تسريبات "ويكليكس" تفضح الـ "سي آي إيه".. ومخاوف من تأثيرها على المعركة "الروسية الأمريكية"

تقارير وحوارات

بوابة الفجر



بعد إعلان موقع "ويكليكس"، عن تسريب ما يقرب من 9000 وثيقة، كجزء من تسريباتها، من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، تم الحصول عليها من قاعدة بيانات عالية الأمان في مركز الاستخبارات عبر الفضاء الإلكتروني بمقر الوكالة في لانغلي، ولاية فرجينيا، فإن تسريب هذه الوثائق، إن تأكدت صحتها، تعد اختراقًا كارثيًا جديدًا لوكالات الاستخبارات الأمريكية، من طرف ويكيليكس والمتعاونين معه، الذين تمكنوا مرارًا من الكشف عن كميات ضخمة من وثائقها ومعلوماتها السرية.

عدد الوثائق 
كشف موقع "ويكيليكس"، ما يقرب من 9000 وثيقة كجزء من سلسلة تسريباتها المعروفة باسم " Year Zero"، مؤكدًا أنها حصلت على الوثائق عبر شبكة داخل مركز وكالة الاستخبارات الأمريكية بولاية فيرجينيا.

محتويات التسريبات
تحتوي هذه الوثائق على خريطة الاختراق الشبكي التي نفذها مخترقو الشبكات في قسم " 200-strong Center for Cyber Intelligence"، أو القسم المختص بالأمن الشبكي داخل وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) في الفترة ما بين عامي 2013-2016.

وضمت الشبكات المخترقة التي أعلنت عنها ويكيليكس:

1- اختراق نظام التشغيل الخاص بالجيل الجديد من أجهزة تلفاز سامسونج الذكية، وتفعيل ميكروفونات تعمل حتى في حالة إطفاء الجهاز، فحتى وإن كان الجهاز لا يعمل، فإن وكالة الاستخبارات الأمريكية ما زالت تمتلك القدرة على استخدام النظام لتسجيل الأصوات في الغرفة التي يوجد فيها التلفاز، ومراقبة جميع النقاشات والأحاديث التي يلتقطها جهاز التلفزيون سواء كان يعمل أو مطفأ.

2- نظام تشغيل (Windows)، بالإضافة إلى جميع مُنتجات مايكروسوفت على حاسبك الآلي هي تحت سيطرة (CIA)، يمكنها أن تتوغل داخل عالمك الشخصي بحرية تامة لتجمع الكثير من المعلومات في ملفاتك الشخصية أو حتى تتحكم في نظام التشغيل، وتقوم بفتح الكاميرا وتصويرك في أي حالة كنت عليها.

3- اختراق أنظمة تشغيل الهواتف الذكية مثل (IOS) و(Android)، وهذا يضرب بوعود التطبيقات الدائمة القائلة إن المحادثات بينك وبين أصدقائك هي محادثات مشفرة ولا يمكن لأحد أن يعترضها، ولكن التطبيقات التي ترسل لك هذه الرسائل لا تخدعك؛ بالفعل الرسائل مشفرة ولكن مشفرة لمن يحاول أن يعترضها، أما وكالة الاستخبارات فهي مُخترقة لنظام التشغيل بالأساس، فهم يمكنهم حتى أن يراقبوا رسائلك وأنت تكتبها قبل أن ترسلها للطرف الآخر في المحادثة.

4- لم تدخل هذه الخطة في حيز التنفيذ بالفعل، ولكن كانت في نية الـCIA، وهي متعلقة بأن تكون خطوة الاختراقات القادمة لأنظمة تشغيل السيارات، مما قد يمكنها من تنفيذ محاولات اغتيال لشخصيات غير مرغوب فيها من قبل وكالة الاستخبارات ببساطة شديدة.


