حقائق مدهشة وخرافات شائعة عن الأفيال.. فما هي ؟

منوعات

الفيلة - ارشيفية
الفيلة - ارشيفية


هناك ثلاث قصص متداولة بشأن الأفيال ..
أولها أنها تخشى الفئران، وثانيها أنها تحظى بذاكرة مذهلة من فرط قوتها، أما الثالثة فتتعلق بأن لديها مواقع معينة بمثابة مقابر تذهب لتفارق الحياة فيها.

إحدى هذه القصص فحسب صحيحة، كما سنرى في السطور التالية.

ومن بين ما يُشاع عن الفيلة أيضا، أنها تحزن على فراق من نفق منها، بل وتمر بما يشبه الحداد أيضا، فضلا عن أنها تمت بصلة قرابة إلى الحيوانات المنتمية إلى رتبة الوبريات، الشبيهة بالأرانب.

أما الحقيقة في ذلك فتكمن في أن الفيلة تخشى النحل، لا الفئران، وأن لديها بالفعل ذاكرة قوية. أما مسألة المقابر فهي ليست سوى أسطورة، غير أن الأفيال تبدي بوضوح اهتمامها برفات من هلك منها.

أما فيما يتعلق بالارتباط بصلة قرابة مع الوبريات، فكل الكائنات الحية لديها مثل هذه الصلة، بشكل أو آخر.
وعندما تجد من يسألك: هل تعلم أن ثمة قرابة ما بين الأفيال والوبريات، تلك الحيوانات الغامضة الشبيهة بالقوارض التي تعيش في أفريقيا؟ بوسعك أن تقول في هذه الحالة إن ذلك الأمر ليس إلا معلومة غير مؤكدة، من تلك التي يهوى الناس نشرها وكأنها حقائق.

بل إن الادعاء الأكثر تحديدا؛ والذي يقول إن الوبريات هي أكثر الحيوانات التي تمت بصلة قرابة للفيلة، مُقارنةً بغيرها من الكائنات الموجودة حاليا، هو أمر مضلل.

ففي البداية، يشير مثل هذا الافتراض ضمنيا إلى أن للفيلة والوبريات سلفا مشتركا حديث العهد بوقتنا هذا، رغم أن تسلسل النسب الخاص بكلٍ من النوعين، مضى على درب منفصل عن الآخر، على مدار نحو 65 مليون سنة.
ثانيا، يبدو ذاك الافتراض خاطئا من الأساس ربما، في ضوء أن العديد من الأدلة المتعلقة بعلم الأحياء الجزيئية تشير إلى أن الأفيال أقرب إلى حيوانات “الأطوم” و”خراف البحر” منها إلى الوبريات.

من جهة أخرى، فإن هوسنا بوضع الكيانات الكبيرة والصغيرة في مقابل بعضها البعض، يبدو واضحا في اعتقادنا بأن الفيلة تخشى القوارض.

وربما تعود هذه الفكرة إلى عصر المؤرخ الروماني الشهير بليني الأكبر الذي كتب يقول في مؤلفه “التاريخ الطبيعي”: “من بين جميع المخلوقات الحية، يبقى الفأر ممقوتا أكثر من غيره”.

ولكن هل هناك أي أسباب تقف وراء تكوين هذه الصورة النمطية المتعلقة بخوف الأفيال من الفئران؟ في هذا الشأن، يقول كريج بروس من جمعية علم الحيوان في لندن: “هناك الكثير من تلك الخرافات التي تتحدث عن فئران تركض فوق خراطيم الفيلة”. ولكنه يضيف بالقول إنه ما من دليل جاد يثبت أن الفيلة تشعر بالخوف من الفئران.

في واقع الأمر، يشكل انزعاج الأفيال من النحل أمرا واضحا بحق. فعندما جرى تشغيل تسجيلات تحتوي على أزيز نحل عسل أفريقي جرى إزعاجه للتو على مسمع من قطعان من الفيلة كانت تنال قسطا من الراحة تحت بعض الأشجار في كينيا، عمدت هذه الحيوانات إما للابتعاد عن المكان، أو لجأت للعدو، وهو ما كان أكثر شيوعا.

