عادل حمودة يكتب: التنظيمات الشعبوية الأمريكية تهدد بحرب أهلية سواء بقى ترامب أم جاء بايدن

مقالات الرأي



ترامب: وراء كل باب حزمة ديناميت جاهزة لتفجير البلاد 

وزير الدفاع جيمس ماتيس بعد استقالته: ترامب تجاوز مرحلة الغباء إلى مرحلة الغباء الشديد 

وبايدن شؤم على من حوله ويعانى من شيخوخة مبكرة بعد علاجه من تمدد الأوعية العقلية مرتين فى عام واحد

عندما تحكم هذه البلاد أو تديرها ستجد وراء كل باب حزمة ديناميت جاهزة لتفجرها.

بنفسه وبلسانه وفى كامل وعيه سجل ترامب تلك الجملة المخيفة فى مقابلة ــ من 18 مقابلةــ أجراها معه الصحفى الأمريكى الشهير بوب وود ورد ونشرها فى كتابه الأخير: الغضب لكنه أضاف إليها من عنده: إن ترامب هو الديناميت الذى سيفجر البلاد.

نشر الكتاب فى نصف سبتمبر الماضى.. فى وقت التصويت بالبريد فى الانتخابات الرئاسية بين ترامب وبايدن.. وقبل 19 يوما من اليوم الكبير فى الثالث من نوفمبر.. ليوجه إلى ترامب لكمات حادة إن لم تكن قاضية فى وقت حرج جدا.

لابد أن 100 مليون ناخب صوتوا فى الانتخابات مبكرا تأثروا بما جاء فى الكتاب ولابد أن ما تبقى من الناخبين 145 مليون مواطن لن ينجو من التأثير.

فى الكتاب ذبح ترامب نفسه بنفسه حين اعترف بأنه تلقى فى 28 يناير تقارير سرية من مستشار الأمن القومى روبرت أوبراين تؤكد أن خطورة وباء كورونا أعلى من خطورة وباء الأنفلونزا الإسبانية التى قضت على 50 مليون شخص منهم 675 أمريكيا فى عام 1918 ولكن ترامب خرج ليكذب على الأمريكيين مستهينا بالفيروس مشجعا على إهمال الوقاية الطبية وتعليمات الحماية الشخصية وأدى تصرفه غير المسئول إلى إصابة 6 ملايين ووفاة 185 ألفاً منهم ولولا العناية المكثفة التى تلقاها بعد إصابته بالفيروس لكان قد أضيف إليهم.

لكن الأسوأ أن الجائحة أجهزت على إنجازاته الاقتصادية التى جعلت استمراره فى البيت الأبيض أمرا مسلما به.

بعد 40 يوما قضيتها فى أكثر من مدينة أمريكية غادرت واشنطن قبل غلق المطارات بسبب الكورونا عائدا إلى القاهرة مسجلا لترامب ارتفاعا كبيرا فى شعبيته بعد أن سجلت المؤشرات الحيوية فى الاقتصاد تحسنا ملحوظا: توفير 10 ملايين فرصة عمل.. هبوط البطالة إلى أقل من 3 %.. خفض الضرائب بنسبة 9 %.. وزيادة أسعار العقارات بنسبة أسعدت الطبقات الوسطى.

ولكن فشل ترامب فى التعامل مع الجائحة أفقده فى ساعات ما أنجزه فى سنوات.

وإلى جانب فشله فى التعامل مع ملف الكورونا فشل فى تعامله مع ملفات أخرى سياسية وعسكرية ومنها الملف السورى مما جعل وزير الدفاع جيمس ماتيس يستقيل من منصبه فى 31 ديسمبر 2018 بعد نحو السنة قائلا: إن ترامب تجاوز مرحلة الغباء إلى مرحلة الغباء الشديد.

