مى سمير تكتب: أسبوع الانقلابات السياسية من باريس إلى واشنطن

مقالات الرأي



ميركل ترامب ماكرون
تغادر منتصرة التعاون مع الروس يهدده على صفيح ساخن


بينما تغادر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل زعامة حزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى، استعدادا للخروج من المشهد السياسى بالكامل بعدما تصدرته لسنوات، يخوض الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون معركة تحديد مصير فى مواجهة السترات الصفراء.

ليس ذلك فحسب، بل يعيش الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أيضا مشهدا جديدا فى مسلسل فضائحه السياسية، التى تحاصره منذ لحظة دخوله البيت الأبيض، وإن كانت الفضيحة هذه المرة هى الأخطر على مستقبله السياسى.

المؤشرات هذا الأسبوع تؤكد أن مغادرة المشهد السياسى وأنت منتصر قد تكون أفضل بكثير من البقاء على رأس السلطة وأنت تعانى، بينما مصيرك مهدد، ميركل اختارت المغادرة بإرادتها فتمت مكافأتها، بينما يبقى ترامب وماكرون على رأس سلطة مهددة بالانهيار فى أى لحظة.

1- أقوى امرأة فى العالم

تغادر ميركل زعامة الحزب وهى منتصرة، تخرج من المشهد السياسى وهى تدرك أن بصمتها قوية ومستمرة، تعتزل العمل وهى مرفوعة الرأس مدركة أنها بالفعل تستحق لقب المرأة الأقوى فى العالم.

تسع دقائق من التصفيق الحار، هكذا احتفل حزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى بالمستشارة الألمانية التى ترأسته على مدار 18 عاما، بعدما غادرت ميركل منصبها خلال مؤتمر الحزب فى هامبورج الجمعة الماضى، بعد اختيار زعيمة جديدة، هى أنجريت كرامب كارينباور، تلميذة ميركل، التى لم تشعر فقط بالامتنان كما صرحت، ولكن أيضا بالانتصار، بعد ضمان أن الحزب لن يحيد عن الخط الذى رسمته له.

عندما تولت ميركل زعامة حزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى، واجهت قدرا كبيرا من الشكوك بين بعض أعضاء الحزب، امرأة غاضبة، بروتستانتية، من ألمانيا الشرقية، ذات غرائز وسطية فى حزب يهيمن عليه تقليديا رجال كاثوليك محافظون متشددون من غرب ألمانيا.

وقال المستشار مندوبى هامبورج، إن الحزب كان على ركبتيه عندما احتلت ميركل زعامته، بسبب فضيحة تمويل، وقادت حزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى مرة أخرى إلى السلطة الوطنية فى عام 2005، وهى موجودة منذ ذلك الحين.

إن نطاق تحدى كرامب كارينباور فى توحيد حزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى واضح من هامش فوزها، حيث فازت بأقل من 52% من الأصوات فى جولة الإعادة، ضد فريدريك ميرز، وهو ناقد مخضرم لـميركل، أراد تغيير اتجاه الحزب صوب اليمين.

كما تم إقصاء وزير الصحة ينس سباهن، ذو التوجه اليمينى فى الجولة الأولى من التصويت، ولكن فى سن الـ38، من المرجح أن ينمو نفوذه فى السنوات القادمة. لكن بالتأكيد يأتى فوز كرامب كارينباور باعتباره انتصارا أخيرا لميركل تتوج به مشوارها السياسى الطويل، خاصة أنه إذا تولى ميرز أو سباهن منصب قائد حزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى، ربما لم تكن ميركل قادرة على البقاء كرئيس للحكومة الألمانية.

2- الرئيس المتعجرف

تطورت حركة «السترات الصفراء» إلى انتفاضة عفوية ضد ارتفاع تكاليف المعيشة وضريبة جديدة مخطط لها على الوقود، حيث لم تدعمها أى أحزاب سياسية أو نقابات عمالية أو غيرها من كيانات المجتمع المدنى، وتم تنظيمها عبر الإنترنت.

واكتسبت أبعادا وطنية ويدعمها اليوم حوالى 85٪ من الرأى العام، لقد بدأت مظاهرات «السترة الصفراء» مع استياء من ضرائب الوقود، وتحولت منذ ذلك الحين إلى شيء أكثر غموضا وأقوى، وهى موجة متزايدة من القلق الاقتصادى والطبقى، التى تضغط على الحكومة على نحو غير مسبوق.

