منال لاشين تكتب: السلطان الحائر

مقالات الرأي



بحثت كثيرا عن مسرحية السلطان الحائر لكاتبنا الكبير توفيق الحكيم فلم أجدها.وللمسرحية صدى وذكريات جميلة فى عمرى فضلا عن كونها من أهم مسرحيات الحكيم وترجمت للفرنسية بعنوان الاختيار. ولمن لم يقرأ المسرحية فهى تدور فى العصر المملوكى.. سلطان محبوب من شعبه لأنه وفر العدل والأمن والرخاء لشعبه. ولكنه واحد عادى من الناس ليس له نفوذ عائلى أو شخصى يكشف للناس فى السوق أن السلطان ما زال عبدا وأن السلطان السابق لم يعتقه. ولذلك لا يجوز أن يستمر السلطان المحبوب العادل فى الحكم لأنه مملوك للدولة. ويكتشف السلطان أن ما يردده الشخص حقيقيا. ويكون على السلطان أن يختار بين رأيين.. الوزير يرى أن قتل الرجل مبررا بقوله (ماذا يهم سفك قليل من الدم فى سبيل صلاح الحكم؟)، بينما قاضى القضاة يشير على السلطان اتباع القانون ولو اضطر السلطان أن يعرض نفسه فى مزاد علنى ليحرر نفسه من العبودية. الاختيار الحقيقى أو بالأحرى أزمة السلطان فى الاختيار بين سيف يفرضه على الناس وقانون يعرضه لمهانة البيع فى مزاد. ويختار السلطان الطريق الصعب..طريق القانون.

وقد قرأت هذه المسرحية وأنا فى سن الـ11 لأننى كنت أحب أن أقرأ كل ما يقرأه شقيقى الحبيب الراحل. وعندما انتهيت من قراءتها سألنى شقيقى عما فهمته من المسرحية، فأسرعت بالقول إنه سلطان حمار، وتوقعت أن يغضب شقيقى من الكلمة ولكنه ضحك طويلا وسألنى لماذا أرى السلطان حمارا؟. فقلت له إن السلطان محبوب وطيب وعادل وبدلا من البهدلة كان من الأفضل أن يسجن الرجل الذى اكتشف أنه لا يزال عبدا. فنصحنى شقيقى الحبيب أن أنتظر مدة ثم أعيد قراءتها. وبعد عامين أو ثلاثة أعدت قراءة المسرحية، وكنت فى هذه الفترة المضطربة من المراهقة أبحث عن أبطال فى الحياة والكتب وفى الأغانى. وتوقفت عن موقف القاضى الشجاع وعدم خوفه من السلطان رغم خطورة اقتراحه المهين. تصورته واقفا فى شموخ مدافعا عن القانون، مقنعا السلطان أن شرعيته الحقيقية واستقرار حكمه يكمن فى احترام القانون. تصورته فارسا وهو يحذر السلطان من الاعتماد على السيف لأن الدم يجلب مزيدا من الدم. وجريت على شقيقى الحبيب وقلت له رأيى. ففرح بى وقال لى إننى فهمت المغزى من المسرحية. وشرح لى أنها مسرحية رمزية قصد بها الحكيم نقد الأنظمة التى تعتمد على السلطة والقوة ولا تحترم القانون. وجلس شقيقى يشرح لى بطريقة مبسطة استقلال القضاء كإحدى ركائز أى حكم الدولة وضمانة لا غنى عنها لحماية المواطنين والمجتمع.

ومنذ أسابيع وأنا أشعر بحنين جارف لإعادة قراءة مسرحية السلطان الحائر، ولا أعرف إذا كان مصدر هذا الحنين بمناسبة معرض الكتاب أم حنينا وشوقا لشقيقى الذى كانت هذه المسرحية ثالثنا فى أكثر من مناسبة. أم سببا آخر.