عبد الحفيظ سعد يكتب: نهاية عصر المحصنين ضد القانون

مقالات الرأي




عزل قيادة قضائية لمخالفة بناء عقار

المبانى المخالفة طريق جديد لخلق بؤر عشوائية جديدة

نشرت الجريدة الرسمية الخميس الماضى، قرارا جمهوريا بعزل نائب رئيس هيئة قضايا الدولة من وظيفته، واكتفى القرار فى مسودته المنشورة بأن العزل جاء بناء على حكم مجلس تأديب هيئة قضايا الدولة، وبناء على ما عرضه وزير العدل.

أثار القرار عدة علامات استفهام، حول أسباب العزل ضد نائب لإحدى الهيئات القضائية، ولم يعد له حساسية خاصة، لتمتع الهيئات بوضعية استقلالية خاصة. لكن عقب القرار انتشرت صور وتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعى لعقار سكنى وإدارى ضخم مبنى ومجهز فى مدخل مدينة جرجا فى محافظة سوهاج بالصعيد.

من هنا جاء الربط بين قرار رئيس الجمهورية بعزل نائب رئيس هيئة قضايا الدولة والبرج المخالف، لتتوالى بعدها المعلومات من محافظة سوهاج عن البرج والذى تحول لمحور الاهتمام.

وجاءت المعلومات أن العقار المذكور والذى بدأ بناؤه قبل عشر سنوات، بدون الحصول على ترخيص وصادر له قرار إزالة بعد أن تم تسجيل 12 قرار إزالة بعد الإنشاء، كان أبرز الأسباب أن العقار تم بناؤه على أرض ملك الدولة، بالإضافة إلى تعديه على حرم الطريق السريع القاهرة - أسوان الزراعى.

ورغم القرارات العديدة، بإزالة العقار المخالف، إلا أنه لم ينفذ أى منها لعدة سنوات، واستمر العقار المخالف والذى صعب التصالح مع حالته، لأنه ليس مجرد بناء على أراض زراعية أو مخالفات ارتفاع كما هو معتاد فى مثل هذه الحالات، بل لأن بناءه جاء على أراض مملوكة للدولة، تعد منفعة عامة لأنه يعيق الحركة فى إحدى الطرق السريعة الرئيسية الدولة.

ولكن يبدو أن المنصب الوظيفى لمالك العقار المخالف حال دون قيام الجهات المختصة بإزالته، للاعتقاد بأن صاحبه يحمل حصانة خاصة.

1- الحسم الرئاسى

لكن طبقا لما ورد من معلومات أن قصة البرج المخالف، تم تصعيدها لأعلى الجهات السياسية فى البلاد، وتم عرض الأمر عليها، وتم فتح تحقيق فيه ليس فقط فى قصة البرج، بل أيضا لمن يقف وراءه.

وبناء عليه تم التحقيق مع صاحب المخالفة من قبل الهيئة التأديبية الخاصة بالهيئة التابع لها، وبإشراف وزارة العدل، وهو ما تسبب فى إصدار قرار عزل نائب رئيس الهيئة من وظيفته.

وبناء عليه بدأت الأجهزة التنفيذية فى محافظة سوهاج فى بدء تنفيذ إزالة العقار الفخم بطوابقه الـ11، بعد أن أظهرت الدولة أنه لا تحصين لأحد من أعمال القانون، بما يضع طريق البداية لإنهاء عصر التحصن ضد القانون، خاصة أن التحرك كان ضد أحد المنتسبين للهيئات القضائية والتى لا يقبل أعضاؤها أن ينسب لهم ارتكاب تجاوزات ضد المصلحة العامة، خاصة أن مخالفات البناء تلك انتشرت كالنار فى الهشيم عقب ثورة 25 يناير والتى أدت لتآكل ما يزيد على مائة ألف فدان من الأراضى الزراعية، وفقا لتقديرات وزارة الزراعة، وتحولت الكتل الإسمنتية، لسمة عامة فى كل القرى والمدن المصرية من جنوبها لشمالها، مما يهدد الرقعة الزراعية بشكل كبير.

