مى سمير تكتب: فرنسا تدخل النفق المظلم.. المتطرفة فى مواجهة الفتى المدلل

مقالات الرأي



فوز ماكرون يعنى خمس سنوات من الصراع بين الرئاسة والحكومة

فوز لوبان يعنى دورة رئاسية من السياسات المتطرفة


هل دخلت فرنسا النفق المظلم مع انتقال مرشحة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبان والمرشح المستقل إيمانويل ماكرون إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟ أم أن نتائج الجولة الأولى من الانتخابات تعكس تجديدا لدماء المشهد السياسى الفرنسى والانتصار على التيارات التقليدية التى سيطرت على السلطة الفرنسية على مدار عشرات السنين؟.

أسئلة صعبة سوف نتعرف على إجاباتها مع بداية فترة ولاية الرئيس الفرنسى التاسع والعشرين، ولكن قبل انتظار نتائج الجولة الثانية المنتظر انعقادها فى شهر مايو القادم من المهم التعرف بشكل أكبر على لوبان وماكرون المتنافسين على قصر الإليزيه.


1- لوبان

شخصية مثيرة للجدل، سواء بسبب مواقفها العنصرية المناهضة للمهاجرين أو روابطها مع روسيا، التى لم تعد سرية على الإطلاق، كونها تم تمويلها شخصيا من قبل القطب الروسى.

لذا.. فالعديد من اللاعبين الرئيسيين فى السياسة الفرنسية يتحدون الآن خلف المرشح المنافس الذى يمثل تيار الوسط إيمانويل ماكرون، الأمر الذى يدفع البعض إلى القول: إن احتمالات فوز ماكرون هى الساحقة، لكن مع ذلك، هناك احتمال حقيقى جدا أن لوبان  سوف تصبح أول سيدة تحتل منصب رئيس فرنسا وهو الأمر الذى يتطلب فحصا دقيقا للعلاقة المالية بين لوبان وروسيا.

مجلة تايم وثقت بالفعل أن الحزب السياسى للجبهة الوطنية، وهو الحزب الوطنى، حصل على قرض قيمته تسعة ملايين يورو من بنك فى موسكو فى عام 2014. ما يعنى أن ماريان لوبان وحزبها قد تم تمويلهما من قبل روسيا.

وبالنظر إلى المدى الذى يتحكم فيه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بشكل غير رسمى فى جميع الجوانب الرئيسية للأعمال التجارية والمالية فى روسيا، من الإنصاف القول إن لوبان وحزبها يتم تمويلهما من قبل بوتين، وهذا بدوره يؤدى إلى مزيد من التدقيق فى مسألة ما إذا كان بوتين يمول دونالد ترامب، وهناك أدلة ظرفية لهذا الفرض.

تلقى دونالد ترامب باستمرار قروضا كبيرة من بنك «دويتشه» فى ألمانيا على مر السنين، حتى بعد أن بدأت دويتشه تكافح ماليا، وحتى بعد أن بدأت معظم البنوك الأخرى فى عدم منح ترامب أى قروض بما فى ذلك القروض الصغيرة، واصل دويتشه إقراض المال لترامب.

وفى وقت سابق من هذا العام، تم القبض على مسئولى دويتشه بنك بتهمة غسل المليارات من المال الروسى للعملاء فى أماكن مثل مدينة نيويورك بحسب محطة «سى إن إن»، حيث عاش ترامب فى ذلك الوقت، فهل سيثبت أن الأموال الممنوحة من دويتشه إلى ترامب هى نفس الأموال التى تم غسلها من روسيا؟ وقد يلقى تقدم مارين لوبان إلى الجولة النهائية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية ضوءا أكثر إشراقا على العلاقة المالية بين بوتين ولوبان من ناحية، وبوتين وترامب من ناحية أخرى.

وإلى جانب التمويل الروسى لمارين لوبان وحزبها، يبقى السؤال الأهم حول شكل الرئاسة الفرنسية فى حالة وصول لوبان إلى قصر الإليزيه.

فى الرواية الفرنسية المصورة لا بريزيدنت أو الرئيسة، تخيل فرانسوا دور بيير، لوران مولر وفريد بودجلال ما يمكن أن يحدث لو فازت مارين لوبان فى الانتخابات الفرنسية. حققت الرواية بأجزائها الثلاثة مبيعات ضخمة فى فرنسا تجاوزت المليون نسخة.

