"قرارات منع الاستيراد".. من القومية إلى الرأسمالية

الاقتصاد

منع الاستيراد
منع الاستيراد


عُرف عن مصر قديمًا أنها من أكثر الدولة الغنية بالموارد الطبيعية، والتي استطاعت من خلالها إمداد دول كثيرة في العالم بالسلع التي تحتاجها، ما دفع المحتل «فرنسا، بريطانيا، الكيان الصهيوني» بالتباري من أجل وضع يده على هذه الأرض بما فيها من خيارات.
 
لكن الحال تبدل خلال القرن الماضي، وشهدت البلاد تغيرات سياسية وديموجرافية وأزمات اقتصادية، جعلتها بمرور الوقت من أكثر الدول المستوردة للسلع في العالم، بل وصل الأمر إلى حدوث فجوة كبيرة بين حجم الصادارات والواردات، فيما يعرف بالعجز في الميزان التجاري.
 
دفع ذلك الحكومات لاتخاذ بعض القرارت التي من شأنها منع أو ترشيد عملية الاستيراد من الخارج، من أجل دعم الصناعة الوطنية، بالإضافة إلى توفير العملة الأجنبية "الدولار".

الرئيس جمال عبد الناصر:
 على الرغم من تفاقم الأزمة بمرور الوقت، إلا أن غالبية الحكومات لم تُقدم على اتخاذ مثل هذه القرارات التي كان أبرزها في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، حيث كان أول من بدأ هذا التوجه، عندما أصدر قانون تنظيم استيراد العدد واللآلات المستعملة والقديمة التي يتم استخدامها في الصناعة؛ لحماية الصناعة وتوفير سلع جيدة للمستهلك، خاصة أنه تبين فيما بعد أن استخدام الآلات المستعملة في بعض الصناعات عرضها لأزمات كادت تُنهي ببعض المصانع.
 
الأمر الذي تخوف منه مجلس إدارة الغرفة التجارية في أول اجتماع لها بعد الثورة، الذي عقد في 23 مارس عام 1953، وقالت إنها متخوفة من طريقة تطبيق هذا التشريع والتمسك بحرفيته، ما يؤدى إلى تعطل الأعمال، وتقييد حرية أرباب الأعمال، مؤكدين أن الصالح العام يدفعهم إلى البحث عن أحسن الآلات.
 
وطالبت الغرفة استبعاد كلمة الآلات القديمة من الخضوع لأحكام القانون والاقتصار على منع استيراد الآلات المستعملة، موضحة أنه من حق وزير التجارة والصناعة تحديد الصناعات التي تخضع لهذا التشريع بقرارات تصدر في حينها ولا تسري هذه القرارات على العمليات التي تم التعاقد عليها خلال 15 يومًا من تاريخ صدور التشريع.
 
ودعت الغرفة -آنذاك- إلى تطبيق هذا القانون على الصناعات المحمية بالرسوم الجمركية؛ لحماية المستهلك وضمانًا لرفع مستوى هذه الصناعات، وكذلك بالنسبة للصناعات الجديدة.
 
 الرئيس عبد الفتاح السيسي:
شهدت فترة ولاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، العديد من القرارات التي تمنع استيراد بعض السلع وترشد استيراد أخرى، بالإضافة إلى بعض القرارات المصرفية المكملة لهذه القرارات.
 
الموتوسيكلات والتوك توك
كان أول قرار في عهد "السيسي" من قبل وزير الصناعة والتجارة الخارجية والاستثمار، الدكتور منير فخري عبد النور، وكان يحمل رقم 105 لسنة 2014، وينص على حظر استيراد المكونات الإنتاجية لهذه المركبات لمدة 3 أشهر، وكان في فبراير 2014، لكي تدرس الحكومة تداعيات الموقف، وأمر وزارة الداخلية بوضع ضوابط صارمة عند شراء وترخيص أي دراجات بخارية جديدة، مع السماح بمهلة مؤقتة للمالكين الحاليين للدراجات البخارية والتوك توك لتوفيق أوضاعهم فيما يتعلق بالترخيص.
 
ومع التداعيات الاقتصادية الخطيرة الناتجة عن هذا القرار، والتي تمثلت في ارتفاع أسعار هذه المركبات، ألغى "عبدالنور" هذا القرار، لأنه أضر أيضًا بصناعة الموتوسيكلات والتوك توك في مصر، حيث أن هناك 12 مصنعًا، وبعد هذا القرار تبين أن كثير من العمالة الفنية في هذه المصانع تم الاستغناء عنهم، كما أن حجم هذه الصناعة في مصر تبلغ مليار جنيه.
 
وقبل إلغاء القرار تقدم كل من المحامي قدري علي صالح، ومحمود ياسين، مستورد، بدعاوى قضائية تطالب بإلغاء هذا القرار، ما دفع محكمة القضاء الإداري بدائرتها السابعة، برئاسة المستشار حسونة توفيق نائب رئيس مجلس الدولة الطعن، بقبول الطعون ورفض قرار الحظر.
 
