وما زالت مشاكل الملكية وترعة السلام كما هى ، وما زالت الخامات والمستلمزمات الانتاجية المعادن الموجدة فى سيناء لم تكن مستغلة فى النشاط الاقتصادى .

وطالب الحكومة بتمليك أبناء سيناء للأراضى والمشروعات وللمساكن والاراضى الزراعية حتى يشعروا بالانتماء والاقبال على العمل ، وبالنسبة للأجانب يكون بنظام حق الإنتفاع فى الأماكن البعيدة عن الحدود مع الدول المجاورة .

وأشار عبد العظيم الى أن تنمية سيناء ستوفر رصيد إنتاجي على الاقتصاد المصرى لأنها ستسحب كثافة سكانية مزدحمة فى محافظات الدلتا والمحافظات الأخرى، وتخفف الضغط على المرافق فى هذه المحافظات ، فضلا عن وجود زيادة فى الإنتاج فى سيناء يعم على باقى الجمهورية وتوفير فرص عمل يستفيد منها أبناء ذات المحافظات ، ولأن سيناء جزء من الدولة وأي زيادة فى دخلها هو زيادة فى دخل الدولة ككل.