حميد الشاعري

الفجر الفني

بوابة الفجر


يحل اليوم الموافق 29 فبراير ذكرى ميلاد الفنان حميد الشاعرى الذى بدأ حياته الفنية كعازف أورج ثم أنشأ فريق غنائى تحت أسم "أبناء الفريق" لينضم فيه جميع المواهب الوطن العربى ليحقق نجاحا كبيرًا بعد ذلك فى عالم الغناء.

"الفجر الفنى"، يرصد أهم اللقطات التى مرت فى حياته.

ولد لأب ليبي وأم مصرية ويحمل الجنسيتين المصرية والليبية، حيث نشأ في أسرة عريضة اتسعت رقعتها لتشمل خمسةَ عشرَ أخًا وأخت، إضافةً إلي ثلاثِ زوجات للأب، خلافًا لأمِه والتي كان لها أكبر الأثر في اكتشاف وإنماء موهبته الغنائية والموسيقية في مرحلة عمرية مبكرة، فهي أول من أهداه ألة أورج وألة إكسيليفون لتستقبل أول لمسات حميد الموسيقية، وقد توفيت أمه وهو لم يتجاوز الثالثة عشر من العمر.

كان في أول مراحله هاويًا حيث اعتاد إقامة الحفلات بمدينة بنغازي.

أما فيما بعد وفي الثلث الأخير من السبعينيات انضم حميد الشاعري إلي فرقة الإذاعة الليبية كعازف أورج ولكن لم يدم انضمامه إلي فريق الإذاعة طويلًا فقد فارق الشاعري الفريق إثر خلافات حادة في وجهات النظر نشبت فيما بين الجانبين.

شارك أيضًا حميد الشاعري في إنشاء فريق غنائي تحت اسم أبناء أفريقيا بحيث ضم عدد من المواهب الأفريقية والعربية، ولكن لم يكتب لمثل هذا الفريق الاستمرار لأسباب في أغلبها اجتماعية.

بجانب هوايته للموسيقي كان حميد طالبًا في معهد الطيران حيث أرسله والده لاستكمال دراسته في بريطانيا، ورغم أن الدافع الرئيسي من وراء سفره هو الدراسة ولكن ذلك لم يمنعه من اختلاس بعض الوقت من أجل إيجاد المنطلق لطاقاته الابداعية الكامنة، حيث قام بتأجير الساعات في الاستوديهات الإنجليزية لأجل تسجيل بشائر أعماله الموسيقية والغنائية، وتبعًا لتصريحات الفنان حميد الشاعري: "هذه التسجيلات ما كانت إلا للغرض الشخصي فقط ومن أجل إشباع حاسته الموسيقية"
ولكن لم يخطر علي بال هذا الفنان الهاوي بأن تصبح هذه التسجيلات في يوم ما هي همزة الوصل فيما بينه وبين المنتجين المصريين المتحمسين لتقديم لون جديد من ألوان الموسيقي والغناء من بعد فترة الركود والكساد التي أصابت السوق المصري بل والعربي في فترة السبعينيات من القرن الماضي، خاصةً بعد رحيل عمالقة الفن من أمثال أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش.

من أهم المنتجين الذين تعامل معهم حميد الشاعري كلٌ من المنتجَين هاني ثابت وكمال علما أصاحب شركة سونار والتي من خلالها قدم حميد أول أعماله الغنائية والموسيقية بعد فترة من انتقاله إلي مصر وبالتحديد إلي مدينة الإسكندرية حيث يستقر أبيه وأقاربه من جهة الأم، ولكن لم تخل هذه الفترة الانتقالية من خلافات حادة مع والده، والذي أصر من وجهة نظر قبلية علي رفض عمل ابنه في المجال الموسيقيِ، وقد وصلت حدة هذا الخلاف يومًا ما إلي قيام والد الشاعري بتحطيم محبوبة حميد وقيثارته.

