فلأذهب أنا وليعيش البنك.. كلمات طلعت حرب الأخيرة لدوام بنك مصر

منوعات

بوابة الفجر



"من الآن مادام في تركي حياة للبنك فلأذهب أنا و ليعيش البنك".. هكذا قال أبو الإقتصاد المصري؛ لأنه أيقن أنه لا دوام للفرد ، و إنما الدوام لذكرى الفرد.

لُقب بأبو الإقتصاد المصري، وصاحب فكرة إنشاء بنك مصر، أنه محمد طلعت بن حسن محمد حرب، ولد في يوم 25 نوفمبر عام 1867 م، بحي الجمالية بالقاهرة، حفظ القرآن الكريم في طفولته، ثم التحق بعد ذلك بالمدرسة التوفيقية الثانوية، ثم مدرسة الحقوق التي تخرج منها عام 1889.

بدأ طلعت حرب حياته العملية مترجماً بقلم ليشتغل مترجماً بالقسم القضائي " بالدائرة السنية "، وهي الجهة التي كانت تدير الأملاك الخديوية الخاصة، ثم أصبح رئيسا لإدارة المحاسبات ثم مديراً لمكتب المنازعات.

كانت تعاني مصر من أزمة اقتصادية، بالإضافة إلى ظروف الاستعمار الذي بدأ مع عام 1882 ، كان طلعت حرب يرى أن أولى خطوات التحرر من الاستعمار تأتي بضرورة تمصير الاقتصاد الذي كان معظمه تقريباً بأيدي الأجانب، ولعل هذا هو ما شجعه على دراسة العلوم الاقتصادية وإتقان اللغة الفرنسية.

في عام 1911 قدم طلعت حرب رؤيته الفكرية واجتهاداته النظرية عن كيفية إحداث ثورته الثقافية وذلك من خلال كتابه "علاج مصر الاقتصادي وإنشاء بنك للمصريين"، كان طلعت حرب ميالا " بشكل واع " للفلاحين والفقراء.

قام طلعت حرب بإصدار كتابه "علاج مصر الاقتصادي" الذي طرح من خلاله فكرته في ضرورة إنشاء بنك للمصريين لخدمه المشاريع الاقتصادية في مصر والنظر في المشكلات الاجتماعية، تحمس الكثيرين لفكرته بالرغم من معارضة السلطات الإنجليزية، وقرر المجتمعون بالفعل تنفيذ الفكرة في إنشاء بنك مصر لكن هذه الجهود تعطلت عملية إنشاء البنك بسبب الحرب العالمية الأولى وعادت فكرة إنشاء البنك عقب قيام ثورة 1919 في مصر.

وقد حدث في مثل هذا اليوم 7 مايو عام ١٩٢٠ م، الاحتفال بتأسيس بنك مصر، كأول بنك برؤوس أموال مصرية.

قام طلعت حرب بإقناع مائة و ستة وعشرين من المصريين بالإكتتاب لإنشاء البنك، وبلغ ما اكتتبوا به ثمانون ألف جنيه، تمثل عشرين ألف سهم، أي أنهم جعلوا ثمن السهم أربعة جنيهات فقط، وكان أكبر مساهم هو عبد العظيم المصري بك من أعيان مغاغة ، فقد أشترى ألف سهم ، و فى الثلاثاء ١٣ أبريل سنه ١٩٢٠ نشرت الوقائع المصرية في الجريدة الرسمية للدولة مرسوم تأسيس شركة مساهمة مصرية تسمى بنك مصر.

وقد تأسس بنك مصر حول المحاور الرئيسية الآتية: إنشاء بنك مصري برأسمال مصري و إدارة مصرية و كوادر مصرية و لغة تعامل عربية ، تحويل تنموي للإقتصاد القومي من الاستثمار الزراعي إلى الاستثمار الصناعي و إثبات القدرات العقلية للإنسان المصري.

وقد اتبع طلعت حرب سياسة تخطيطية مبنية على إيمانه بفكرة البنك القابض الذي يؤسس مجموعة من الشركات المستقلة التي تدور في فلكه فترفعه و القطاعات الإقتصادية الأخرى تدريجياً نتيجة التفاعل الطبيعي بينها جميعا.

وفي الفترة من ١٩٢٠ إلى ١٩٦٠ بإنشاء ٢٦ شركة في مجالات اقتصادية مختلفة منها شركات مصر للملاحة البحرية، و مصر لأعمال الأسمنت المسلح ، ومصر للصباغة ، و مصر للمناجم و المحاجر، و مصر لتجارة و تصنيع الزيوت، و مصر للمستحضرات الطبية، و مصر للألبان والتغذية، و مصر للكيمياويات و مصر للفنادق، و مصر للتأمين، و مصر للطيران، و مصر للسياحة كما ساهم في صناعة السينما من خلال إنشاء ستديو مصر.

عندما تعرض بنك مصر للأزمة التي افتعلها الاحتلال البريطاني و البنك الأهلي المصري، الذي رفض أن يقرض البنك بضمان محفظة الأوراق المالية، وقام آلاف المودعين بسحب أموالهم من البنك مما زاد الأزمة، فقد ذهب طلعت حرب باشا إلى وزير المالية حسين سري باشا يرجوه أن يختار واحدًا من ثلاثة أمور: إما أن تصدر الحكومة بيانًا بضمان ودائع الناس لدى البنك، أو أن تحمل البنك الأهلي على أن يقرض بنك مصر مقابل المحفظة، أو أن تأمر بوقف سحب ودائع صندوق توفير البريد ، قال سرى باشا: بشرط واحد، فسأله : ما هو ؟، فقال سرى باشا : أن تترك البنك،فقال: من الآن ، مادام في تركي حياة للبنك فلأذهب أنا و ليعيش البنك، واستقال طلعت حرب من بنك مصر.

وفي يوم 13 أغسطس عام 1941 توفى طلعت حرب باشا عن عمر يناهز 74 عامًا بالقاهرة، وفى عام 1960 قرر الرئيس جمال عبد الناصر إطلاق اسمه على ميدان سليمان باشا سابقا ووضع تمثاله طلعت حرب بوسط الميدان، وفى الذكرى الستين لتأسيس بنك مصرعام 1980 تم تكريم اسم طلعت حرب فقام الرئيس الراحل محمد أنور السادات منح قلادة النيل.