يتذكر التاريخ الإنسانى كيف تتمتع الانتفاضات العفوية بشعبية لدى الشعب الفرنسى، إذ بدأت الثورة الفرنسية عام 1789 بسقوط الباستيل فى 14 يوليو، بعد هجوم عفوى من قبل كولنز فى فرنسا، بعد ذلك انتشرت المزيد من الانتفاضات بشكل عفوى، واستهدفت دائما الحكومة القائمة.

آخر وأهم الحركات العفوية كانت الثورة التاريخية لطلاب مايو 1968، وتجدر الإشارة إلى أن النشيد الوطنى الفرنسى يحث المواطنين على الثورة، حيث يتضمن عبارات مثل « إلى الأسلحة، المواطنين، شكل كتائبكم».

هذا الأسبوع، عانت حكومة ماكرون من أكبر هزيمة سياسية ورمزية حتى الآن، عندما قالت إنها ستلغى زيادة مقترحة لرفع ضريبة الوقود من ميزانية 2019 بعد أسابيع من الاحتجاجات المتصاعدة، ربما بدأت حركة الاحتجاج كرد فعل غاضب ضد أسعار الوقود لكنها امتدت إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى الحد الذى يصعب فيه تحديد ما تريد تحقيقه بالضبط.

المشكلة التى تواجهها الحكومة والشرطة هى أن الشيء الوحيد الذى يوحد حقا المجموعة المتفرقة من مثيرى الشغب، الذين تسببوا فى الفوضى التى تشهدها باريس فى عطلة نهاية الأسبوع هو الكراهية الشخصية للرئيس الفرنسى.

وتعتقد الأغلبية العظمى من المتظاهرين أن رئيس الدولة الذى يطلقون عليه اسم «رئيس الأغنياء»، لا يمثل سوى أولئك الذين يعيشون فى هذا النوع من المناطق التى دمرها العنف العشوائى الذى يقع أسبوعيا يوم السبت، ويبدو أنه لن يتوقف فى الأسابيع القادمة.

على أى حال، مهما سيحمل المستقبل لحركة «السترات الصفراء»، فإن الحقيقة هى أن ذروتها خلال الأسبوع الماضى قوضت بشكل خطير سلطة إيمانويل ماكرون داخل فرنسا وخارجها، الأمر لا يتعلق فقط بانخفاض شعبيته إلى حوالى 20٪ فى فرنسا، ولكنه يهدد أيضا قدرته على قيادة الاتحاد الأوروبى فى هذا الوقت الحرج.

ومن المقرر أن يعقد القادة الأوروبيون 27 + 1، هذا الأسبوع قمة نهاية العام يومى الخميس والجمعة 13-14 ديسمبر، ومن المتوقع أن تتخذ قمة الاتحاد الأوروبى قرارات تاريخية حول مستقبل الاتحاد الأوروبى، ويرغب ماكرون فى أن تكون تلك القرارات محورية بالنسبة للإصلاح العميق وتعزيز تماسك الاتحاد.

ويقول إن الاتحاد الأوروبى إما أن يصبح اتحادا قويا أو سيبدأ فى الانهيار، إن أهم الإصلاحات التى تريدها باريس هى الإدارة الاقتصادية الحقيقية فى منطقة اليورو، حيث يتمتع وزير المالية الحقيقى بميزانية كبيرة ذات أهمية اقتصادية كبرى، حيث يدعم الشمال الأوروبى القوى اقتصاديا الجنوب الذى يعانى.

على نفس المنوال، يريد ماكرون آلية مشتركة فى منطقة اليورو، لضمان فعالية الودائع المصرفية المشتركة، ولا تستطيع المستشارة أنجيلا ميركل، رغم كونها الأكثر انفتاحاً على مثل هذا النقاش فى ألمانيا، أن تدعم جوهر رؤية ماكرون لأوروبا. ويعتقد معظم الألمان أن فرنسا و«الجنوبيين الكسالى» يريدون من ألمانيا أن تدفع ثمن العجز فى حكومات الجنوب وقروض بنوكهم المعيبة.

