حقيقة إلغاء إعادة "المعمودية" بين تواضروس وفرانسيس

العدد الأسبوعي

تواضروس وفرانسيس
تواضروس وفرانسيس


■ الخلاف بدأ منذ 1600 سنة حول تغطيس الطفل بالماء 3 مرات فى حوش أو رشه فقط

■ الكنيسة القبطية ترفض الاعتراف بتعميد الكاثوليكيات فى حال زواجهن بأرثوذكس وتصر على إجرائه


وسط الفرحة العارمة فى مصر، لنجاح زيارة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، تسبب البيان المشترك بينه وبين البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، حول «المعمودية»، فى حالة من الجدل، مواطنون عاديون فرحوا بالضيف الكبير الذى دعا إلى السلام فى الأرض التى احتضنت المسيح عيسى ابن مريم، طفلاً وأمه، فى رحلة الهروب من الراغبين فى قتله، ومسيحيون ينتظرون حل الخلافات العقائدية بين الكنائس، التى ترفض أتباع الأخرى ولا تعتبرهم مسيحيين، وهو الخلاف الذى ظهر بعد 451 سنة من ظهور النبى عيسى.

وتسبب الجدل حول البيان فى رغبة الكثيرين فى معرفة طبيعة التعميد وكيف تتم وما هى دلالاتها وأهميتها، وكيف اختلفت الكنائس حوله، وما نتيجة هذا الاختلاف.


1- سر المعمودية المثير للجدل

للكنيسة أسرار 7، تبدأ بالمعمودية، ثم «الميرون» ويعنى مسح من تم تعميده بالزيت المقدس، ثم سر التناول وسر التوبة أو الاعتراف ويليها سر مسحة المرض ثم سر الزواج .

أول من قام بالتعميد هو النبى يحيى، ابن النبى زكريا، والذى ظهرت نبوته قبل سنوات من ظهور ابن خالته، عيسى ابن مريم عليه السلام، وكان يحيى يدعو أهالى فلسطين إلى التوبة، ويغسل المعترفين بخطاياهم بمياه نهر الأردن، فى إشارة إلى إزالة الذنوب عنهم، وغفران خطاياهم وتخليصهم من العقاب الأبدى.

كان يوحنا الذى سماه الناس بـ«المعمدان» يعيش فى البرية، حياة التقشّف والزهد، يلبس وبر الجمال، ويضع على وسطه قطعة من الجلد، أما طعامه فكان الجراد والعسل البرى، أما دعوته فكانت حث الناس إلى التوبة، والتبشير بقرب ظهور المسيح المنتظر، بقوله إنه «يعمد» التوابين بالماء، أما المسيح فسيعمدهم بـ«الروح القدس»، وكان عيسى ابن مريم أحد الذين خضعوا للتعميد على يد النبى يحيى، ليقلده أتباعه بعدها.

معمودية المسيح، حسب العقائد المسيحية، تحل فيها الروح القدس على صاحب المعمودية، وتعنى تخلصه من خطيئة آدم وحواء، التى كانت سبباً لطردهما من الجنة، ولذا يعتبر المسيحيون أن التعميد يهب حياة جديدة، ويصبح من مر بالطقس إنساناً جديداً، يستطيع دخول السماء، وهو ما أصبح طقساً مسيحياً يعنى أن صاحبه أصبح تابعاً للمسيح وللكنيسة، وبدونه لا يكون الإنسان مسيحياً.

يتم التعميد بتغطيس الطفل أو أى معتنق للمسيحية، فى الماء 3 مرات، فى إشارة إلى الثالوث المقدس، كأنه يموت عن حياة الخطيئة وتحل عليه الروح القدس، ويحيا حياة جديدة.

يتم تعميد الأطفال وهم فى الشهور الأولى من ولادتهم، وينقله كاهن الكنيسة من ناحية الشمال إلى اليمين، فى إشارة للحياة الجديدة ويتلو الكاهن صلوات لإخراج الروح الشريرة والخطيئة من الطفل، وهى صلوات «تقديس الماء، صلاة الشكر، قانون الإيمان، صلاة تطهير الأم»، ثم يتم مسحه بزيت الميرون المقدس.


2- كيف بدأ اختلاف الطوائف المسيحية حول السر الأول؟

نشبت خلافات بين الكنيسة القبطية، وبين بقية الكنائس فى القرن الـ5، خلال فعاليات المجمع المسكونى فى مدينة خلقدونية، عام 451، والذى يجمع أساقفة الكنائس حول العالم، لبحث الخلافات العقائدية بينهم ومنها الخلاف حول طبيعة المسيح عيسى ابن مريم، بالنظر إلى تفاصيل مولده المعروفة.