وأكمل الدكتور أنطونى فاوتشى - مدير المعهد الوطنى للحساسية والأمراض المعدية ومسئول ملف الكورونا ــ على ما تبقى من ترامب عندما وصف تركيزه بأقل من الصفر ووصف إدارته بأنها بلا دفة وبلا هدف.

ولم يكن رأى صهره جاريد كوشنر فى صالحه حين قال لبوب وود ورد: إن ترامب متقلب يتخذ قراراته طبقا لمشاعره ودوافعه الغريزية وليس بالدراسة ومراجعة المستشارين.

شخصية بتلك المواصفات المختلة المنفلتة هل ستسلم مفاتيح البيت الأبيض لو خسر الانتخابات؟.

لكن السؤال الأهم: هل منافسه أفضل منه؟.

فى يوم 20 من الشهر الجارى سيصل عمر المحام وأستاذ القانون والسيناتور جوزيف روبينيت بايدن الابن إلى 78 سنة متأثرا بأعراض الشيخوخة ومنها ضعف التركيز وقلة رد الفعل والنوم وسط الاجتماعات أحيانا ويرجع البعض ما يعانى منه إلى إصابته بتمدد فى الأوعية الدموية العقلية فى فبراير عام 1988 ونقل إلى المستشفى مرتين.

فشل بايدن فى الحصول على ترشح الحزب الديمقراطى مرتين فى عام 1988 وفى عام 2008 ولولا أن اختاره أوباما نائبا له لظل السيناتور العجوز فى مكانه متمتعا بعضوية مجلس الشيوخ ست مرات وإن تولى فيه رئاستى اللجنتين القضائية والخارجية.

اعتبره البعض شؤما على من يتعامل معه بعد وفاة زوجته نيليا وابنته نعومى فى حادث سيارة عام 1972 وإصابة ووفاة ابنه بو بالسرطان عام 2015 واتهام ابنه هانتر بالفساد عام 2019.

تحمس بايدن لتدخل الناتو فى حرب البوسنة وأيد غزو العراق بل دعا إلى تقسيمه إلى ثلاث دولة: شيعية وسنية وكردية ويقبل بحل الدولتين فى المشكلة الفلسطينية وإعادة الطرفين إلى التفاوض وساند أوباما فى إقرار الاتفاق النووى الإيرانى.

وبسبب الكورونا ارتفعت أسهم بايدن فى استطلاعات الرأى العام، إن تنبؤات المنجمين ونتائج استطلاعات الرأى العام ترشح جون بايدن للفوز وتنحاز الميديا الأمريكية إليه وتنضم إليها مساحات مؤثرة من مواقع التواصل الاجتماعى مما جعل ترامب يطالب بتعديل المادة 230 من الدستور التى تحمى شركات الإنترنت من المحاسبة لو نقلت آراء غيرها على شبكاتها.

وبصعوبة نال بايدن ترشيح الحزب الديمقراطى لخوض الانتخابات الرئاسية بعد وصفه بـأنه أفضل السيئين لكن أفضل السيئين أصبح أفضل المرشحين فى تنبؤات المنجمين واستطلاعات الرأى العام للفوز فى الانتخابات الجارية بعد أن فشل ترامب فى ملف الكورونا.

لكن بدا واضحا أن ترامب لن يسلم بسهولة مفاتيح البيت الأبيض وشكك مبكرا فى التصويت عبر البريد مشيرا إلى سهولة تزويره مطالبا بفحص كل حالة على حدة وهو أمر صعب الحدوث مع ما يزيد على 75 مليون حالة غالبيتها من الديمقراطيين الذين صوتوا مبكرا ليرصدوا اتجاه الريح بينما انتظر الجمهوريون إلى اليوم الكبير ليجهزوا الخطة المناسبة للفوز.

بل أكثر من ذلك تحدث ترامب أكثر من مرة عن رغبته فى تعديل الدستور للبقاء مدة رئاسية ثالثة فهل يقبل شخص مثله بالتسليم السلس للسلطة؟.

ويستخدم ترامب أسلوب التخويف من البديل.