وفى الأسبوع الماضى، أعد وزراء المالية فى الاتحاد الأوروبى هذه الإصلاحات من أجل مستقبل أكثر تماسكاً للاتحاد، استغرق الأمر 18 ساعة للتوصل إلى حل وسط، وقد واجهت مقترحات باريس لعدة أشهر ما يسمى «التحالف الشمالي»، بما فى ذلك هولندا، وهذا البلد الأخير يبدو أصعب من ألمانيا، حتى الآن، ونفى الهولنديون حتى مناقشة رؤية ماكرون للاتحاد الأوروبى.

3- أزمة ترامب

كشف المحامى روبرت مولر، مساء يوم الجمعة الماضى، عن آخر الإفادات فى تحقيقاته بشأن التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية عام 2016، والتى تشكل تطورا قد يؤدى إلى نهاية رئاسة ترامب.

قال ممثلو الادعاء فى مانهاتن إن مايكل كوهين، المحامى الخاص السابق للرئيس ترامب، اتخذ إجراءات خلال سباق عام 2016 وفقا لأمر من ترامب بهدف التأثير على نتيجة الانتخابات. وفى إفادة قضائية، قال ممثلو الادعاء فى منطقة جنوب نيويورك إن كوهين دفع لامرأتين -وهما نجمتا أفلام البورونو ستورمى دانيلز وعارضة بلاى بوى السابقة كارين ماكدوجال- لمنعهما من الادعاء علانية بأن كلتا السيدتين كانتا على علاقة جنسية مع ترامب فى وقت كان فيه متزوجا.

وقال المدعى العام: «إلى جانب الدفعات المالية التى قدمها للسيدتين، اعترف كوهين أنه تعامل مع شخص سعى للتأثير على الانتخابات من الظلال»، وفى إفادة منفصلة فى المحكمة، قال مولر إن السيد كوهين التقى مع محققيه سبع مرات وقدم معلومات كانت «جوهرية فى تحقيقاته».

وكان أحد البيانات التى تم توضيحها فى الوثيقة هو أن مواطنا روسيا قد اتصل بالسيد كوهين فى نوفمبر 2015، لاقتراح عقد اجتماع بين ترامب والرئيس الروسى فلاديمير بوتين والذى تم عرضه كطريقة لمساعدة قطب العقارات فى ذلك الوقت على بناء برج ترامب فى روسيا.

لطالما أنكر ترامب أى علاقة مع روسيا ويصف تحقيق مولر أنه «مطاردة ساحرة». لكن الإفادات أظهرت أن هناك روابط أكثر بين مسئولى حملة ترامب وروسيا.

وقفز الديمقراطيون على ملفات المحكمة، قائلين الملفات القضائية قدمت المزيد من الأدلة على أن ترامب قد اتخذ إجراءات يمكن أن تبرر العزل، وقال جيرى نادلر، وهو ديمقراطى من نيويورك يرأس اللجنة القضائية فى مجلس النواب اعتبارا من يناير القادم، إن الأدلة الجديدة أظهرت أن ترامب كان فى قلب عملية تزوير كبيرة ضد الشعب الأمريكى، وأن مجلس النواب، الذى سيتحول إلى السيطرة الديمقراطية فى يناير، سيحقق فى الأمر.

وقال كريس ميرفى، وهو عضو ديمقراطى فى مجلس الشيوخ من ولاية كونيتيكت، إن الإفادات التى قالت إن ترامب أمر السيد كوهين بتسديد الدفعات أظهرت أن التحقيق «انتقل إلى مرحلة جديدة»، ما يعرض السيد ترامب لخطر أكبر.

وأضاف: «لقد دخل الرئيس الآن إلى نفس المنطقة التى أدت فى النهاية إلى استقالة الرئيس نيكسون». كما قال السيد ميرفى لتليفزيون «إيه بى سي»: «الرئيس نيكسون كان متآمراً غير متعاون».

وقال ماركو روبيو، عضو مجلس الشيوخ الجمهورى، إنه لن يصدر حكم على ترامب إلى أن ينتهى مولر من تحقيقه، لكنه أضاف أنه كان أسبوعا سيئاً للسيد كوهين وبول مانافورت، رئيس حملة ترامب السابق الذى تم اتهامه بانتهاك شروط اتفاقه مع السيد مولر.. المؤكد أن مستقبل الرئيس الأمريكى ترامب قد أصبح على المحك مع هذه التطورات الأخيرة.