واختلفت وجهات نظر المسيحيين حول المعمودية، وكان الجدال حول قضيتين هما نوع المعمودية ومعمودية الأطفال أو الكبار، حيث تعتبر الطوائف المسيحية الشرقية أن المعمودية لا تصح إلا بتغطيس الإنسان كاملاً تحت الماء، لأنها تشير إلى أن من تم تعميده بحسب التقاليد المسيحيّة، تم دفنه مع النبى عيسى وقام معه، أو بتغطيسه 3 مرات وليس مرة واحدة، بينما تكتفى الطوائف المسيحية الغربية برش الماء على الوجه، لأنّ المقصود من وضع الماء هو الإشارة إلى غسل الروح.


3- سر تمسك الكنيسة القبطية بالتغطيس فى الماء

تمسك الكنيسة الأرثوذكسية بالتعميد كما تراه، ليس مجرد خلاف فى الشكل، لأنها لا تعترف بكون الإنسان مسيحياً، إلا إذا جرت الطقوس كما تراها، وتعتبر أى شكل آخر كأن لم يكن، ولا تعتبر من تم تعميده وفق أى طائفة أخرى، مسيحياً، ما يترتب عليه، رفض تزويجه، أو أدائه الصلاة فى كنائسها، وهو ما يظهر عند زواج أرثوذكسى بكاثوليكية، حيث لا تقبل الكنيسة الزواج إلا إذا تم تعميد الزوجة وفق الطقوس القبطية وإيمانها بالأرثوذكسية.

كما أن من يريد الصلاة فى الكنيسة الأرثوذكسية دون الانتماء لها، لا يستطيع أن يقوم ببقية أسرار الكنيسة الـ7، ومنها «سر التناول» إلا بعد تعميده على الطريقة القبطية، لعدم اعتراف الأخيرة بالتعميد الكاثوليكى.

المدهش أن جميع الطوائف المسيحية داخل مصر مثل الروم والأرمن والأقباط يقومون بالتعميد بالتغطيس، أما التعميد برش الماء أو سكبه فتتم فى أوروبا فقط نظراً لبرودة الجو خوفاً من أن يتسبب التغطيس أو سكب الماء فى إصابة الرضيع بالمرض، ورغم ذلك لا ترفض الكنيسة المصرية الاعتراف بالتعميد الذى جرى فى بقية الكنائس المصرية.

والغريب أن رفض الكنيسة القبطية للتعميد الكاثوليكى، لم يكن موجوداً فى عصر البابا كيرلس السادس، الذى توفى عام 1971، حيث كان يعترف بمعمودية الكاثوليك ولكن خليفته البابا شنودة الثالث، بدأ بتعميد أى شخص يريد الانتماء إلى الكنيسة الأرثوذكسية.

ثم جاء البابا تواضروس وترأس الكنيسة بعد البابا شنودة الراحل، ليحاول العودة إلى ما كانت عليه الكنيسة القبطية فى عهد البابا كيرلس السادس، حيث زار الفاتيكان، والتقى البابا فرنسيس، بابا روما، رأس الكنيسة الكاثوليكية، وجرت مناقشات بينهما حول الاعتراف بمعمودية كل منهما من جانب الآخر، لأنه لا يصح تعميد المسيحى مرتين.

ينتظر المسيحيون على اختلاف عقائدهم، باستثناء المتعصبين الموجودين فى أى دين أو معتقد، اتفاق الكنائس، مجدداً على غرار القرون الأولى بعد ظهور المسيح، وهو ما ظهر فى البيان المشترك للبابا تواضروس الثانى والبابا فرنسيس، والذى أعاد التذكير بأن الكنائس جميعها كانت متفقة على الإيمان قبل أن تنفصل وتتباعد بسبب خلافات حول الطقوس ودلالاتها، حيث أقرت الكنيستان بأن إيمانهما واحد.

ويعنى البيان صحة إيمان أى مسيحى أياً كانت طائفته أرثوذكسية أو كاثوليكية، ما يتبعه من صحة الزواج بين أبناء الطائفتين، وأن انتقال أى من المؤمنين بالعقيدتين إلى الأخرى، معناه الانتقال من إيمان مسيحى إلى إيمان مسيحى آخر، دون الحاجة إلى إعادة الطقوس ومنها سر المعموديه، مجدداً، إذ إن إعادته تعنى أن أتباع الكنيسة الأخرى، عاشوا غير مسيحيين، وهو ما يظهر فى حالات الزيجات الفاشلة بين كاثوليكيات ورجال أرثوذكس، حيث ترفض الفتيات التعميد لأنه يعنى أنهن عشن غير مسيحيات.

حسب أحد أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية، تحويل البيان إلى واقع، سيحتاج إلى وقت ليتقبله كهنة وقساوسة ومطارنة الكنيسة المتمسكين بعقيدتهم والرافضين لعقائد المسيحيين الآخرين، والرافضين بالتبعية لبيان المعمودية، ولكن البيان فى النهاية خطوة ستحتاج إلى مزيد من الحوار والتفاوض بين الكنيستين، إذ إن البيان لم يحسم الأمر بعد، خصوصاً أنه تضمن تفاصيل كثيرة تعنى ما يشبه توحيد الكنيستين من الناحية العقائدية، مع بقاء كل منهما قائمة.