طارق الشناوي يكتب: أضواء المدينة وظلام "ماسبيرو"!

الفجر الفني

بوابة الفجر


رئيسة الإذاعة المصرية تدرس منع أغانى أنغام من خريطة الإذاعة، لاحظ أنها لم تجرؤ وأظنها لن تجرؤ على أن تقول منع ولكن تدرس، حتى تضمن خط رجعة، ورغم ذلك فإن خبراً مثل هذا كان من الممكن أن يُحدث هزة كونية لو كنا نعيش في زمن الخمسينيات، عندما منعوا أغانى أم كلثوم بعد ثورة 23 يوليو بساعات قليلة من الإذاعة المصرية بحجة أنها تنتمى للعهد البائد، وكان ينبغى تدخل عبدالناصر شخصياً لإعادة صوتها لأن ذلك كان يعنى أنها كفنانة ستموت إكلينيكيا، فقال لهم إذن امنعوا النيل والأهرام لأنهما من العهد البائد.

 

لم تكن هناك في تلك السنوات وسائط أقوى من الإذاعة للوصول للجمهور، لاحظ أن التليفزيون بدأ عام 1960، ولاحظ مجدداً أن لدينا الآن 1500 فضائية ناطقة بالعربية تقدم أغانى وأفلاماً، أي أن أنغام لها على الأقل في كل ثانية قرابة 100 فضائية تُقدم أغانيها، فهل هي أساسا يعنيها أن الإذاعة المصرية تضعها أو لا تضعها على الخريطة.

 

يطيب لنا بين الحين والآخر أن نتحسر على تلك الأيام الخوالى، عندما كان لا يجرؤ عبدالحليم أن يراجع مجرد مراجعة الإذاعى الشهير جلال معوض، في حفل أضواء المدينة، ليسأله مثلاً أريد أن أغنى قبل فلان أو تزيد مساحة فقرتى على الدقائق المفروضة، لم يكن لديهم سوى السمع والطاعة، كان معوض هو الذي يُقدم خطب الزعيم جمال عبدالناصر، وهو الذي تأنس إلى صوته في نفس الوقت أم كلثوم لتقديم حفلاتها، وهكذا جمع بين زعيم الأمة وزعيمة الغناء.

 

لم يكونوا قطعاً ملائكة، وهناك حكايات عديدة في الكواليس تؤكد ذلك، حيث كان هناك صراع وضربات متبادلة تحت الحزام، مثل تلك التي وجهها عبدالحليم حافظ لأم كلثوم عندما استمرت في الغناء فترة أطول من المتفق عليه، وهاجمها على الهواء في حضور عبدالناصر، فقررت أم كلثوم ألا يشاركها في أي حفل آخر، إلا أن الإعلام الرسمى كان منفرداً بالساحة والكل يخضع له، الزمن يفرض قواعده على الجميع فلا تستطيع فرقة موسيقية أن تتأخر لحظات عن موعد فتح الستار أو تتلكأ لحظات عن موعد إغلاق الستار، الآن لا يوجد أساساً ستار.

 

نعم لو أحضرنا جلال معوض مجدداً ومعه وجدى الحكيم أهم إعلامى واصل تقديم الحفلات الرسمية بعد أن تم استبعاد جلال معوض منذ زمن أنور السادات، فهل يستطيعان أن يفعلا شيئا، أبدا «ولا الهوا»، ولكم أن تعلموا أن وجدى الحكيم منذ 20 عاما ومع بداية بزوغ الفضائيات على الساحة كان يعانى من أن مطربى هذا الجيل لا يستقبلون حتى مكالماته التليفونية.

 