و لكن القدر لم يتوان عن طرق أبواب المستقبل لهذا الفنان الهاوي، فقد أقدم أحد أصدقاءه (و هو الفنان وحيد حمدي) علي أخذ تسجيلات حميد والتي سبق وسجلها في استوديهات الخارج -بلا علم مسبق منه- وقام بعرضها علي أصحاب الشركات المصرية المنتجة ونخص بالذكر المنتج المصري هاني ثابت ليصبح فيما بعد من أشد المتحمسين والمؤمنين بموهبة هذا الفنان الشاب ! هذا ويذكر أن وحيد حمدي والذي كان أيضًا أحد أعضاء فريق أبناء أفريقيا قد شارك في غناء ألبوم عيونها، والذي يعد الألبوم الغنائي الأول لحميد الشاعري، وقد ظهر جنبًا إلي جنب مع الشاعري في غلاف الألبوم.


لم يوفق حميد الشاعري في أول تجاربه الموسيقية والغنائية علي الساحة المصرية بحيث لم يحقق ألبومه الأول والذي أطلقته شركة سونار أي نجاح علي الإطلاق وبدعابته المعتادة صرح حميد الشاعري بأن عدد النسخ التي تم إعادتها إلي الشركة المنتجة من قبل الموزعين قد فاق عدد النسخ التي أنتجتها الشركة، كدليل قاطع علي فشل أول ألبوماته ألبوم عيونها. ذلك وعند سؤال الفنان حميد الشاعري عن سر هذه الدعابة أجاب: بأن عدد النسخ التي تم إعادتها قد فاق عدد النسخ المنتجة بسبب إعادة النسخ الأصلية الي جانب النسخ غير القانونية.

أصاب هذا الفشل الذريع حميد الشاعري بالإحباط الشديد حيث لم تتقبل الأذن المصرية هذا اللون من الغناء والموسيقي، بحيث كاد هذا الإحباط أن يُثني هذا الموسيقيِِ الشاب عن مساره الفني، فقد صارح شركة سونار بما يجول في نفسِه وأنه يفضل العودة إلي دار أبيه واستكمال عدد ساعات إضافية في معهد الطيران ولكن إيمان من حوله به وإصرارهم علي استكماله لما شرع فيه كان له أكبر الأثر في إثناء حميد عن قراره، ولعل حب الموسيقي الذي بثته فيه أمهُ منذ الصغر كان الدافع الأقوي وراء استمرار هذا الفنان في العطاء.

لم يمر زمن طويل حتي تم إصدار ألبوم ثانٍ لحميد الشاعري وهو ألبوم رحيل وليحقق هذا الألبوم نجاحً مدويً خاصةً علي الساحة المصرية، ويخص الفنان حميد الشاعري بالذكر أغنية "وين أيامك وين" من الفلكلور الليبي والتي تبناها الشباب في ذاك الوقت لتصبح محبوبتهم، سرعان ما تلاها بألبوم ثالث ألبوم سنين، ومن هنا تستمر مسيرة حميد الشاعري بألبومات أخرى من أمثال ألبوم جنة وألبوم شارة وألبوم حكاية
حميد الشاعري متزوج وله أربعة أبناء نديم، نوح، نبيلة، ونورة.

قام بتأليف عدة أغاني بعد نشوب الاحتجاجات الليبية سنة 2011 تغنى بها بالمعارضين لنظام القذافي.


يعتلي التوزيع الموسيقي قائمة الأولويات في حياة حميد الشاعري الفنية، فقد أبدع هذا الفنان في هذا المجال وقد أعطي في مجال التوزيع الموسيقي كما لم يعطي ويبدع في أي مجالٍ أخر، ولعل ارتباط حميد الشاعري بالألات الموسيقية منذ الصغر كان الدافع الأقوي وراء تعلقه بتلك الأصوات الصادرة عن كل ألة موسيقية، فقد شاركت الألات الموسيقية في تكوين وجدان حميد الشاعري ليشب وَلِعًا بالإحاطة بكيفية توظيف مثل هذه الألات المتنوعة في الأغنية العربية، ليُعد فيما بعد حميد الشاعري كأشهر موزع موسيقيِ عرفته المنطقة العربية.

