تاريخها يعود إلى أكثر من 160 عاماً.. وموشى ديان أبرز سكانها حارة اليهود.. قرآن وإنجيل و«نجمة داود» اختفت!

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


لم يتبق من معالمها سوى لافتة صغيرة تحمل اسمها الذى أصبح حارة بلا يهود، لتتحول إلى سوق به محلات ألعاب الأطفال والإكسسوارات وأدوات التجميل وورش لصناعة المعادن والنحاس.. إنها «حارة اليهود» التى تتبع حى الجمالية فى قلب القاهرة القديمة.

الحارة التى يعود تاريخها إلى أكثر من 160 عاماً، لم تكن مجرد «حارة» صغيرة، بل حى كبير يضم نحو 360 زقاقاً وحارة لا يختلف أحدها عن الآخر سوى فى اسمه، ومازالت هذه الأزقة مقسمة إلى شياختين، واحدة لليهود الربانيين وأخرى لليهود القرآنيين الذين «لا يؤمنون إلا بتعاليم التوراة» فيقومون يوم السبت بالبقاء بمنازلهم وتناول الوجبات الباردة، دون استخدام «نيران» لطهيها، ويقضون يومهم دون استخدام أى وسيلة للإنارة.

الحارة كانت تضم نحو 13 معبداً يهودياً، لم يتبق منها بين أطلال البيوت المنهارة، سوى ثلاثة معابد، هم «موسى بن ميمون» الذى كان طبيبا وفيلسوفا شهيرا فى بدايات القرن الثانى عشر الميلادى، وكان مقربا من السلطان صلاح الدين الأيوبى، ويقال إن بداخل المعبد سرداب يقود إلى الغرفة المقدسة، وفى طقوس اليهود من يدخل هذا السرداب يجب أن يكون حافى القدمين أما المعبد الثانى «بار يوحاى» فيقع بشارع الصقالية، بينما الثالث فى درب نصير وهو معبد «أبو حاييم كابوسى».

بجوار معبد ابن ميمون، التقينا ببعض الصبية من قاطنى الحارة يتحدثون عن «الكفرة» الذين يأتون فى حماية الشرطة ويمارسون الاحتفالات «الماجنة»، ويشير أحدهم إلى الجامع الذى شيد منذ سنوات فى مواجهة المعبد قبل أن يهمس صغير منهم «بيعملوا حاجات عيب» هكذا ينظر صبية حى اليهود الآن فى عام ٢٠١٥ لطقوس الاحتفالات بمولد «سيدى الميمون» كما يطلق عليه أهالى الحى، المنشغلون الآن بالعمل فى تجارة الملابس ولعب الأطفال، حيث تزدحم حارات وأزقة المنطقة بمحلات لعب الأطفال والملابس.

هذه الحارة لم يسكنها اليهود فقط، بل سكنها أعداد كبيرة من المسلمين والمسيحيين، وكان أغلب قاطنيها من الحرفيين الذين يعملون فى ورش الصاغة.

عرف عن قاطنى الحارة أنهم من محدودى الدخل، نظراً لأنهم كانوا يتقاضون أجوراً ضعيفة نظير أعمالهم الحرفية. أما من تحسنت أحوالهم المادية فكانوا يهجرون الحارة إلى عابدين أو باب اللوق أو باب الشعرية. ومن يغتنون أكثر ينتقلون إلى العباسية أو مصر الجديدة.

أما التجار من يهود الحارة فقد تركز نشاطهم فى الأقمشة والورق والأدوات الكهربائية. وكانت بعض اليهوديات يصنعن الحلوى والمربى ويقطرن الزهر، كما عملن فى الحياكة.

فى الفترة الأخيرة اختفت نجمة داود السداسية من أعلى منازل حارة اليهود، واستبدلت بآيات قرآنية وإنجيلية، فالحارة التى كانت مسكن «يهود مصر» فى الأربعينيات، رحلت برحيل اليهود عائلة تلو الأخرى، رغم اختلاف الوضع بمصر عما كان سائدا فى أوروبا وقتها التى سارعت بإنشاء أول حارة لليهود بروما عام ١٥٥٦ وقامت بعزلهم عن مواطنى أوروبا كنوع من التحقير، على عكس الحال فى مصر وقتها فقد ضم حى اليهود مسلمين ومسيحيين مازالت منازلهم داخل الحى حتى الآن.

فى جولة داخل ممراتها الضيقة، سألنا عن آخر من سكنها من اليهود، فرد علينا أحد أصحاب المحلات «هذه الحارة تعد آخر ما تبقى من متعلقات اليهود قبل رحيلهم فى عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر»، متابعاً: «بصراحة عاصرت بعضهم أيام ما كانوا موجودين وعمرنا ما شفنا منهم حاجة وحشة».

ويلتقط منه الحاج محمد، 62 سنة، طرف الحديث، قائلاً: حارة اليهود مكان أثرى يعود تاريخه إلى أكثر من مائة عام، وعلى الرغم من أن معظم قاطنيها من اليهود، إلا أن سكنها أيضاً مسلمون وأقباط، فى مشهد جميل يدل على قيمة التعايش بين الأديان.

ويستعيد الحاج محمد ذكرياته مع جيرانه اليهود، قائلاً: «ياريت اليهود بتوع دلوقتى يكونوا زى يهود زمان، ناس كانت طيبة وفى حالها، وتشتغل كويس، وملهاش فى اللف والدوران».

وكشف «مصطفي» أحد تجار الحارة، عن مفاجأة بأن من أشهر اليهود من ساكنى الحارة، «موشى ديان» وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق، مؤكدًا أن الحارة مازالت تحتفظ بمنزله والذى يحمل نجمة «داود» على بابه، لافتاً إلى أن ليلى مراد من أشهر قاطنى هذا المكان التاريخى أيضاً.

ويحكى الحاج «سعيد» أحد سكان الحارة عن أشهر الصناعات والمهن التى عرفها اليهود بالحارة مثل تجارة الذهب وصناعة النسيج والخياطة، مشيرا إلى أن الأغنياء منهم عمل بتجارة الذهب فى حين لجأ الفقراء منهم إلى صناعة النسيج والمخللات.

وعن شعائرهم الدينية، قال: «مكناش بنشفهم يمارسوا شعائرهم الدينية كانوا بيمارسوها فى السر، وكانوا بيرموا علينا السلام»

بصعوبة شديدة تمكنا من المرور وسط أطنان من البضائع المتكدسة على جانبى الحارات الضيقة، لتصل فى نهايتها لمعبد «موسى بن ميمون» الذى قامت وزارة الآثار بترميمه منذ عدة سنوات، فقضت على معالمه وجعلته مبنى «لقيطاً» لا أصل له، كما يقول رءوف عباس مدير معبد بوابة السماء « الكائن بشارع عدلى والذى يمارس اليهود بمصر شعائرهم بداخله، وصمم على يد المهندس اليهودى موريس قطارى، ويعد من أكبر المعابد اليهودية ويضم مكتبة كبرى تحوى أكثر من ٢٥ ألف كتاب.