"محمد بن سلمان" ينجح في تعزيز العلاقات بين السعودية وأمريكا

السعودية

بوابة الفجر


بدأت زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد ـ يحفظه الله ـ إلى الولايات المتحدة الأمريكية في مارس الماضي تؤتي ثمارها بشكل واضح وجلي؛ إذ لم تكتف تلك الزيارة، وهي الأولى لمسؤول سعودي إلى أمريكا في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بتصحيح العلاقات السعودية ـ الأمريكية، ووضعها في المسار الصحيح، بل أضاف لها ثقلاً استراتيجيًا وسياسيًا واقتصاديًا غير مسبوق في تاريخ العلاقة، وأكبر دليل على ذلك هو إعلان الإدارة الأمريكية لأول مرة في التاريخ، بأن المملكة العربية السعودية ستكون أول دولة يزورها رئيس أمريكي في بداية فترته الرئاسية، وهو ما يعكس دلالات مهمة لدى النسيج السياسي الأمريكي والعالمي.

وبقدر حالة القلق والتوجس التي سادت بعد انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ترقبًا لما ستؤول إليه سياسته تجاه القضايا الملحة، وعلاقة واشنطن بعديد من دول في الشرق الأوسط، بقدر العلاقات الطيبة التي أبرمها ترامب مع دول المنطقة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، فقد صدرت عن الرئيس ترامب، خلال الحملة الانتخابية تصريحات نارية وأحيانًا هلامية وغير واضحة المعالم حول عددٍ من القضايا المرتبطة بالشرق الأوسط، بيد أن الأمير محمد بن سلمان نجح وبامتياز خلال الزيارة، في تعزيز العلاقات بين البلدين، وإعادة الدفء إليها، بعد فترة من التوتر في عهد الرئيس الأمريكي السابق أوباما. حسب صحيفة "سبق"

أمريكا تنصت لمحمد بن سلمان
وقد أنصت الرئيس الأمريكي ترامب للأمير محمد بن سلمان، الذي شرح ملامح رؤية المملكة 2030 وما تهدف إليه، وقال البيان الصادر من البيت  الأبيض عن الاجتماع إن الرئيس ترامب قدّم دعمه لمشروع أمريكي سعودي جديد "ومبادرته الجديدة في مجالات الطاقة والصناعة والبنية التحتية والتكنولوجيا، وتصل قيمتها إلى 200 مليار دولار من الاستثمار المباشر وغير المباشر خلال أربع سنوات".

وأضاف البيان أن الرئيس ترامب أبدى دعمه للاستثمار الأمريكي في السعودية وتطوير التجارة الثنائية، "وهذا يفتح المجال أمام فرص كبيرة للبلدين".

واعتمدت زيارة الأمير محمد بن سلمان لأمريكا على ثلاثة محاور رئيسة، فيما بين السياسي والأمني والاقتصادي، تأرجحت الملفات التي حملها الأمير محمد بن سلمان في جعبته خلال الزيارة، وكانت هذه الملفات حاضرة في اللقاء الذي جمعه بنظيره وزير الدفاع آشتون كارتر.

ومن أهم الملفات السياسية التي بحثها ولي ولي العهد مع المسؤولين الأمريكيين، الملفين السوري واليمني. وتركز هذا النقاش في الملف الأول على إعادة إحياء "الخطة باء" ووضعها على الطاولة مجددًا بما في ذلك تزويد المعارضة السورية بما تحتاج إليه من سلاح "أرض – جو" لقلب المعادلة على الأرض، مع حث الولايات المتحدة الأمريكية على اتخاذ خطوات جدية ولعب دور أكثر فاعلية على المشهد السوري ومع حلفاء الأسد المعرقلين لموضوع الانتقال السلمي للسلطة.

أما بالنسبة للملف اليمني، تناول ولي ولي العهد جهود قوات التحالف الخاصة باستعادة المكلا من التنظيم الإرهابي. وحظي موضوع التحالف الإسلامي العسكري الخاص بالحرب على الإرهاب بزخم سياسي خلال الزيارة، وكان ضمن طاولة البحث ملفات أخرى تتصل بالحرب على التطرف والإرهاب تحتاج إلى تكثيف أكبر من التعاون بين الطرفين. وأكد اللقاء أن هناك رغبة حقيقية من الجانبين السعودي والأمريكي لتفعيل ما تم الاتفاق عليه في سبتمبر الماضي خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لأمريكا، وفتحه الأبواب الاقتصادية أمام المستثمر الأمريكي.

شراكات استراتيجية
وخلال الشهور الماضية وضعت السعودية أولى خطوات شراكاتها الاستراتيجية بعيدة المدى مع اثنتين من كبرى الشركات الأمريكية، وهي شركة جنرال إلكتريك والتي تبلغ قيمة الصفقة معها نحو 11 مليار ريال للإسهام في تنفيذ الرؤية السعودية 2030، وشركة أوبر التي دخل صندوق الاستثمارات العامة السعودي فيها كأكبر استثمار دولي بقيمة 3.5 مليارات دولار.