السيارات المشطورة
 
في فبراير 2014، أصدرت وزارة المالية، برئاسة أحمد جلال، منع استيراد سيارات مستعملة من الخارج «مشطورة نصفين»، خاصة الأنصاف الأمامية؛ لخطورة استخدامها في التفجيرات بعد تفخيخها، باستثناء المنطقة الحرة ببورسعيد.
 
وأثار هذا القرار غضب تجار ومستوردي قطع الغيار؛ لأنه سبب لهم خسائر كبيرة، خاصة بعد التطبيق الفجائي للقرار دون منح التجار فرصة لعدم الاستيراد أو إخراج البضائع التي وصلت الجمارك قبل صدور القرار، وضرورة منح فترة سماح لهم قبل التنفيذ.
 
فوانيس رمضان
 
في أبريل 2015، قرر وزير التجارة والصناعة، الدكتور منير فخري عبدالنور، استيراد الفوانيس ذات الطابع الشعبي والنماذج الأثرية، بهدف الحفاظ على الفن الشعبي والتراث الوطني.
 
وهذا القرار شهد استحسان من المصنعين المصريين، الذين أكدوا أن هذا سيساعد العمالة إلى العودة إلى العمل مرة أخرى، بينما يرى المستوردين أن هذا أضر بمصلحتهم، وكان من المفترض أن يتحدث معهم أولًا قبل اتخاذ هذا القرار حتى يوفقوا أوضاعهم.
 
القطن

وفي يوليو 2015، أصدر الدكتور صلاح هلال، وزير الزراعة، قررًا بحظر استيراد الأقطان من الخارج لحين تسويق القطن المحلي الموسم الحالي، بواقع مليون و750 ألف قنطار إنتاج 249 ألف فدان بمختلف المحافظات.
 
بالإضافة إلى تسويق مليون قنطار قطن محلي مخزنة في المحالج للتجار بعد شرائها من الفلاحين عام 2014 ولم يكن تم تسويقها.
 
وجاء القرار بعدما تخلت الشركة القابضة للأقطان، وشركات القطاع الخاص، عن شراء القطن عام 2014، ما عرّض التجار لغرامات كبيرة نتيجة عدم سداد ما تم اقتراضه من البنوك قبل شراء القطن من المزارعين.
 
لم يلبث الأمر كثيرًا حتى ألغت حكومة المهندس "إبراهيم محلب" هذا القرار بعد مرور فترة قصيرة جدًا من التراجع عن قرار تطبيق ضرائب الأرباح الرأسمالية وتعاملات البورصة.
 
ووصف خبراء الاقتصاد القرارات الحكومية حينذاك بالمتخبطة، وتؤدي إلى مزيد من التراجع الاقتصادي وخدمة فئات معينة على حساب المصلحة العليا بجانب تدمير الصناعة الوطنية.
 
القرار 43 لترشيد الاستهلاك
في يناير 2016، أصدرت زارة التجارة والصناعة، برئاسة المهندس طارق قابيل، بالتعاون مع البنك المركزي المصري، القرار 43 لسنة 2016، بترشيد استيراد نحو 23 سلعة، ووضع قائمة بأسمائهم.
 
واشترطت الوزارة أن تكون المصانع الأجنبية المصدرة لهذه السلع في السوق المصرية مسجلة بسجل لدى الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات التابعة للوزارة، وتم إمهال المستوردين 60 يومًا من تاريخ نشر القرار في الوقائع المصرية، لبدء تطبيق تلك الإجراءات.
 
وتضم القائمة 23 سلعة، وهي: «الألبان ومنتجاتها المعدة للبيع بالتجزئة، الفواكهه المحفوظة والمجففة المؤهلة للبيع بالتجزئة، والزيوت والدهون المؤهلة للبيع بالتجزئة، والشيكولاتة ومحضرات غذائية تحتوى على كاكو المعدة للبيع بالتجزئة، ومصنوعات سكرية، العجائن الغذائية والأغذية المحضرة من الحبوب ومنتجات الخبز والمخابز، عصائر الفاكهة المهيئة للبيع، المياه الطبيعة والمعدنية والمياه الغازية، مستحضرات التجميل والزينة والعناية بالفم والأسنان ومزيلات الروائح ومستحضرات الاستحمام والعطور، الصابون ومحضرات الغواسل معدة للاستعمال كصابون المهيأة للبيع بالتجزئة، وأغطية الأرضيات، أدوات المائدة وأدوات الطعام والمطبخ، مغاطس وأحواض ومغاسل ومراحيض ومقاعد وأغطيتها، الورق الصحي، وورق التجميل وحفاظات الأطفال والفوط، كتل وترابيع وبلاطات للاستخدامات المنزلية، أدوات من زجاج المائدة، حديد التسليح، الأجهزة المنزلية، الأثاث المنزلي والمكتبي، الدراجات العادية والنارية والمزودة بمحرك، الساعات، أجهزة الإنارة للاستخدام المنزلي، ولعب الأطفال».
 
ولقى هذا القرار هجومًا شديدًا من المستوردين حتى وصل الأمر إلى الاعتصامات والتنديد، ما انعكس ذلك على السوق الذي اخذت منتجاته في الارتفاع بشكل ملحوظ، الأمر الذي أثر على المواطن، وتسبب في حالة من الكساد.