قبل بزوغ نجم حميد الشاعري لم يكن التوزيع الموسيقي في الأذهان ظاهرًا، وإنما تواجدَ في الأذهان باهةً ملامحه رغم أهميته القصوي في صناعة الأغنية، فعلي سبيل الذكر الموزع الموسيقي المصري علي إسماعيل ورغم أنه أحد عناصر نجاح الأغنية في فترة الستينيات إلا أنه لم يحظي بالشهرة الإعلامية الكافية، وكذلك لم يحظي التوزيع الموسيقي كمصطلح علمي في عهده علي الانتشار الواجب، دليلًا علي أن التوزيع الموسيقي في تلك الفترة لم يكن ينل من الاهتمام ما نالته الكلمة وما ناله اللحن، فقد كان الصوت الطربي يُعد الألة الأهم والتي يعزف عليها الملحن وتَنشُد لسماعِها الجماهير.

أما مع قُدوم حميد الشاعري وبزوغ نجمه في فترة الثمانينيات أخذ التوزيع الموسيقي وزنًا لم يعهده من قبل، فقد أصبح من المقومات الأساسية الظاهرة والطافية علي سطح صناعة الأغنية، مضاهيًا بذلك قدر الكلمة وقدر اللحن، بل وفي أحيانٍ كثيرة امتد التوزيع الموسيقي ليصبح العنصر الأهم في صناعة الأغنية، وبذلك قد ساهم حميد الشاعري بالقدر الأكبر في فتح بابٍ جديد لمهنة جديدة تحمل اسم التوزيع الموسيقي، لم تكن من قبل مهنة بقدر ما كانت علم ودراسة لا يقترب منها إلا أقل القليلين.

اعتادت أعين المستمعين لشرائط الكاسيت في فترة الثمانينيات والثلث الأول من التسعينيات، علي تصفح أغلفة الألبومات لتُصادْف أعينهم بعنصرٍ جديد يضاف إلي عنصري الكلمة واللحن، وهو عنصر التوزيع الموسيقي الذي أصبح لا يخلو من تواجده القدر الأكبر من أغلفة الألبومات، فقد وَلـّد هذا التواجد المكثف والمتوالي لهذا المصطلح رغبةً عند المستمعين في معرفة ما هية هذا المصطلح؟ وما هي أبعاده؟ وبذلك أصبحت ثقافة التوزيع الموسيقي أكثر شيوعًا بمراحل عدة مما كانت عليه قبل تواجد حميد الشاعري علي الساحة !.

لم يكن التوزيع الموسيقي هو العنصر الوحيد الجديد والذي ظهر علي أغلفة الألبومات في هذه الفترة، بل هناك عنصر أخر لطالما عانق اسمه التوزيع الموسيقي، وهذا العنصر ما هو إلا حميد الشاعري الموزع الموسيقي، فقد قام الشاعري بالتوزيع الموسيقي الكامل لأغلب الألبومات الغنائية الصادرة في الفترة التي امتدت من أوائل الثمانينات إلي أن تم إيقافه عن ممارسة العمل الموسيقيِ في العام 1991 حيث كان حميد في ذروة نجاحاته.


أما على صعيد التلحين فقد خص الفنان حميد الشاعري أغنية "الطريق" والتي تغنى بها الفنان محمد منير، لتكن أول أغنية يتم طرحها في سوق الغناء المصري من ألحانه، حيث التقي حميد ومنير أول مرة في ذات اليوم الذي صادف تعاقد كلاهما فيه مع ممثلي شركة سونار للإنتاج الفني !
هذا لم يكن اللقاء الوحيد بين حميد الشاعري ومحمد منير، فقد تبعه لقاءٌ آخر يكاد أن يكون الأخير بين الطرفين، وقد تم هذا اللقاء علي ساحة ألبوم أكيد للفنان حميد الشاعري والذي صدر في العام 1986، بحيث كان اللقاء في الأغنية الرئيسية للألبوم والتي حملت عنوان أكيد، من كلمات الشاعر عبد الرحمن أبو سنة وألحان وتوزيع حميد الشاعري.