وتميز اجتماع ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس دونالد ترامب، تميز بحضور شخصيات قريبة من الرئيس وتتعاطى في ملفات عريضة ومختلفة.

وحضر هذا الاجتماع بالإضافة إلى مستشار الأمن القومي الجنرال ماك ماستر، ثلاثةُ مستشارين للرئيس الأمريكي، وهم جاريد كوشنر، وهو صهر الرئيس ترامب ومسؤول ملف السلام في البيت الأبيض، ودينا حبيب باول، وهي مستشارة اقتصادية للرئيس وتعمل على المبادرات الجديدة، وستيف بانون وهو مستشار سياسي للرئيس، ويعد منظّر ترامب العقائدي.

وكان من اللافت أن هذه المجموعة من المستشارين حضرت اجتماع البنتاغون على غير العادة، وهذا مؤشر أول على أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تريد النظر إلى العلاقات مع المملكة العربية السعودية ومع قضايا الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بمقاربة جديدة تمتاز بالحزم وتنوّع الوسائل.

اللافت أيضًا هو قرب الشخصيات الأربع التي شاركت في اجتماع البيت الأبيض ثم اجتماع البنتاغون من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبعضهم قريب منه استراتيجيًا مثل دينا باول والجنرال ماك ماستر، وأحدهم قريب فكريًا مثل ستيف بانون، والآخر قريب عائليًا وهو جاريد كوشنر.

وأكد محللون أنه من الواضح الآن ـ وبعد زيارة ولي ولي العهد لأمريكا ـ أن إدارة ترامب تريد استعمال القوة العسكرية الأمريكية لمواجهة المخاطر الأمنية، سواء أكانت تنبع من إيران وترسانتها الصاروخية وعلاقاتها بالتنظيمات الإرهابية الموالية لها، والتي درّبتها وسلّحتها وزرعتها في الدول العربية، أم لجهة مواجهة خطر الإرهاب الناتج من تنظيمات متطرّفة إرهابية مثل داعش والقاعدة والإخوان المسلمين، خصوصًا أن الحكومة الأمريكية تنظر بجدية إلى تصنيف التنظيم ووضعه على لائحة الإرهاب.

ويتفق المحللون على أن إدارة ترامب تريد أيضًا أن تضيف إلى القوة العسكرية الأمريكية المبادرات الاقتصادية والسياسية والفكرية، فلا تكون أمريكا دبابة فقط أو طائرة عسكرية، بل يجب أن تكون زعيمة في عودة البحبوحة والفرص الاقتصادية للعالم العربي والإسلامي، وتريد أن تكون مساعدة في إيجاد حل للصراع بين العرب وإسرائيل، وأيضًا تريد مواجهة الفكر المتطرف للتأكد من أن المتطرفين لا يهدّدون السلام المرتجى أو أقلّه لا يهدّدون الاستقرار المقبل.

جهود محمد بن سلمان
وقال رئيس منظمة سابراك سلمان الأنصاري لـ"سبق" إن الثقل الاستراتيجي والاقتصادي والاستخباراتي الذي وضعه ورسخه الأمير محمد بن سلمان في المنطقة جعل الولايات المتحدة الأمريكية تحترم المواقف السعودية الأخيرة، وخصوصًا في العامين الماضيين، مبينًا أن دور السعودية في علاج قضايا المنطقة ووقف الصراعات فيها، جعل واشنطن تقدر المواقف السعودية، ودورها في علاج هذه القضايا. وأضاف "الآن مصالح المملكة متطابقة مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وعليه أن نعلم أن المملكة قامت بخطوات، ليست فقط عسكرية وأمنية، وإنما فكرية في قيادة العالم الإسلامي، ووضعه في خانة واحدة في قيادة الفكر المتطرف".

وتابع سلمان: "فيما يتعلق  بالجانب الجيوسياسي، فكان للرياض ثقل كبير ومهم في المنطقة، حيث تتولى المملكة حماية أهم المعابر في المنطقة، مثل مضيق هرمز وباب المندب، لأهميتها لتنشط التجارة العالمية، حيث تمر بها 30 % من التجارة العالمية, يضاف إلى ذلك أن هناك جانبًا مشتركًا بين الولايات المتحدة والمملكة، وهو التوجس من الدور الخفي لإيران في المنطقة، وسعيها لزعزعة الأمن وتهديد السلام العالمي، وهو ما جعل الدولتين تتفقان على أهمية مواجهة هذا التوجه ومحاربته".