وتعد واقعة عقار جرجا والذى انتشر صيته مؤخرا، بمثابة تنبيه بأن الدولة فى المرحلة المقبلة، قد تتخذ إجراءات أكثر صارمة تجاه المخالفات، دون استثناء، وهو ما أكدت عليه مصادر فى الوزارات المعنية خاصة التنمية المحلية والمحافظات بأن تعليمات صدرت للتعامل بحزم مع المخالفات، دون تحصين لأحد سواء كان فى مناصب تنفيذية أو قضائية أو برلمانية فى الفترة المقبلة.

2- سوس المحليات

ولكن لابد من الإشارة هنا إلى أن تحركات الدولة لابد أن يتزامن معها، فتح ملفات فساد المحليات، والتى تعد حجر الزاوية الرئيسية فى أزمة المخالفات وتجاوزات القانون فى البناء المخالف، والذى تعدى فكرة الاعتداء على الأراضى الزراعية فقط بل يمثل أيضا خطرا على البنية التحتية بشكل عام نتيجة أن البناء المخالف، يعد البذرة الأولى للعشوائيات، والضغط على الخدمات والمرافق والطرق، نتيجة أن غالبية البناء الذى يقام، يتم بدون تخطيط للمرافق أو الطرق.

وتجاوز الأمر فى البناء المخالف، مجرد التعدى على أراض زراعية، بل إنه يفتح الطريق لآلاف العشوائيات الجديدة، بينما تحاول الدولة القضاء على العشوائيات القديمة، فالمبانى المخالفة لا تخضع لقانون البناء وتنشأ غالبيتها المخالفة فى البناء والتصميم.

ولعل هذه النقطة تحديدا يتنبه لها جيدا الرئيس السيسى، والذى نبه لخطورة البناء المخالف والذى يخلق بؤرا جديدة للعشوائيات، وذلك عند افتتاح مشروع «بشاير الخير 3» بمحافظة الإسكندرية وهو المشروع الذى يستهدف تصفية بؤر العشوائيات فى مايو الماضى، عندما قال: «هذا حال 50% من مبانينا، هذا حال 50% من مساكن مصر، هل هذا سيخرج نشأ جيدا، ويخلق صحة جيدة، يجب الوقوف أمام ذلك، هو أمر ليس فى مصلحتنا، ويتطلب منا التحرك الدائم من فضلكم مدير الأمن والمأمور والمحليات، أعزل وأمشى وتصرف بما ينفع».

وأكمل الرئيس السيسى: المخطط عندما يوضع تخطيطه للمنشآت يعمل حساب سعة الكيان الجديد أن يكون مقبولاً ومستوعبا ويتحرك فيه بسهولة، بل إن الرئيس انتقد أداء المحافظين على مدى 20 عاما، قائلا «لم يفكر أحدهم فى إيقاف إصدار تراخيص لوقف النمو العشوائى فى كل المحافظات»، موجها حديثه للمحافظين: «من حقك تقولى لن أعطى تراخيص للعمل على وقف البناء العشوائى أو غيره».

ويعد تصريح الرئيس السيسى فى نفس اللقاء بمثابة توجه منه للمسئولين لمعاقبة مسئولى المحليات، والذين تسببوا فى الكارثة عندما قال: «المخالفات إذا لم تحاسب.. سنظل طول عمرنا نجرى وراها، إذا كان لدينا 10 آلاف مخالفة لابد من القبض على 10 آلاف شخص ممن تسببوا فى المخالفات».

وربما يكون توجه رئاسة الجمهورية فى الحسم مع قضية المخالفات بداية للطريق الصحيح فى محاربة العشوائيات والتى تبدأ عندما يحدث تجاوز واحد فى البناء ويتحول هذا التجاوز لقاعدة يسير وراءها الآخرون، حتى تتحول شيئا فشيئا العشوائيات قانوناً يحرك الجميع، فهل ستكون البداية لنهاية عصر المحصنين ضد القانون؟