تولدت هذه الأغنية أثناء جلسة خاصة في العام 1986 جمعت بين عدد من الفنانيين من بينهم محمد منير والشاعر عبد الرحمن أبو سنة وحميد الشاعري حيث كانت الأغنية نتاج تفاعل مع حدث من أسوأ أحداث التاريخ البشري الحديث وهو حادث انفجار في المفاعل النووي السوفيتي (سابقا) تشيرنوبل، مما أدي إلى تسرب مواد اشعاعية قاتلة، ما زالت أثارها مستمرة حتي يومنا هذا!.

ذلك وقد صرح الفنان حميد الشاعري حديثًا: بتواجد نية متوفرة لدي كلا الفنانين بالقيام بتصوير هذه الأغنية مواكبة ً منهم لسباق التسلح النووي المشتعل في مناطق عدة من العالم حيث يرى الفنان حميد الشاعري بأن الضعف هو أهون علي الأمم من أن تشارك في صناعة الدمار.


اعتاد الوسط الغنائي لسنوات علي غزارة ألحان حميد الشاعري سواء كانت ألحانًا لأغنياته الخاصة أو لمغنيين آخرين اعتادت ألبوماتهم علي تواجد حميد فيها بكثرة كملحن، ولكن ومع تغير المناخ الغنائي وتغير معطيات السوق في السنوات التي تلت قرار الإيقاف بحق هذا الفنان، عاد حميد الشاعري بشيءٍ من الحذر إلي الساحة الفنية وخاصة كملحن، فقد أخذ اسم حميد الشاعري الملحن بالتلاشي من علي أغلفة الألبومات سنةً بعد أخرى لتصل إلى ذروة تلاشيها في ألبومه الأخير "روح السمارة"، والذي أصدره في العام 2006، فقد خلي هذا الألبوم تمامًا من أي عملٍ يحمل بصمات حميد التلحينية.


و لكن وبعد عدة أشهر وفي العام 2007 عاد حميد الشاعري بلحنين جديدين لمناسبتين سنويتين، الأولي هي عيد الأم والتي أصدر فيها لحن أغنية أمي ثم أمي للشاعر الغنائي أيمن بهجت قمر، أما المناسبة الثانية فكانت أعياد سيناء ليصدر حميد فيها لحنًا ثانيًا بعنوان سينا وأيضًا من كلمات الشاعر الغنائي أيمن بهجت قمر، والجدير بالذكر ان العملين كانا بتكليف من وزارة الاعلام المصري وبالتالي من إنتاجه.


تُعد صناعة النجوم من أحد المهن الأخرى والتي احترفها الفنان حميد الشاعري، ولعله قد نجح في إظهار جانب أخر من جوانب شخصيته، وهي قدرته علي اكتشاف المواهب الشابة ومن ثم تسليط الضوء عليهم بتقديمهم إلي شركات الإنتاج ومن ثم إلي الجماهير العربية ليصبح العدد الأكبر منهم فيما بعد من أسطع النجوم علي الساحة العربية.


لم يمتلك حميد الشاعري عصًا سحرية ولكنه امتلك موهبة ربانية تم إطلاق العنان لها فيما بعد لتثمر عن تقديم وتبني ومشاركة نجاحات الكثيرين من المطربين والمطربات علي الساحة الغنائية من أمثال: عمرو دياب، مصطفى قمر، إيهاب توفيق، حنان، حكيم،أميرة، هشام عباس، علي حميدة، حمادة هلال، علاء عبد الخالق، فارس، مني عبد الغني، محمد حماقي، هيثم شاكر، بسمة.

القائمة لا تكاد أن تنتهي حيث ما زال هذا العائد بشراهة للساحة الفنية من بعد غياب طال فقارب الست سنوات بألبوم روح السمارة ما زال يمارس مهنته في صناعة النجوم، وقد كان أخرها المطرب الشاب إسلام عبد العزيز وظهوره في أغنية جو تاني والتي قام حميد الشاعري فيها بمهمة التوزيع الموسيقي. ولعل من أهم الأسباب التي ساعدت هذا الفنان علي النجاح في هذه الصناعة إلي جانب حسه الموسيقي وعلاقاته الجيدة بشركات الإنتاج هي روحه المسالمة وصدره الرحب الذي يتجلي بوضوح في تقبل الأخرىن وتدعيمهم سواء فنيًا معنويًا أو مادياُ مما أثمر عن تقديم مواهب عدة أثرت الساحة الفنية علي مدي فترات طِوالْ
في النصف الثاني من الثمانينيات.