على ماذا راهنت في هذا الحفل قيادات الإذاعة والتليفزيون الحالية؟ ربما على اسم صندوق «تحيا مصر»، اعتقدوا أن الكل سيضرب تعظيم سلام، ولن يجرؤ أحد على التقاعس، حتى لو لم يحصلوا على حقوقهم المادية، من الواضح أن التي تصدت لعودة الحفلات مجدداً هي نائبة رئيس الإذاعة المصرية، ثم ألقت الكرة في ملعب متعهد وهو وليد منصور، وهو مثل أي تاجر أراد أن يحقق مكسباً، وهذا مشروع في دنيا «البيزنس»، فأبرم اتفاقاً مع اتحاد الإذاعة والتليفزيون، أو ربما الإذاعة فقط، وهذا هو الأقرب للصحة، الإذاعة لا تملك سيولة لدفع الأجور ولكنها رصدت- كما أشار المسؤولون- 650 ألفاً، وتبقى 800 ألف، تدفعها حين ميسرة، ومن المعروف في دنيا الغناء أن الفرقة الموسيقية لا تتحرك ولا تصعد على خشبة المسرح إلا بعد سداد كامل الحقوق، نعم كان الرهان أن الجميع سوف يذعن للأمر الواقع، المبنى كله كان موقناً من أن الحفل سيقام مهما كانت الظروف، لو قرأتم العدد الأخير من مجلة «الإذاعة والتليفزيون» الذي طُبع قبل إقامة الحفل ووزع بعده، ستعتقدون أن الحفل أقيم فعلا، محققاً نجاحاً أسطورياً، وأن الجماهير استعادت مقاطع من أغنيات أنغام ووائل جسار، غلاف المجلة عليه صورة وائل جسار وداخل العدد تقرأ تغطية للحفل تشير إلى النجاح المدوى والتجاوب مع الجماهير وجمال التنظيم، من الواضح أنه لم يكن هناك أدنى احتمال لأى نسبة خطأ أو تقصير، لا أقول إلغاء الحفل، ولكن أتحدث عن أي خطأ هندسى من الممكن أن يحدث ويعكر صفو الليلة، وهو ما شاهدناه جميعا حتى في حفلات يحضرها رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى، وصلت ثقة المسؤولين إلى ذروتها بأن كل شىء تحت السيطرة وأحصوا عدد الحضور بـ4 آلاف، لاحظ حضروا وليس من المنتظر حضورهم، لماذا مثلا ليسوا 3999 أو 4001، ناهيك عن الإشادة بالفيلم التسجيلى الذي لم يعرض أصلاً وتناول تاريخ «أضواء المدينة»، والإشادة بالأوبريت الذي كتبه أيمن بهجت قمر، لم يره أحد، لقد تورط الجميع في ترويج كذبة كبيرة، أعلم أن رئيس تحرير المجلة الزميل خالد حنفى في النهاية لم يكن يملك القرار، لأن هدف قيادات ماسبيرو هو وصول الرسالة للقيادة السياسية، أن كل شىء تحت السيطرة، وأن فنادق شرم الشيخ كاملة العدد، كما أشار الخبر، وبديهى أن نتشكك في ذلك، 4 آلاف متفرج لا يشغلون أكثر من 10% من الفنادق.

 

من السهل طبعاً ان نتهم الجميع بالتقصير لأنهم لم يتحملوا انتظار باقى مستحقاتهم المادية من أجل مصر، واجبهم المقدس هو أن يأتوا لشرم زاحفين، ولهذا تلاحظون أن وائل جسار لم يعتذر مباشرة عن الحفل لحساسية موقفه، وأظنه انتظر اعتذار أنغام أولاً، حتى لا يفتح عليه الإعلام المصرى النيران لو بادر هو.

 

اتحاد الإذاعة والتليفزيون فشل في أن يقفز بضربة عشوائية للنجاح، فهو لم يتيقن من شىء، ولم يملك سوى مكالمة مسجلة بين نائب رئيس الإذاعة وأنغام، ولا يمكن سوى أن تدرك أن التسريب أصبح موضة العصر وأسلوب حياة نتعامل معه بأريحية كمجتمع، كان المقصود هو إبراء ذمة الإذاعة أمام الدولة، أنغام في التسريب قالت مباشرة إنها لم تتفق سوى مع المتعهد في كل التفاصيل، فما هو دخل الإذاعة؟ الدولة- ولنكن صرحاء- تتعامل باعتبارها ليست بحاجة للمبنى الذي يكلفها الكثير ولا يمنحها شيئاً، الفضائيات الخاصة صارت لسان حال الدولة، أي رسالة تريد الدولة تمريرها ستجد فضائية جاهزة ولا حاجة لها لصوت آخر يكلفها الكثير ويضل طريقه للناس.

 

كل محاولات إعادة الحياة لـ«ماسبيرو» تبوء بالفشل، بعد أن وضعوه على جهاز التنفس الصناعى، حاولوا قبل عامين العودة للإنتاج الدرامى، ورصد لهم مجلس الوزراء مبلغاً معتبراً وأنتجوا مسلسلا متواضعا، عرضوه في رمضان يتناول الإسلام الوسطى «دنيا جديدة»، لم ترحب بشرائه لضعف مستواه أي فضائية ولم يحظ بأى مشاهدة ولم تصل الرسالة وتبددت الأموال- أدمنوا الفشل دراميا وبرامجيا وغنائيا، الحقيقة المسكوت عنها هي أن مبنى الإذاعة والتليفزيون يعيش في حالة غيبوبة تُبعده عن الإحساس بالواقع، القيادات التي تنتمي عقولها لزمن «وابور الجاز» لا يجوز ان تتواجد في زمن «الفيمتو ثانية».