وقال سلمان: "يضاف إلى ذلك التحالف الإسلامي الذي كونته المملكة العربية السعودية من 41 دولة، لمحاربة جميع أوجه الإرهاب بكل أشكاله وتوجهاته، وافتتاح مركز الحرب الفكرية، الذي يديره الدكتور محمد العيسى، وهو مركز عالمي لمحاربة الفكر المتطرف، ولا تستطيع أي دولة في العالم أن تقوم بهذا الدور، غير المملكة العربية السعودية، كما افتتح الأمير محمد بن سلمان مركز الحرب الرقمية، الذي يكافح التطرف، وهو ما كان له دور كبير في خدمة الاستخبارات العالمية، ومثل هذه المبادرات، عملت على تقريب المسافة بين المملكة وأمريكا، التي رأت في الرياض شريكًا مهمًا في محاربة الإرهاب بكل صوره وأشكاله".

وقال سلمان: "يُضاف إلى ذلك أن السعودية أكبر شريك اقتصادي لأمريكا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما أن المملكة تحتل الرقم 12 في الدول التي لها أنشطة اقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية، كشريك تجاري معها،  يضاف إلى ذلك أن المملكة هي أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم، كما سيتم افتتاح أكبر مجمع لصناعة الألمنيوم في العالم بالشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية، بمبلغ يفوق 10 مليارات دولار، إضافة إلى مشروع بتتروكيمكال مشترك بتكلفة 20.6 مليار دولار".

سيكون لزيارة ترامب للمملكة، مرود سياسي ليس للسعودية، وإنما للأمن العالمي ككل، حيث ستنظر أمريكا إلى قضايا الشرق الأوسط، وقضايا المنطقة، بعيون سعودية، إذ ترى أمريكا في السعودية قائدة للعالم العربي والإسلامي، ولها دور محوري في قضايا المنطقة، كما أن المملكة أكدت على لسان ولي ولي العهد، أن السعودية  ليس لها أي أطماع سياسية، وإنما تسعى إلى استقرار المنطقة، وتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

العالم يقيم الزيارة
وتناولت كبريات وسائل الإعلام محادثات الأمير محمد بن سلمان، مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، موضحة أنها تركزت على إصلاح العلاقة بين البلدين، بعد توترها في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. ووصفت الصحف الأمير محمد بن سلمان بـ"الرجل القوي"، الذي يقود برنامج إصلاح اقتصادي وسياسي طموح، ويسعى لتعزيز علاقات السعودية مع جميع حلفائها، بهدف محاربة الإرهاب وكبح جماح إيران في منطقة الشرق الأوسط.

وأشارت إلى أن موضوعي الإرهاب وإيران تصدرا مباحثات ولي ولي العهد مع ترامب، مؤكدة في الوقت نفسه أن واشنطن تعد السعودية دولة مهمة في الشرق الأوسط، وبإمكانها لعب دور رئيس في مكافحة الإرهاب.

ونقلت صحيفة "واشنطن تايمز" عن مصادر مقربة من البيت الأبيض قولها إن الأمير محمد أعرب عن تضامن السعودية مع سياسة ترامب الحازمة ضد إيران، مشيرة إلى أن الرياض ودول الخليج الأخرى تأمل أن "ينهي ترامب سياسة أوباما المتراخية والتقاربية تجاه الدولة الفارسية".

ونقلت عن مدير "المؤسسة العربية للأبحاث" في واشنطن علي شهابي قوله إن "الأمير محمد بن سلمان جاء هنا بهدف إحياء العلاقة الاستراتيجية القوية بين البلدين، والتي استمرت لأكثر من 50 عامًا، وهو في الحقيقة يسعى إلى رفع تلك العلاقة لمستوى أكبر، وخصوصًا فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب والوقوف ضد سياسة إيران العدائية". 

وأضاف شهابي: "الموضوع ليس مجرد تحول السياسة الأمريكية تجاه إيران بل إن ترامب أحاط نفسه بمساعدين ووزراء يعرفون منطقة الشرق الأوسط جيدًا، ويفهمون أن إيران وحرسها الثوري يسعيان إلى تقويض المصالح الأمريكية في المنطقة من خلال زعزعة منطقة الخليج".

من جهة أخرى، أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن ترامب ومساعديه "يعدون أن السعودية قوة إقليمية مهمة وعلى واشنطن أن تقيم علاقات إيجابية معها على الرغم من التوترات الأخيرة". 

وأضافت أن "ذلك يتعارض مع سياسة أوباما، ولذا على الإدارة الجديدة أن توضح ذلك للسعوديين، وتفصح عن رغبتها بتحسين العلاقات، وبطبيعة الحال فإن الآمال تتزايد في السعودية بأن تتحسن تلك العلاقات في عهد ترامب، وسينتهي التوتر الذي تسبب به أوباما نتيجة سياسته إزاء إيران".

أما صحيفة "واشنطن بوست" فأكدت بدورها أن ترامب يختلف عن أوباما، الذي انتقد دول الخليج مرات عدة بسبب خلافاتها مع إيران.