وحتي أوائل التسعينيات كان اسم حميد الشاعري يمثل جواز السفر لعالم الشهرة حيث تقبع أحلام شباب المطربين، فقد كان يكفي تواجد اسم حميد الشاعري أو فرقته علي غلاف أي ألبوم لتحقق هذه الألبومات نجاح مؤكد سواء للمطربين أو المطربات أصحاب الألبومات أو شركات الإنتاج المختلفة والتي جنت الملايين من وراء التعاون مع حميد الشاعري، حيث نجح الشاعري بروح موسيقاه الجديدة علي مدي عدة سنوات في كسب ثقة الجماهير ومن ثم تواجد في أغلب البيوت العربية مما جعل اسمه يرتبط بالجودة وبأحلام الشباب، وقد وصل الأمر لذروته في أحد ألبومات المطرب علاء سلام حيث ظهرت صورة حميد ولأول مرة علي غلاف الألبوم في هيئة طابع بوسطة ليدل هذا الأمر وفي أوضح صوره علي مدي الشعبية الواسعة والثقة التي تمتع بها حميد الشاعري بين الجماهير العربية في ذاك الوقت.


لم يسلم حميد الشاعري من النقد وخاصة اللاذع منه، وإذا ما جاز التعبير فإن النقد اللاذع لم يسلم من حميد الشاعري فأصبح الإثنين كما لو كانا رفاق الطريق، فقد امتدت لذاعة النقد طوال عقد الثمانينيات لتصل إلي ذروتها في الثلث الأول من التسعينيات مع صدور قرار الإيقاف والذي امتد لثلاثة سنوات ليعود من بعدها حميد الشاعري في هدوء مؤقت إلي الساحة الفنية يتلمس طريق النجاح من جديد.

لم يكد يخلو أي لقاء تلفيزيوني أو صحفي دون التطرق إلي الإتهامات الموجهة لحميد الشاعري من إفساد للذوق العام إلي التعدي علي التراث انتقالاُ إلي إغراق الساحة الغنائية بأصوات شابة غير صالحة للغناء، بل ولم يسلم حتي المظهر الخارجي لحميد الشاعري من التهكم فقد اعتاد الشاعري الظهور بالملابس الرياضية سواء في حفلاته أو حتي في اللقاءات التلفيزيونية المتكررة وقد برر هذا الشأن بأن مسألة الملبس لم تكن لتشغل ذهنه الموسيقيِ فهو لم يأتي ليشاهد الجماهير ملبسه ولكنه قد أتي من أجل تقديم موسيقي وغناء يستمع إليهم الجماهير ! وبذلك كان أمر الملبس يمثل لهذا الفنان أمرًا عفويًا تلقائيًا وغير معبيء بأغراض بعينها كما يصرح حميد الشاعري فلم تخلو فترة زمنية أو بيئة ما من تميزها بزي معين وبذلك قد توالت مظاهر عدة علي أهل الغناء من عباءة إلي جلباب لتأتي فيما بعد البذلة الرسمية لتحتل موقع الريادة بين المطربين، أما بعد فيتجه أمر الملبس إلي منحيً أخر وهو الملابس الرياضية مسيطرةً بذلك علي مظهر المغنيين من أمثال حميد الشاعري وعمرو دياب وعلاء عبد الخالق لفترة لا بأس بها من الزمن.


