تعرف على منهاج رسول الله في التعامل مع غير المسلمين

إسلاميات

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


كان صلى الله عليه وسلم قائما بحقوق اليهود والنصارى ، ويخطئ من يتوهم أن التبرأ من ديانة يلزم منه ظلمهم ومصادرة حقوقهم فاختلاف الدين لا يسوّغ الظلم والاعتداء والغدر ، فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم وجود اليهود في المدينة ، وكتب في دستور المدينة : ” وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين ” ، وتكفل لهم بجميع أنواع الحقوق :

أ. حق الحياة : فلم يقتل يهوديا أو نصرانيا إلا من خان وغدر وحارب ، وحتى مع وجود قتال مع فئات من اليهود والنصارى لم يعلن الحرب ضد كل يهودي أو نصراني بل لم يقاتل إلا المحاربين .

ب. حق اختيار الدين : حيث أقرهم على ديانتهم ولم يكره أحداً على الإسلام ، عملا بقوله سبحانه وتعالى : ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) البقرة/256 ، وكتب في ميثاق المدينة : ” لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم ” ، مع دعوتهم وبيان حقائق الإسلام .

ج. حق التملك : فلم يصادر أملاك أحد منهم،بل أقر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على تجارتهم معهم .
د. حق الحماية والدفاع : فقد جاء في ميثاق المدينة : ” وإن على اليهود نفقتهم ، وعلى المسلمين نفقتهم ، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة ”

هـ. حق العدل في المعاملة ورفع الظلم : وذلك مقرر في صحيفة المدينة حيث جاء فيها : ” وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم ” ، وقد عدل النبي صلى الله عليه وسلم في الحكم ولو كان ذلك على حساب المسلمين ، فلما قتل أهلُ خيبر عبدَ الله بن سهل رضي الله عنه لم يقض النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بالدية ، ولم يعاقبهم على جريمتهم ، لعدم وجود البينة الظاهرة ضدهم ، حتى دفع النبي صلى الله عليه وسلم ديته من أموال المسلمين ، والقصة في البخاري ( 6769 ) ومسلم ( 1669 ) ، ولما اختصم الأشعث بن قيس ورجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض باليمن ولم يكن لعبد الله بيِّنة قضى فيها لليهودي بيمينه ، كما في البخاري ( 2525 ) ومسلم ( 138 ) .

بل و منحهم النبي صلى الله عليه وسلم حق التحاكم فيما بينهم إلى قوانين دينهم ، ولم يلزمهم بقوانين المسلمين ما دام طرفا القضية من أتباعهم ، إلا إذا ترافعوا إليه صلى الله عليه وسلم ، وطلبوا منه الحكم بينهم ، فكان حينئذ يحاكمهم بدين المسلمين ، يقول الله سبحانه وتعالى : ( فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) المائدة/42 .

ثم إنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يحسن معاملة جميع الناس ، ومنهم اليهود والنصاري ، فقد أمر الله سبحانه بالقسط والبر وحسن الخلق وأداء الأمانة مع اليهود وغيرهم ، حيث قال سبحانه : ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الممتحنة/8 .

ومن بره صلى الله عليه وسلم في معاملة اليهود :
أ. أنه كان يعود مريضهم : روى البخاري ( 1356 ) عن أنس بن مالك رضي الله عنه : ( أَنَّ غُلَامًا مِنَ اليَهُودِ كَانَ يَخدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ ، فَقَعَدَ عِندَ رَأسِهِ ، فَقَالَ : أََسلِم . فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِندَ رَأسِهِ ، فَقَالَ لَه : أَطِع أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ . فَأَسلَمَ ) .
ب. وكان صلى الله عليه وسلم يقبل هداياهم : فقد روى البخاري ( 2617 ) ومسلم ( 2190 ) عن أنس بن مالك رضي الله عنه : ( أَنَّ امرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنهَا ) .

ج. كما كان صلى الله عليه وسلم يعفو عن مسيئهم : إذ لم ينه عن قتل تلك المرأة التي وضعت السم في الشاة ، ففي تكملة الحديث السابق : ( فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ : أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ ، قَالَ : مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ – قَالَ : أَوْ قَالَ : عَلَيَّ – قَالَ : قَالُوا : أَلَا نَقْتُلُهَا ؟ قَالَ : لَا ) ، بل وفي حديث أبي هريرة في صحيح البخاري ( 3169 ) أن ذلك كان بعلم من اليهود وأنهم اعترفوا بمحاولة القتل بالسم ، ومع ذلك لم يأمر صلى الله عليه وسلم بالانتقام لنفسه ، لكنه قتلها بعد ذلك لموت الصحابي الذي كان معه صلى الله عليه وسلم وكان أكل من الشاة المسمومة , وهو بشر بن البراء رضي الله عنه .

وكذلك لما سحره اليهودي لبيد بن الأعصم ، وعافاه الله من السحر ، لم ينتقم منه ولا أمر بقتله ، بل جاء في ” سنن النسائي ” ( 4080 ) وصححه الألباني عن زيد بن أرقم قال : ( فَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِذَلِكَ اليَهُودِيِّ وَلَا رَآهُ فِي وَجهِهِ قَط ) .

د. وكان صلى الله عليه وسلم يعامل اليهود بالمال ، ويفي لهم معاملتهم : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :( أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا ) رواه البخاري ( 2165 ) ومسلم ( 1551 ) .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ ) رواه البخاري ( 1990 ) ومسلم ( 1603 ) .

هـ. وفي أول قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة كان يحب موافقة اليهود في أعمالهم وعاداتهم ليتألف قلوبهم على الإسلام .

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْدِلُ شَعَرَهُ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ فَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ ) رواه البخاري ( 3728 ) ومسلم ( 2336 )