وسائل تجسس الـ CIA
وتشمل الوسائل المتعددة، التي تقول الوثائق إن وكالة الاستخبارات الأمريكية تستخدمها كأسلحة إلكترونية، برامج خبيثة تستهدف الأجهزة والحواسيب التي تعمل بأنظمة "ويندوز" و "أندرويد" و "آي أو أس" و "أو أس أكس" و "لينكس" وأخرى تستهدف موزعات الإنترنت (الراوتر).

ووفقا لوثائق "ويكيليكس"،  فإن أجهزة المخابرات الأمريكية كانت تستخدم " أجهزة التلفزيون، والهواتف الذكية،  وحتى برامج السوفت وير المضادة للفيروسات جميعها كانت عرضة لاختراق "السى أى إيه"، فضلًا عن أنظمة تحكم السيارات والشاحنات، التي من الممكن أن يستخدم لإجراء عمليات اغتيال لا يمكن الكشف عنها تقريبا- وزعم ويكليكس- ومن القدرات التي تحدثت عنها الوثائق تسجيل الأصوات والصور والرسائل النصية الخاصة لمستخدمين التليفونات المحمولة عندما يلجأون إلى التطبيقات المشفرة للتواصل.

كما أن الوحدة المتخصصة في "السي أي إيه" تسمى " فرع الأجهزة النقالة" والذي ينتج برمجيات خبيثة للسيطرة على المعلومات وسرقتها فى أي تليفون محمول،  والتي كانت محل تركيز خاص بسبب شعبية الهاتف بين النخب السياسية والاجتماعية والدبلوماسية والتجارية- وفقا لويكيليكس- واستهدفت الوكالة أيضا الأجهزة الشعبية التي تستخدم نظام أندرويد، الأبرز في العالم.

طريقة التجسس
أوضح موقع "ويكيليكس"، أنه عقب المهاجمة تبدأ برامج التجسس في وضع التلفزيون المستهدف في وضع إغلاق وهمي، بحيث يعتقد صاحب التلفزيون بشكل خاطئ أن التلفزيون مغلق تمامًا، وعندما يكون قيد التشغيل، تتبدء عملية التجسس عن طريق تحويل التلفزيونات إلى تسجيل المحادثات في الغرفة وإرسالها عبر الإنترنت لخادم سري تابع لـ"سي أي إيه".

وتشير تقارير إلى أن بعض هذه البرمجيات يجري تطويرها داخل مقر الاستخبارات، لكنها أوضحت أن جهاز الاستخبارات الداخلية البريطانية "ام آي 5" ساعد في التحضير لشن قرصنة إلكترونية تستهدف أجهزة تلفاز من تصنيع شركة سامسونج.

كيف حصلت ويكيليكس على هذه التسريبات؟

ذكر بيان ويكيليكس أنها حصلت على ترسانة وكالة الاستخبارات الأمريكية، التي تضم كافة الأدوات والبرمجيات الخبيثة والفيروسات التي استخدمتها، وما زالت تستخدمها في عمليات الاختراق، ومن الواضح أن هذه الوثائق كانت تتداول بشكل غير رسمي بين متعهدي الأمن الشبكي ومخترقين كانوا في السابق يعملون لوكالة الـCIA، وقال بيان ويكيليكس إن أحد هؤلاء الذي سبق له العمل للوكالة هو من منحهم جزءًا من المستندات التي تم نشرها.

في عام 2013 قام متعهد الأمن الشبكي بوكالة الاستخبارات الأمريكية CIA "إدوارد سنودن" بتسريب مجموعة كبيرة من قاعدة بيانات الـCIA التي توضح مدى تدخل الوكالة في حياة الأفراد، ووضحت هذه المستندات مدى الاختراق الذي ينتهك خصوصية المواطنين، وكانت هذه الحادثة هي أول حادثة يتم فيها الحصول على أدلة مادية حقيقية تبرهن على انتهاكات الـCIA، فقبل حادثة سنودن كانت جميعها مجرد اتهامات لا توجد أدلة كافية تدعمها.


