48 ساعة فاصلة للاختيار بين "التغيير" والاستمرارية في الانتخابات الفرنسية

عربي ودولي

لوبان وماكرون
لوبان وماكرون


بات مصطلح (عصر الليمون) الذي استحدثه المصريون سابقا، ظاهرة تميز معظم الانتخابات الرئاسية التي جرت خلال الفترة الماضية في عدد من دول العالم، وأخرها انتخابات الرئاسة الفرنسية التي من المقرر أن تجرى جولتها الثانية والأخيرة بعد غد الأحد، حيث سيتوجه الناخبون الفرنسيون لمقار الانتخابات، للاختيار ما بين التغيير الذي تمثله مارين لوبان اليمينية المتطرفة، والاستمرارية التي يرفع رايتها الوسطى إيمانويل ماكرون، حيث حصرت الجولة الأولى من الانتخابات، التي أقيمت في 23 أبريل الماضي، المنافسة بينهما نظرا لحصولهما على أعلى الأصوات، ولعدم فوز أي من المرشحين ال11 بالأغلبية المطلقة٠

وستجرى الانتخابات الرئاسية الفرنسية العامة عن طريق الاقتراع الحر المباشر لاختيار الرئيس الحادي عشر للجمهورية الفرنسية الخامسة لمدة خمس سنوات قادمة، خلفا للرئيس الحالي فرانسوا أولاند الذي تولى المنصب الرئاسي في 16 مايو 2012، وهو أول رئيس فرنسي يرفض الترشح لولاية ثانية منذ عام 1958.

والمرشحان اللذان يفاضل بينهما الناخب الفرنسي جاءا من خارج الوسط السياسي المعروف، وهما الوسطى ايمانويل ماكرون (37 عاما) الذي يعتمد على ملل الفرنسيين من اليمين واليسار ويستفيد من كونه شابا له آراء منفتحة على العالم وغير متعصب، ومؤيد للوحدة الأوروبية، واليمينية المتطرفة مارين لوبان (49 عاما) التي تؤكد أن هدفها هو صون سيادة فرنسا، متعهدة حال فوزها بالرئاسة بتنظيم استفتاء للتصويت على الخروج من منطقة اليورو وإغلاق باب الهجرة غير الشرعية.

وتأتى الانتخابات الحالية وسط صعود شعبية أحزاب أقصى اليمين في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وهزيمة الحزبين الفرنسيين الرئيسيين، وخروج مرشح اليمين للمرة الأولى من الجولة الأولي، وحصول مرشح اليسار على أقل الأصوات.

وتجري الانتخابات الحالية في ظل أربعة متغيرات رئيسية، أولها أن الانتخابات لا تهم الفرنسيين وحدهم، وإنما كل دول الاتحاد الأوروبي، إذ أن فوز لوبان بالرئاسة يعنى السعي لخروج فرنسا من الاتحاد، وخروج إحدى الدعامتين الرئيسين اللتين نهض الاتحاد على أكتافهما، ولهذا فإن الأوروبيين يراقبون عن كثب تحولات الرأي العام الفرنسي، لاسيما فى ظل غياب الحزبين الرئيسين اللذان تناوبا على الحكم منذ نحو 60 عاما.

ثانيا، حلول اليمين المتطرف، ممثلا في مرشحته مارين لوبان، التي تترأس الجبهة الوطنية، في وضع انتخابي جعله يقترب من مقاعد السلطة، متخطيا بذلك الحزب الجمهوري اليميني الكلاسيكي مع بعض مجموعات الوسط والحزب الاشتراكي مع الراديكاليين ويسار الوسط، وبذلك يحل محل مرشحي الأطراف محل المرشحين التقليديين.

ثالثا، نجاح لوبان في نقل الجبهة الوطنية من وضع هامشي إلى قلب المشهد السياسي، يجعلها تقترب صوب الإليزيه حيث باتت منافسا حقيقيا في الانتخابات، وفوزها بالرئاسة سيمنحها لقب أول رئيسة امرأة لفرنسا، وأول زعيم من اليمين المتطرف يحكم البلاد.

وتحاول لوبان باستماتة إنجاز ما فشل فيه والدها، عندما خسر الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسة الفرنسية في عام 2002، بفارق كبير أمام الرئيس السابق المحافظ جاك شيراك، ولهذا فقد حافظت لوبان منذ ذلك الحين على الظهور بصورة أقل تشددا من والدها.

رابعا، تمكن المرشح المستقل إيمانويل ماكرون من الصعود بثبات في صفوف المؤسسة الفرنسية عندما قرر استخدام مهاراته كمصرفي متمرس في عالم عقد الصفقات، وقد ظهر ماكرون في موقع محوري وبنى قاعدة تأييد راسخة حيث حصل على تأييد سياسيين منشقين عن يسار ويمين الوسط، وحال فوزه سيصبح أصغر رئيس لفرنسا منذ عهد نابليون.

الساعات الأخيرة المتبقية على الانتخابات حولت المعركة الانتخابية إلى الهجوم والتطاول، فاحتدمت وباتت حامية بين المرشحين لوبان وماكرون، وغابت عنها الروح الرياضية والأناقة الفرنسية المعهودة في الطرح، فكلا من المرشحين يؤكد أن فرنسا في حاجة لرؤية جديدة، بينما مازال القلق يساور الناخب الفرنسي رغم بدء الصمت الانتخابي، فبات حائرا بين لوبان وماكرون، وغير مقتنع بالإثنين، ففوز الأولى يعنى استمرار مسلسل صعود اليمين المتطرف الذي اصبح ظاهرة في أوروبا وواقعا في الولايات المتحدة الأمريكية، ويساندها هؤلاء الذين أعياهم الإرهاب والعمليات الانتخابية التي تهدد أمن فرنسا، وفوز ماكرون يبشر باستمرار الحفاظ على حقوق المهاجرين العرب والمسلمين في فرنسا وبعدها عن التعصب.