خطيب جمعة بالرياض ينصح الموظفين: فرّجوا كرب المراجعين بتسهيل حصولهم على حقوقهم

السعودية

بوابة الفجر


دعا إمام وخطيب جامع الراجحي بحي الجزيرة بالرياض الدكتور حمزة بن سليمان الطيّار، في  خطبة اليوم الجمعة، الموظفين، إلى استحضار حسن النية، وتسهيل حصول المراجعين على حقوقهم الشرعية والنظامية، وعدم التعنت في ذلك؛ مشيراً إلى أن التسهيل على المراجعين يعد من أبواب تفريج الكرب، قائلاً "هنيئاً لمَن ينبري في مثل هذه المواقف لإيصال الحق إلى مستحقه، وكان همّه الرفق بالناس، والتيسير عليهم".

جاء ذلك في خطبته اليوم التي عنونها بـ "تفريج الكرب". بحسب صحيفة "سبق"

 

تفصيلاً؛ قال الطيّار في خطبته الأولى:

 

يقول الحق جل وعلا: (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس)، فإن مما اقتضته حكمة العزيز الحكيم أن الأيام دول، فيها المسرات والعلل، فاليوم مسرَّةٌ وفرح، وغداً حزنٌ وترح.

 

" هِـيَ الأُمُـورُ كَما شاهَدْتَهَا دُوَلٌ ...  مَـنْ سَـرَّهُ زَمَـنٌ سَـاءَتْهُ أَزْمَانُ

وَهَـذِهِ الـدَّارُ لَا تُبْقِي عَلَى أَحَدٍ ... وَلا يَـدُومُ عَـلَى حَالٍ لَهَا شَانُ".

 

فالحياة الدنيا لا يمكن خلوها من هموم وكبد، ولا يتأتى خلوصها من أكدار ونكد، قد يفتح على الإنسان فيها باب رزق أو جاه يغبط عليه، وتتوجه الأنظار بسببه إليه، ويخيل إلى مَن حُرِمَ ذلك أن السعادة بأنواعها مرهونة بنيله، ومضمونة لأهله، لكن تكتنف ذلك المفتوح عليه غموم تؤرق، وأحزان تشد الخناق وتُضيِّق، ومن أقسى هذه الأحزان ما يتعرّض له لو نكب فضاقت عليه الأحوال بما رحبت، وانحطت درجاته بعد ما ارتفعت. 

 

عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - أنّه بكى يوماً بين أصحابه فسُئل عن ذلك فقال: فكّرت في الدّنيا ولذّاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي حتّى تكدّرها مرارتها، ولئن لم تكن فيها عبرة لمَن اعتبر، إنّ فيها مواعظ لمَن ادَّكر.

فإذا تقرَّر ذلك عَلِم الإنسان أن الحياة غِيَرْ، وأن الدهر قُلَّبْ، فلا يأمن ساعات المسرَّة، ولا يخلد لأيام الفرح، فسرعان ما يتلوها ما يكدرها، ويخلفها ما يعكرها، بل عليه شكر المنعم أَنْ أَسْبَغَ عليه النعمة، وَأَدْخَلَ عليه المسرَّة، فلا يفرح فرح اللاهين، ولا يلهو لهو العاصين، ثم ليتذكر مع ذلك ما فضَّله الله بذلك على غيره ممّن نُكِبَ في نقصِ نفسٍ، أو مالٍ، أو بُلِيَ بجوعٍ، أو خوفٍ، ونحو ذلك، يقول الحق جل وعلا: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ  وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).

 

وإن من مظاهر شكر المنعم مساندة مَن نزل به البلاء، ومعاونة من حلَّ بهم الشقاء، ولهذا كان تفريج الكربات، وتخفيف آلام الأزمات، من أعظم أعمال البر التي يجزل الثواب العظيم لفاعلها، ولو كان العمل في الظاهر يسير الكلفة، خفيف المؤنة؛ بل لو كان المكروب حيواناً متشرداً؛ بل لو كان مفرج الكربة فاسقاً منغمساً في دركات الرذيلة، متمرغاً في أوحال الخطيئة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا، فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ، فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ» متفق عليه.

 

والموق مثل الخف يعني أنها ملأت له خفها ماء فسقته، وليس عندها من وسائل السقيا إلا هذا.

 

انظروا - رعاكم الله - كيف كانت بركة تفريج هذه الكربة، فبجرعات ماء في خفٍّ احتساها كلبٌ في بريةٍ انْحتَّتْ عن هذه المرأة ذنوبها ومنها الزنا الذي هو من أكبر الكبائر، وأشنع الفضائح، فإذا كان تفريج الكربات متوجّهاً إلى المسلم فهو الغاية في الإحسان، وإليه المنتهى في المبرة، فكل كربة تفرجها عن مسلم في الدنيا يفرج الله بها عنك كربة من كرب يوم القيامة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِيعَوْنِ أَخِيهِ»، رواه مسلم وغيره، واللفظ لأبي داود.