بدا الأمر لوهلة وكأنه صراع ما بين الأجيال المختلفة، جيل يري بأن موسيقي وغناء الخمسينيات والستينيات هو الأصل ومن يحيد عنه فقد حاد عن الصواب، وبين جيل أخر ناشيء ما زال يتحسس طريقه في ظلمات الفترة الانتقالية والتي شهدت رحيل عمالقة الغناء العربي والموسيقي العربية، لتخلو الساحة الغنائية والموسيقية وتصبح أرض خصبة للموسيقي والأغنيات الغربية كموسيقي البوب والروك.


تظهر علي الساحة المصرية محاولات عديدة لمليء هذا الفراغ من مطربين وملحنين اختاروا لأنفسهم السير علي نفس المنهاج القديم من أمثال الملحن حلمي بكر والمطرب هاني شاكر ليأتي فيما بعد محمد منير متبنيا ألوانًا من الغناء والموسيقي النابعة من الجنوب، أما حميد الشاعري - والذي قَدُم في مرحلة لاحقة - فقد تبني خطًا شائكًا ولعله أكثر تعقيدًا محاولةً منه المزج بين الموسيقي الشرقية والموسيقي الغربية باحثًا عن موازنةٍ ما للمعادلة الصعبة من أجل إحداث ترابط فيما بين الشقين الشرقي والغربي منطلقًا من أغاني الفلكلور الليبي لينتهي حميد بوضعه أُسُسًا جديدة للعديد من الإيقاعات منها علي سبيل المثال لا الحصر إيقاع المقسوم والذي نال من النقد ما لم ينله إيقاعًا أخر!.


هذا وقد قوبل صوت حميد الشاعري بعاصفة من النقد تصف صوته بالضعف وتتهمه بأنه ليس مطربًا، وقد قابل الشاعري هذا النقد العاصف بتبني فلسفة بسيطة مفادُها أن الطرب هو أحد الأشكال الغنائية المتعددة والمتواچدة علي الساحة العالمية وبذلك فهو لا يُعِد نفسه مطربًا قادرًا علي غناء الموشحات ولكنه مؤديٍ چيد قادر علي الأداء بحسٍ عالٍ.


من أشد المخالفين لحميد الشاعري وأشدهم معارضةً له والذي قد طفت معارضته علي المستوي الإعلامي بشكل ظاهر وبينْ هو الملحن المصري حلمي بكر والذي قد مثل في ذاك الوقت فريق المدافعين عن التراث الموسيقي العربي ضد القادمين الجدد والذين مثلهم حميد الشاعري، بحيث تعددت أسباب رفض حلمي بكر لتواجد حميد علي الساحة منطلقًا من أن حميد الشاعري هو موسيقيِ غير أكاديمي (غير دارس)، ولكن وعلي الجانب الأخر فقد رأي حميد الشاعري بأن فطرته الموسيقية هي أهم ما يميزه لتنتهي هذه المعركة الإعلامية الضارية والتي طالت بلقاء شهير جمع بين الطرفين في أوبريت الحلم العربي والذي بتوهِ جمع بين العديد من النجوم العرب في ذاك الوقت.


لم تحظي السينما بقدر كبير من اهتمام حميد الشاعري حيث شارك في العام 1995 في فيلم من إخراج خيري بشارة وحمل اسم "قشر البندق"، وقد شارك في الفيلم جمع كبير من الفنانيين منهم علي سبيل المثال لا الحصر:محمود ياسين، حسين فهمي، محمد هنيدي، ماجد المصري، عبلة كامل والفنان الكوميدي الراحل علاء ولي الدين كما شارك أيضا الفنان حميد الشاعري حديثًا في فيلم يحمل اسم "أيظن" بعد غياب تعدي العشر سنوات عن شاشات السينما.

و رغم أن فيلم قشر البندق لم يحظي بشهرة واسعة ولكنه قد حاز علي احترام العديد من النقاد والمشاهدين ! ذلك ويذكر أن حميد الشاعري قد حَملَ علي عاتقه المهمة الموسيقية كاملة في هذا الفيلم سواء كانت موسيقي تصويرية أو أغنيات وهذا ما لم يحدث في فيلم أيظن.


ومن ألبوماته الغنائية:"عيونهاعيونها، رحيل، ألبوم رحيل، سنين، ألبوم سنين".