التاريخ الوطني يشهد لـ"تحية كاريوكا"

منوعات

بوابة الفجر


"انتي ست بألف راجل يا تحية " قيلت هذه العبارة للفنانة تحية كاريوكا، في يوم من الأيام، وهي كلمات تستحقها "تحية كاريوكا" عن جدارة، بدوية محمد أو تحية كاريوكا إبنة الإسماعيلية، "بنت البلد" التي عاشت حياة مليئة بالمواقف والأحداث وحكايات كشفت عن شخصية من طراز نادر ومواقف اتسمت بشجاعة وشهامة بنت البلد الحقيقية.

كان لتحية كاريوكا دوراً في الحركة الوطنية المصرية، فعملت على توصيل السلاح والذخيرة للفدائيين في منطقة القناة عقب إلغاء معاهدة 1936 خصوصا وأن تحية ابنة محافظة الإسماعيلية، و كانت عضوا في العديد من التنظيمات السرية والحركات الوطنية التي كانت تقاوم الاحتلال الإنجليزي في ذلك الوقت، وكانت عضوا في تنظيم "حدتو" الشيوعي الشهير.

عندما كانت تحية كاريوكا في جولة فنية في بيروت، رفضت أن ترقص أمام الرئيس التركي ومؤسس العلمانية التركية كمال أتاتورك، وذلك بعد ان أهان السفير المصري، فرد أتاتورك بمنعها من دخول تركيا. 

وبعد حركة يوليو 1952، كان لتحية كاريوكا العديد من المواقف السياسية، بل أنها تعرضت للاعتقال على يد جمال عبدالناصر مرتين، الأولى عندما داهم البوليس الحربي منزلها، والذي كانت تقيم فيه مع الضابط كمال صدقي، وكان معاديا لحركة يوليو سنة 1954، ليخرج البوليس الحربي من منزلها منشورات ضد حركة يوليو و على الرغم من اعتراف زوجها بأنها لا تعلم شيء عن المنشورات، إلا أنه تم اعتقالها لمدة 100 يوما، عانت خلالها من معاملة غير إنسانية. أما المرة الثانية التي تم اعتقالها فيها فكانت مع عدد من أعضاء الحزب الشيوعي المصري لانتقادهم أداء حكومة جمال عبدالناصر وكانت تهاجم النظام الناصري، حتى وهي داخل المعتقل.

ولا ننسى موقف "تحية كاريوكا" في مهرجان "كان" سنة 1956، عندما كانت تشارك بفيلم "شباب امرأة"، وهاجمت الوفد الإسرائيلي في المهرجانات، وفتحت النار على الممثلة العالمية "سوزان هيوارد" بسبب مدحها في الكيان الصهيوني وهجومها على العرب فهاجمتها تحية بإنجليزية سليمة مما دفع "سوزان هيوارد" للفرار من كلمات "تحية". غضب الممثل الامريكي "داني كاي" فاقترب من تحية كاريوكا ليرد الاهانة التي لحقت بزميلته ، فما كان من كاريوكا الا ان باغتته بصفعة على وجهه فانسحب من امامها مسرعا. 

كانت "تحية كاريوكا" أخفت الضابط "محمد أنور السادات" في منزل شقيقتها اثناء هروبه بعد مقتل "امين عثمان" و ذلك في العهد الملكي، كما أخفت المناضل اليساري الشهير "صلاح حافظ" في منزلها من قوات النظام الناصري، كما شاركت تحية في مظاهرات الطلبة التي شهدتها مصر في العهدين الناصري والساداتي، وشاركت في اعتصام الفنانين في سنة 1987 اعتراضا على قانون النقابات، والذي تم فضه بأمر مباشر من رئيس الجمهورية بسبب حالة "تحية كاريوكا" التي ساءت، وتم تعديل القانون والاستجابة لمطالب الفنانين .

ورغم موقفها من النظام الناصري إلا أنها قادت حملة لجمع التبرعات للجيش المصري عقب نكسة 1967، بل وساهمت في نقل الأسلحة للجيش في حرب الاستنزاف، لدرجة جعلت جمال عبدالناصر يمتدحها قائلا : "إنتي ست بألف راجل يا تحية".

كانت "تحية كاريوكا" من أول الفنانين الذين ذهبوا إلى بيروت إبان الحصار الإسرائيلي للقوات الفلسطينة هناك في أواخر السبعينيات، كما زارت قبرص كضيفة في الحفل الذي أقامته منظمة التحرير الفلسطينية لدعم الانتفاضة.

أثناء تواجد "تحية كاريوكا" في فندق الحرم بالمدينة المنورة في الحج ووسط شدة الزحام إذ بالفنانة "تحية كاريوكا" وقد أراد الله لها التوبة في آخر سنوات حياتها تنادي علي الشيخ عن بعد في لهفة ولم يسمع الشيخ، فما كان منها إلا أن شقت الصفوف فجأة بكل قوتها واتجهت إلي الشيخ حتي اقتربت منه ونادت عليه فلم ينظر إلي وجهها فقالت له بصوت مرتفع:
انصب طولك ياسيدنا الشيخ وأنظر إلي وجهي تعرفني!
فقال لها : أنا لا أعرفك
فقالت له: أنا الفنانة السابقة "تحية كاريوكا".. أريد أن أسلم عليك وتدعو لي فقال لها:
لو عرفت أنك أنت التي تنادي عليٌ كل هذه النداءات لاتجهت إليك 'رأسا'.. لا 'رقصا'!
وضحك الجميع، وأخذ يطيب خاطرها ويدعو لها من قلبه، وهي تبكي من قلبها من خشية الله إيمانا واحتسابا. 

توفيت "تحية كاريوكا" إثر تعرضها لجلطة رئوية عقب عودتها من رحلة العمرة ، لتنتهي حياة فنانة و إنسانة من الطراز النادر، ولتبقى أعمالها وسيرتها خالدين إلى الأبد .. رحم الله الفنانة الكبيرة تحية كاريوكا.