وقادت نتيجة هذه التجربة، ونتائج مماثلة لها، إلى إطلاق مبادرة تحمل اسم “مشروع الفيلة والنحل”، وترمي للتعرف على مدى إمكانية الاستعانة بالنحل لردع الفيلة التي تغير على المحاصيل في أفريقيا. أما بالنسبة للذاكرة، فقد تبين أن الفيلة لا تتذكر فقط المعالم البارزة أو الطرق التي سلكتها للهجرة، بل إن لديها كذلك ذاكرة اجتماعية مدهشة.

ففي تسعينيات القرن الماضي، لجأ باحثون كانوا يعملون في محمية “إمبوسلي” الطبيعية بكينيا، إلى إجراء تجارب يتم في إطارها تشغيل تسجيلات تحتوي على أصواتٍ لأفيال للتعرف على السبل التي تتواصل من خلالها هذه الحيوانات.

في إحدى هذه التجارب، تم بث صوت أنثى فيل نفقت قبل نحو عامين، أمام القطيع الذي كانت تنتمي إليه. فور حدوث ذلك، احتشدت الفيلة حول مكبر الصوت، بل وردت بأصواتها على الصوت المسجل للأنثى الراحلة، وذلك في رد فعل يميز الروابط الاجتماعية القوية.
وفي حالة أخرى، ظل أحد قطعان الفيلة يستجيب لصوت أنثى فيل هجرته إلى قطيع أخر، رغم مرور 12 عاما على ذلك.

مع ذلك، فما من سبب يدعو للاعتقاد بأن للأفيال مقابر، تذهب إليها عندما تتقدم في السن كي تفارق الحياة فيها. فرغم وجود بقاع تحتوي على تجمعات كبيرة لعظام الفيلة، فإن السبب الأكثر ترجيحا لذلك هو حدوث موجات جفاف أو عمليات صيد أدت لتجمع العظام على هذه الشاكلة، وليس وجود مقابر للأفيال.

في المقابل لدينا أدلة أفضل – مُستقاة من القصص المتداولة والتجارب على حد سواء – تثبت صحة فكرة أخرى لافتة للنظر، ألا وهي أن الفيلة تشعر بالحزن على موتاها، بل وتمر بما يشبه فترة حداد في هذا الصدد.
وفي كتاب بعنوان “ذكريات الفيل”، تروي الناشطة الرائدة في مجال حماية الحيوانات سينثيا موس لقرائها كيف عادت في ذات مرة لمعسكرها، وفي جعبتها عظم فك أنثى فيل، نفقت للتو بعدما كانت قائدة لقطيعها.

وبعد مرور أيام عديدة، كما تروي موس، تفحصت أفيال من القطيع نفسه عظم فك الأنثى النافقة، بعدما تصادف مرور هذه الفيلة قرب المعسكر. وتبين أن الفيل الذي أبدى اهتماما أكثر من أقرانه في هذا الشأن، بل ومكث لفترة أطول بعدما رحلت باقي الحيوانات، هو صغير أنثى الفيل الراحلة، والذي كان يبلغ من العمر سبع سنوات.

وقد عملت موس وزملاؤها على التحقق من النتائج المستمدة من حكايات مثل هذه، عبر إجراء تجارب ضابطة أو مُتَحَكْم بها، استهدفت الحصول على مزيد من المعلومات عن سلوك الفيلة في هذا الشأن على نحو أكثر منهجية.

ورغم أنه لم يكن بوسع الباحثين إثبات أن الفيلة تبدي اهتماما أكبر برفات الأفيال التي تمت لها بصلة قرابة مقارنة بتلك التي لا تربطها بها هذه الصلة، فقد خلصوا إلى أن “الأفيال ربما تتعرف، عبر المؤشرات المستمدة من حاستي الشم أو اللمس، على أنياب الفيلة (النافقة) التي كانت تألفها خلال حياتها”.

ويؤكد كل ذلك، أن الفيلة هي مخلوقات ذكية واستثنائية حقا، وأن لديها نسقا عاطفيا عميقا. مع ذلك، فربما لا يزال في جعبة هذه الحيوانات الضخمة، حقيقة أخرى أكثر إثارة للدهشة، تتعلق بشكلها الخارجي وتكوينها الجسدي.