يحذر من انهيار الاقتصاد وسيادة الخراب لو وصل بايدن إلى الرئاسة مؤكدا أنه سيكرر سياسة سلفه أوباما داخليا وخارجيا ليكون الحاكم الفعلى للبلاد وليظل بايدن فى منصبه السابق نائبا له.

ويحذر من حرب مع الصين ــ التى حملها مسئولية فيروس كورونا ــ ويؤكد أن ما حدث بين أرمينيا وأذربيجان بروفة لمواجهة قادمة أشد سخونة بين واشنطن وبكين.

ويحذر من تدخل روسى فى الانتخابات سبق أن كان لصالحه فيما قبل.

لكن هذه التحذيرات لن تكفى للبقاء فى البيت الأبيض ويتوقع أن ينقل المعركة الانتخابية إلى المحكمة العليا للفصل فيها إذا ما فاز بايدن بأصوات قليلة كما حدث فى انتخابات عام ألفين بين جورج بوش وآل جور الذى خسر المعركة رغم حصوله على أصوات أعلى.

المعروف أن الفوز فى الانتخابات الأمريكية يكون لمن يحصل على الأصوات الأعلى فى المجمع الانتخابى المكون من 538 عضوا ويحدد نصيب كل ولاية منهم عدد سكانها ويكون عددهم مساوٍ لعدد ممثليها فى مجلسى الشيوخ والنواب إلى جانب ثلاثة أعضاء يمثلون واشنطن العاصمة.

تتكون المحكمة العليا من رئيس وثمانية قضاة يعينهم رئيس الجمهورية ويوافق عليهم مجلس الشيوخ وفى 26 أكتوبر الماضى اختيرت إيمى كونى باريت قاضية فى المحكمة خلفا للقاضية روث بادر جينسبرج لتنضم إلى قائمة القضاة الكاثوليك المحافظين الأكثر ميلا إلى الجمهوريين لتصبح الأغلبية بين القضاة لصالحهم وفشلت محاولات الديمقراطيين فى رفض اختيارها بسبب أغلبية الجمهوريين فى مجلس الشيوخ.

ولكن الموقف هذه المرة أكبر من أن تحسمه المحكمة العليا.

لو لم يأت قرار المحكمة فى صالح ترامب سيخرج أنصاره إلى الشارع ولو جاء القرار فى صالحه سيخرج أنصار بايدن إلى الشارع وكل حزب جاهز بتنظيماته وميليشياته وأسلحته.. مما يضع الولايات المتحدة أمام كارثة تتجاوز صناديق الانتخابات.. استقطاب حاد غير مسبوق يهدد بالعنف.. انقسام أمة بسبب تركيبتها العرقية غير المتجانسة التى تجاوزتها بعد سنوات من الصراعات وسقوط مئات من الضحايا قبل إقرار قوانين الحقوق المدنية.

من جديد برزت مخالب صراع جديد لاأحد يعرف كيف يبدأ؟.. ولا متى ينتهى؟.. ولا أثره على مستقبل السلطة فى الولايات المتحدة وهيمنتها على العالم.

صراع يمكن أن يصل إلى حرب أهلية جعلت كاتبا مرموقا مثل توماس فريدمان يقول متألما: بدأت حياتى المهنية بتغطية الحرب الأهلية فى لبنان وأخشى أن أنهى حياتى المهنية بتغطية الحرب الأهلية الأمريكية.

فى مواجهة المغالاة اليمنية التى فرضها ترامب على الحياة السياسية بدأت التنظيمات المتطرفة تنشط وتتكاثر إلى أن وصلت إلى 1600 جماعة مثل اليمين البديل و«النازيين الجدد» و«مجلس المواطنين المحافظين و«حزب الحرية الأمريكى» وكلها عنصرية تؤمن بالعنف وترى أنها فوق القانون وأن ترامب يجب أن يستمر رئيسا مهما كانت نتائج الانتخابات.