تحقيق جنائي حول الوثائق المسربة
هذا وفتحت وكالات فيدرالية أمريكية، تحقيقًا جنائيًا في آلاف الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس حول الوسائل التي تستخدمها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي ايه" في التجسس.

وقال مسؤولون أمريكيون إن ثمة تنسيق بين مكتب التحقيقات الفيدرالي "اف بي اي" والمخابرات الأمريكية "سي آي ايه" فيما يتعلق بالتحقيق في التسريبات.

وزعمت الوثائق أن (سي آي ايه) استخدمت برمجيات خبيثة وأدوات اختراق متطورة للدخول على الهواتف الذكية عن بعد والتحكم بها.
ويحاول التحقيق التأكد من كيفية وصول الوثائق إلى موقع التسريبات ويكيليكس، وعما إذا تم تسريبه من قبل أحد الموظفين بالوكالة الاستخباراتية.

"الاستخبارات الأمريكية" ترفض التعليق
وفي رد فعل أولي من وكالة الاستخبارات الأمريكية، قال المتحدث باسمها، جوناثان ليو، لبي بي سي "نحن لا نعلق حول صحة أو محتوى وثائق استخباراتية مزعومة".

"ويكليكس": فتحنا النقاش حول تجاوز الاستخبارات الأمريكية صلاحياتها 
وقال مؤسس موقع ويكيليكس، جوليان أسانج، من مقر السفارة الإكوادورية في لندن، إن هناك " خطرا انتشار كبير لتطوير الأسلحة الإلكترونية" مضيفًا أن نشر هذه التسريبات استثنائي من عدة أوجه، سياسية وقانونية وجنائية".

وتابع أسانج؛"عمل تاريخي من عدم الكفاءة الكارثي، أن تبني ترسانة مماثلة ثم تخزينها كلها في مكان واحد".
وقال ويكيليكس، إن غرضه من نشر هذه المعلومات هو فتح نقاش حول ما إذا كانت وكالة الاستخبارات الأمريكية قد تجاوزت الصلاحيات المخولة لها.

ترامب: "التسريبات عفا عليها الزمن"
من جهته، اعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن التسريبات دليل على أن أنظمة سي آي إيه: "عفا عليها الزمن"، إلا أنه لم يوجه أي انتقاد لويكيليكس على كشفه أسرار أمريكية.

تأثير التسريبات على معركة روسيا والولايات المتحدة الأمريكية
تعتبر هذه التسريبات التي أعلنت عنها ويكيليكس بمثابة سلاح جديد في أرض المعركة بين الاستخبارات الروسية والأمريكية، ولطالما جاءت تسريبات ويكيليكس في صالح الجانب الروسي مما يثير الشك دائمًا من قبل البعض أن ويكيليكس هي أداة روسيا في حربها على الولايات المتحدة الأمريكية، ففي الانتخابات الرئاسية الماضية كانت ويكيليكس تركز تسريباتها على هيلاري كلينتون دون المرشحين الآخرين، فكما صدر عن وكالة التحقيق الفيدرالية بدأت الهجمات الروسية بمجموعة رسائل البريد الإلكتروني الخاص بكلينتون، وتمت الهجمة خلال عملية اختراق ممنهجة نفذها مخترقو شبكات روسيون على موقع وحسابات اللجنة الوطنية في الحزب الديمقراطي، ومن ثم تم تمرير الرسائل البريدية إلى ويكيليكس حتى تنشرها، ولكن هذا الأمر تم نفيه من ويكيليكس وقالت إن المسؤول عن تمرير رسائل البريد الخاص بهيلاري كلينتون هو أحد متعهدي الأمن الشبكي السابقين في الحكومة الأمريكية.

