د. رشا سمير تكتب: حُرية شخصية أم هزيمة مُجتمعية؟

مقالات الرأي




أعتقد أن آخر ما قد يهُم الرأى العام فى هذه الأوقات المحتدمة بالصراعات الخارجية حولنا من كل اتجاه، أن هناك مجموعة من الشباب قرروا أن يسلكوا اتجاها مغايرا للطبيعة البشرية.

لكن الموضوع لا يقف عند فكرة الاختلاف وعما إذا كنا متعاطفين أم لا، الموضوع انتقل إلى مرحلة أكثر تعقيدا وهى مرحلة تقبلنا للمثليين تحت تهديد السلاح!.. والسلاح هنا هو دعاوى التخلف والرجعية والتنمر والقسوة والتهكم وتقييم الآخرين التى تنصب فوق رأس كل من يجرؤ ويقول أنه ضد المثليين والمتحولين جنسيا أو أنهم لا يمثلونه.

إذن القضية أصبحت قضية قمع من أشخاص يتهمون المجتمع بالقمع!.

الموضوع من وجهة نظرى أكبر بكثير من مجرد فتاة شابة ضلت الطريق، وأعلنت عن إلحادها بمنتهى التبجح، ثم أعلنت عن شذوذها بمنتهى الفخر، ثم أنهت حياتها بخطاب تلوم فيه المجتمع فأصبحت بطلة وقدوة لمثيلاتها.. الموضوع أيضا أكبر بكثير من آلاف الفتيان والفتيات الذين قرروا التحرر من الدين والعُرف والأخلاق بدعوى الحرية والاستقلالية..

للموضوع هو تلك الحملة الاستعمارية الناجحة من الغرب لاحتلال عقول شبابنا العربى من خلال صناعة إعلام وأفلام وبرامج تروج لحقوق الشواذ وشرعية وجودهم، والشعار دائما هو أن العالم أصبح أكثر تحررا ومن حق كل إنسان تقرير مصيره.. وآن الأوان للعالم أن يتعاطف مع كل اختلاف ويتقبله!.

وماذا عن الأديان التى حرمت الشذوذ؟ وماذا عن الإساءة للمجتمع بأكمله؟ وماذا عن إذا بُليتم فاستتروا؟

حق المثليين فى الزواج سوف يتبعه حقهم فى التبنى، والحقيقة أن الكثيرين قد لا يريدون أبناءهم مع أبناء هؤلاء فى فصل دراسى واحد، حيث إن الصحة النفسية للطفل هى أساس التربية، وبلا جدال أن الوضع الطبيعى للأسرة هى أب وأم وأبناء، وما بخلاف ذلك سوف يخلق جيلا مضطربا نفسيا وسيكولوجيا، مثل سارة حجازى تلك الفتاة التى بحثت طويلا عن هوية لنفسها وفشلت نتيجة اضطرابها النفسى والعقلى، فهى تارة مُحجبة وتارة مُلحدة وتارة مثلية وتارة مناضلة سياسية، وحين انتحرت انتحلت صفة جديدة وهى اليائسة من رحمة الله سبحانه وتعالى.. واليوم نحن بالقطع لا نملك حسابها لأنها بين يدى من خلقها ليُحاسبها..

بكل أسف، الجهر بالخطأ ليس شجاعة كما يعتقد البعض، ولكنه فجور!.

أما عن الحوار الدائر فى كل بيت بين جيلين، جيل الآباء، وجيل الأبناء، فهذه هى المأساة الحقيقية للموضوع.. اختلاف الفكر والتعليم والزمان، صنع فجوة عميقة بين الجيلين، وخلق حالة من عدم التواصل..

تلك هى العبارة التى يتشدق بها جيل الشباب دون فهم: «هم أحرار وأنتم لستم ربهم حتى تحاسبوهم.. طالما لم يضرونا فليس من حقنا أن نهاجمهم، بل علينا أن نتقبل اختلافهم، هكذا خلقهم الله وهو يتقبلهم».

لا وألف لا.. فالأديان أساسها الأخلاق ولو كان الله سبحانه وتعالى قد خلقهم بداء محدد مثل أصحاب العاهات وذوى الاحتياجات الخاصة لكان دون شك قد تقبلهم وشملهم برحمته، إلا أن قصة قوم لوط خير دليل على عدم شرعية وجودهم، فقد أهلكهم من خلقهم مختلفين وخسف بهم الأرض ثم جعلهم عبرة فى القرآن الكريم.

بنفس منطقهم نستطيع أن نقول إنه ليس من حقنا أو حق القانون أن يُحاسب الزانية والزانى، ولا حتى الدين، طالما هذا يتم بموافقة طرفى الخيانة، ربما أن لهما أسبابهما!.. وليس من حقنا أن نتحدث عن زنى المحارم، ربما وقع الأب فى غرام ابنته، أو انجذب الأخ لأخته، طالما لم يضرا أحدا!.. ولماذا إذن يُعاقب مراقب لجنة الإمتحان الغشاش، إذا كانت واقعة الغش تتم بموافقة الإثنان معا؟!.. وكيف نُعاقب السارق لو كان محتاجا، أو الكاذب لو اضطرته الظروف؟ وماذا لو قرر أحد أن يمشى فى الشارع عاريا تماما، أو ليس جسده وهو حُر فيه؟!..

ألف لماذا، والإجابة واحدة: وأين حق المجتمع؟.

القوانين شُرعت لتنظيم المجتمعات، ونظرية الحُرية الشخصية التى يتشدق بها الشباب لا يطبقونها بدليل أن من يتجرأ ويُفصح عن عدم دعمه وإحترامه للمثليين، يتم الهجوم عليه من جيوش التتار الشبابية ووصفه بالتخلف والرجعية والديكتاتورية الفكرية والتنمر وقمع الحريات!.. إذن من يحجُر على من؟..

الواقع يؤكد على أن الباطل أصبح صوته أعلى ألف مرة من صوت الحق.. والشذوذ الفكرى هزم العقل والأخلاق والدين فى كل المواقع..

(إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا).. تلك هى كلمات سيدنا نوح إلى ربه بعد أن يأس من هدايتهم، إذ يقول له إنك إن أبقيت منهم أحدا أضلوا باقى العباد ممن يأتون بعدهم لأنهم لا يلدوا إلا فاجراً كفاراً.. كيف عرف أن الآتون لن يكونوا إلا أسوأ؟ لأنها التربية يا سادة.. فهى السبب والحل معا..

ما أوصلنا إلى ما نحن فيه اليوم هى تراكمات وسلبيات بسبب غياب البيت وضعف دور الأهل فى التربية، وعدم قدرة المجتمع على خلق قدوة حقيقية تحتوى الشباب بنزواتهم واإختلافهم وضياعهم وانزلاقهم وراء مفاهيم خاطئة.

اختلفنا أم اتفقنا.. فنحن نحتاج إلى حل.. والحل هو التربية.