 

وتنفيس الكربات بابٌ واسعٌ اختلفت أنواعه، وتعدّدت أشكاله، وقلّ من الناس مَن يعجز عن الإسهام في بعض أنواعه، وليس تفريج الكربات على درجة واحدة؛ بل يتفاوت بقدر إفضاء الكربة إلى فوات ضروري من الضروريات الخمس، وتكون أهميته حَسَبَ مرتبة ذلك الضروري، والضروريات الخمس حفظ الدين فالنفس فالمال فالعقل فالعرض.. ومنها إغاثة المنكوبين في الأزمات الطاحنة كالمتضرّرين من الكوارث والحروب ممّن انفصمت بهم عُرى الحياة، وأُخرجوا من ديارهم، وحيل بينهم وبين التصرف في أموالهم، وهذه من أقسى الأزمات التي توجب التكاتف على أمة الجسد الواحد، ففي مثل هذا ينتظر أن يتداعى سائر الجسد الإسلامي للعضو المشتكي بالتضامن.

 

ومنها إغاثة المتضرّرين بالمجاعات، فإطعام الجائع، وسد رمقه من أسباب المغفرة، فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "مِنْ مُوجِبَاتِ الْمَغْفِرَةِ إِطْعَامُ الْمُسْلِمِ السَّغْبانِ "رواه البيهقي في شعب الإيمان، والسغبان الجائع.

 

الخطبة الثانية:

وكما يكون تفريج الكربات في الضروريات كذلك يكون في الحاجيات، فإن بعض المصالح الحاجية إذا تعطَّلتْ ترتَّبَ على ذلك خللٌ في الضروريات عاجلاً، أو آجلاً، ولهذا يعتري الكرب الإنسان عند ما تنسدُّ أمامه أبواب حاجياته، سواء كانت في الحوائج الخاصّة، أم في المعاملات الرسمية، وقد تنشأ بعض المضايق التي تتحوَّلُ إلى كربة من قصور في الشخص نفسه يَعُوقُهُ عن الوصول إلى مستحقاته الشرعية والنظامية، فبعض الناس لا يهتدي إلى كيفية الاستفادة من الخدمات المتاحة له شرعاً ونظاماً، فمن باب تفريج الكربات مساعدته على الاستفادة من حقوقه بالضوابط الشرعية، ووفق الأنظمة المرعية، كما أن المضايق قد تنشأ من تعنُّتِ بعض الموظفين، فيرهق صاحب الحق من أمره عسراً، ويضع بينه وبين حقه المكفول له حواجز صورية لم يقرّها النظام، وليس لها من الواقعية زمام ولا خطام، بل تنافي ما لأجله أقيمت المؤسسات العامة من خدمة للمجتمع، وقضاء حاجياته، وهذه فرصة الموظفين في الدوائر الحكومية أن يستحضروا حسن النية في النصيحة لله - جل وعلا -، ولولي الأمر، وللعامة فلا يدعون مكروباً يحق له شرعاً ونظاماً أن يتمتع بخدمة إلا سهَّلوا عليه التمتع بها، سواء كان ممّن لا يعرف كيف يتصرف، ومن حالت الممانعات المتشنجة بينه وبين حقوقه، فهنيئاً لمَن ينبري في مثل هذه المواقف لإيصال الحق إلى مستحقه، وكان همّه الرفق بالناس، والتيسير عليهم، فكان مشمولاً بدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - لمَن تولى شيئاً من أمر الأمة، فرفق بهم، فعن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اللهُمَّ، مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ»، أخرجه الإمام مسلم وغيره.

 

وإياك أيها الموظف ثم إياك أن تحول بين صاحب الحق وحقه لأيّ سببٍ كان، فأنت مؤتمنٌ من قِبل ولي الأمر الذي وضع هذه المهمة في يدك لينتفع بها الناس، ولست مسلطاً على رقاب العامة لتعطل المصالح، وتسبّب المتاعب، فإياك أن تتحمّل مظالم قد تكون سبباً في حلول نقمة الله عليك، واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجابٌ، ضع هذه الجملة العظيمة نصب عينيك، ولا تعتبر نفسك مستغنياً عنها، فقد وجّهها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أحد أعيان الصحابة - رضوان الله عليهم-  لما بعثه إلى اليمن، فاتق أن تنالك دعوة مظلوم يناجي ربه في آخر الليل، وقد نكَّدت عليه يومه، وأسهرت عينه، فتنقلب موازين حياتك، وتتبدّل أحوالك، نعوذ بالله من زوال النعم، وحلول النقم.