تتخيل الرواية صورة لفرنسا تحت حكم مارين لوبان والتى سوف تشهد خروج فرنسا من اليورو، الترحيل الجماعى للمهاجرين، التفضيل القانونى للمواطنين الفرنسيين، المراقبة الواسعة من خلال الأدوات الإلكترونية والرقمية الجديدة. وتركز الرواية على فكرة تكريس لوبان لفكرة الدولة الأمنية حيث تستخدم التكنولوجيا الحديثة من أجل مراقبة الشعب الفرنسى والتحكم فى كل أرجاء المجتمع. وبحسب الرواية فإن الأمر يتجاوز ما تم وصفه فى الرواية الشهيرة 1984 للكاتب جورج أوريل، حيث يخضع المجتمع بأكمله للمراقبة ولا يتحرك إلا وفقا لتعليمات للنظام الحاكم، فمع حكم لوبان سوف تتحول فرنسا، بحسب الرواية إلى دولة استبدادية.


2- ماكرون

فى مواجهة مارين لوبان يأتى إيمانويل ماكرون الشاب البالغ من العمر 39 عاما والذى يطلق عليه فى الصحافة الغربية النسخة الفرنسية من باراك أوباما الرئيس الأمريكى السابق.

الكثير من علامات الاستفهام تحيط مرشح  حركة «إلى الأمام» الفرنسية التى تم تأسيسها قبل الانتخابات الفرنسية باعتبارها المظلة السياسية التى يتقدم من خلالها ماكرون فى انتخابات الرئاسة الفرنسية.  

حركة إلى الأمام ليست حزبا أو تيارا سياسيا بالمعنى الحقيقى الأمر الذى يطرح الكثير من التساؤلات حول مستقبل الدولة الفرنسية فى حالة فوز ماكرون بكرسى الرئاسة وهو الأمر الذى تؤكده استطلاعات الرأى التى تشير إلى أن ماكرون لن يتغلب فقط على لوبان فى الجولة الثانية ولكنه سوف يفوز باكتساح.

لكن ماذا بعد وصول ماكرون إلى قصر الإليزيه فى دولة تطبق نظاما نصف رئاسى حيث تشارك الحكومة مع الرئيس فى إدارة الدولة، من غير المتوقع أن تحقق حركة «إلى الأمام» أى انتصار فى الانتخابات التشريعية، فالحركة الجديدة ليس لديها أى وجود فعلى على الساحة السياسية الفرنسية إلا من خلال ماكرون فقط، وبالتالى من المتوقع أى تسفر الانتخابات التشريعية عن حكومة إما يمينية أو يسارية أو حكومة ائتلافية سوف تشارك ماكرون الحكم وتدخل معه فى صراع عنيف خاصة فى ظل شعور كل من اليمين واليسار بالامتعاض من ماكرون.  

يصف اليمين إيمانويل ماكرون بـ العميل باعتباره سياسيا يؤمن بأفكار اليمين ولكنه انضم لليسار طمعا فى المناصب،بينما يطلق اليسار على ماكرون اسم بروتوس الجديد فى الإشارة إلى ذلك السياسى الفيلسوف الذى شارك فى قتل الإمبراطور الرومانى يوليوس قيصر، وترجع هذه التسمية إلى اعتقاد اليسار أن ماكرون خدع الرئيس فرانسوا هولاند الذى عينه وزيرا للاقتصاد فى 2014، بعدما عمل مستشارا له فى قصر الإليزيه فى 2012،  لكن فى أغسطس 2016، قرر ماكرون مغادرة الحكومة  لكى يخوض انتخابات الرئاسة الفرنسية.

كما تحاط الكثير من علامات الاستفهام حول مصادر تمويل إيمانويل ماكرون فى ظل مزاعم الصحافة الفرنسية التى تؤكد أن ماكرون هو ممثل طبقة رجال المال والأعمال وأصحاب المصالح فى الدول الفرنسية، أو كما يتم وصفه بالفتى المدلل للطبقة العليا الفرنسية.

تأتى هذه المزاعم فى ظل الفضيحة المالية التى تلاحق ماكرون حيث فتحت نيابة باريس تحقيقا مع المرشح للرئاسة الفرنسية إيمانويل ماكرون  للاشتباه فى استخدام «المحسوبية»  أثناء عمله كوزير للاقتصاد.