وفى مواجهتها صعدت حركة أنتيفيا الاحتجاجية المناهضة للفاشية والنازية والمعارضة للرأسمالية ويستخدم أنصارها وسائل متنوعة فى التعبير عن غضبهم من تدمير الممتلكات العامة إلى الضرب والتحرش بمعارضيهم والتشهير بهم ووصفهم بالعنصرية ويتميزون بلبس اللون الأسود وبإخفاء وجوههم كملثمين.

ولو كانت أنتيفيا زادت من انتشارها وزادت من قوتها بعد انتخاب ترامب وخرجت محتجة بعنف يوم تنصيبه فإنها بالقطع لن تقبل بإعادة انتخابه خاصة إذا كان هناك ما يشكك فى فوزه.

وفى بلد يمتلك فيه الناس 600 مليون قطعة سلاح مرخص بواقع قطعتين لكل مواطن تقريبا فإن من السهل إشعال النار فى الحطب الجاف بسبب حادث عابر.

وفى بلد تراجعت فيه السلطة عن تسامحها مع الديانات ومنعت مواطنى سبع دول إسلامية من دخولها كان لابد من شعور نحو ثلاثة ملايين مواطن أمريكى مسلم بالقلق على حريته فى ممارسة شعائره الدينية وربما وجدوا أنفسهم شركاء فى صراعات فرضت عليهم.

وفى بلد لم تطهر السلطة القائمة فيه من مشاعر العنصرية البغيضة التى عانت منها البلاد كان قتل مواطن أسود جورج فلويد فى 25 مايو 2020 بقبضة ضابط شرطة أبيض ديرك تشوفين فى منيابليس ضغطا على رقبته كفيلا باندلاع أحداث عنف تحطمت فيها نوافذ دوائر الشرطة وأشعلت النار فى متاجر ومبان فيدرالية أجبرت ترامب على الاختباء فى مكان آمن بالبيت الأبيض مما ضاعف من تحفز نحو 40 مليون مواطن أمريكى من أصل إفريقى لمواجهة تنظيمات وقرارات ترامب بالسلاح إذا ما لزم الأمر.

إن مأزق أمريكا هذه المرة سيكون مأزقا أمنيا يدفع البلاد إلى حرب أهلية بعد أن دخلت الديمقراطية غرفة الإنعاش وأوشكت على الموت بعد أن عجزت عن نقل السلطة سلميا أو على الأقل دون خسائر فادحة فى التركيبة السكانية والبنية القانونية والرفاهية الاقتصادية والتوازنات السياسية حسب ما يتوقع الخبراء فى مختلف دول العالم.

بديل الديمقراطية يوصف بالشعبوية.

والشعبوية مجموعة من المواقف والتصرفات السياسية المضادة للنخبة والمتجاهلة للقواعد القانونية الحاكمة بدعوى أن الشعب صاحب السلطة المطلقة حسب الدستور

والشعبوية أيديولوجية سيئة تتبناها أحزاب وجماعات ضد النخبة السياسية والاقتصادية والإعلامية التى تصفها بالفساد وتتجاهل القواعد القانونية الحاكمة بدعوى أن الشعبوية تستند إلى الدستور الذى ينص على أن الشعب مصدر السلطات.

ولكن السؤال الغائب هنا: من يمثل الشعب حقا من بين وجود عشرات التنظيمات الشعبوية فى البلاد؟ ولو كان كل تنظيم يرى أنه ممثل الشعب أليس متوقعا أن يعلن الحرب على باقى التنظيمات المنافسة للتخلص منها؟.

وفى هذه الحالة هل هناك تسمية أخرى للحرب غير الحرب الأهلية؟.

وهل هناك بديل لتجنبها وتجاوز الفوضى المسببة لها؟.

الإجابة المطمئنة على مستقبل الولايات المتحدة تحتاج إلى معجزة فى زمن لم يعد يشهد معجزات.