كما تعتبر التسريبات أيضًا سلاحًا في المعركة بين دونالد ترامب الرئيس الحالي ووكالة الاستخبارات (CIA)، فطوال فترة الانتخابات كان دونالد ترامب يواصل المدح في ويكيليكس ويذم الـ(CIA)، كما أن صدور تلك البيانات في الوقت الحالي يعزز بالنسبة للبعض من فكرة اختراق روسيا للولايات المتحدة شبكيًا من أجل دعمه في معركته ضد الـCIA كما دعمته الهجمات على اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الماضية.

 ولفت جيمس لويس، محلل الشؤون الاستخباراتية في مركز الدراسات الاستراتيجية والاستخباراتية، إلى احتمالية ضلوع الحكومية الروسية في ذلك، باعتبار أن الوصول إلى مثل هذه المعلومات يتطلب قدرات قرصنة كبيرة، مع احتمال استخدامها من قبل أقراد ولكن لابد من وجود دعم.

روسيا: التسريبات تشكل خطرًا وتقوض الثقة مع أمريكا  
أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، أن روسيا مضطرة لأن تأخذ في عين الاعتبار بيانات "ويكيليكس" بشأن القرصنة الإلكترونية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية سي اي ايه.

وأعلنت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أنه حال صحة المعلومات التي نشرها موقع ويكيليكس حول الأساليب التي تستخدمها وكالة المخابرات الأمريكية للتجسس، فإنها يمكن أن تشكل خطرا، ويمكن أن تقوض الثقة بين الطرفين الروسي والأمريكي.

وقالت زاخاروفا : "لقد أصبح واضحا من تسريبات ويكليكس أن احتمال المراقبة من قبل وكالة المخابرات الأمريكية عبر المعدات التقنية موجود، وإذا تبين أن هذه المعلومات حول ما تفعله وتلهو به الهيئات الأمنية الأمريكية صحيحة، فإن هذا أمر فظيع".

تسريبات سابقة
ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها تسريب هذا الكم من الوثائق السرية للاستخبارات الأمريكية، حيث سبقتها أربع وقائع في غضون أقل من أربع سنوات.

ففي عام 2013 أحدث إدوارد سنودن، الذي كان متعاقدًا مع وكالة الأمن القومي، هزةً عندما سرَّب وثائق تُظهر كيف قامت بتجميع المعلومات عبر التجسس، حول اتصالات الأميركيين وحلفاء الولايات المتحدة.

ومطلع العام الماضي، عرضت مجموعة قرصنة سرية اسمها "شادو بروكرز" للبيع على الإنترنت رزمة من وسائل القرصنة، قالت إنها سرقتها من وكالة الأمن القومي.

وفي أواخر العام 2016، اكتشفت وكالة الأمن القومي أن متعاقدًا آخر يدعى هارولد مارتن، نَقَلَ إلى منزله ما يقارب 50 تيرابايت من البيانات والوثائق، من بينها أدوات قرصنة حساسة.

لكن عمليات التسريب الكبرى لم يكن مصدرها كلها متعاقدون، فقد كانت المجندة تشلسي مانينغ، المتحولة جنسيًا، التي سربت مئات آلاف الوثائق بشأن الاتصالات الدبلوماسية في العام 2010، وذاع صيت "ويكيليكس" بعدها، محللاً في استخبارات الجيش الأميركي آنذاك.

ردود فعل دولية
وأعلنت الحكومة الألمانية، الأربعاء الماضي، تواصلها مع السلطات الأمريكية حول ما نشر عن اختراق الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، إضافة إلى أن "الوثائق التي نشرها ويكيليكس ليست في حيازة السلطات الألمانية ولذلك لا يمكن الحكم على مصداقية هذه الوثائق".

الصين تطالب واشنطن بـ"وقف هجماتها الإلكترونية"
أما الصين فدعت الولايات المتحدة، إلى "وقف هجماتها الإلكترونية"، وذلك غداة نشر موقع ويكيليكس وثائق عن برامج تطبقها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سى آى إيه" لقرصنة المعدات الإلكترونية.