سامي جعفر يكتب: "الإخوان" تخترق الأزهر من نافذة "تجديد الخطاب الديني"

مقالات الرأي



"كبار العلماء" هاجمت مخالفيها فى المساواة بالميراث بنفس منطق المتطرفين والإرهابيين


لا تستطيع أى سفينة السير فى اتجاهين، فى نفس الوقت، وإلا لن تصل أبداً إلى مرسى أو هدف، وكذلك لا يمكن للدول والأوطان، أن تدار بسياستين، ومفاهيم مزدوجة، قوانين عادلة وظالمة، فى آن واحد، وإجراءات تدعى المساواة وترسخ التمييز فى نفس اللحظة.

منذ أيام أقر الرئيس التونسى، الباجى قائد السبسى، قانوناً يسوى بين المرأة والرجل فى الميراث، وانتقل الجدل المثار حول القضية إلى مصر بسرعة الضوء، والتى كانت لا تزال تعيش توتراً شديداً بعد إعلان الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، فى كلمته باحتفالية الدولة بالمولد النبوى الشريف، تمسكه بموقفه من قضية تجديد الخطاب الدينى، وبالإشارة إلى أن السنة تمثل ثلاثة أرباع الدين، ما يعنى رفضه لأى دراسات علمية فى التراث المنسوب إلى النبى، بالمخالفة لأى قواعد علمية درسها الشيخ نفسه. سرعان ما انضمت هيئة كبار العلماء إلى الشيخ الذى يترأسها، لتهاجم المؤيدين للمساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث، وتعتبرهم حسب البيان الصادر عن الهيئة فى 26 نوفمبر الجارى، يحقرون ويستخفون ويقللون من قيمة «الثوابتِ الشَّرعيةِ المُحْكَمةِ»، «المعلومةٍ مِن الدِّينِ بالضرورةِ»، وأن «حَمْلةُ التشنيعِ الجائرةُ على الشَّريعةِ فاقت كلَّ حُدودِ العقلِ والإنصافِ».

واستخدمت الهيئة كما هو واضح نفس التعبيرات التى تستخدمها الجماعات المتطرفة من الإخوان إلى داعش مروراً بأمراء الدم، دون أن تلتفت لبديهة أن أى رأى تظل له وجاهته مهما تعرض لهذا النوع من التشويه الخشن المفتقد لأى أساس علمى لأن الهيئة لم تهتم بالعلوم الشرعية قدر اهتمامها بترسيخ سلطتها على المعتقدات والأفكار، وتأميم العقل لصالحها مستخدمةً التخويف من جهنم وضرب استقرار المجتمع أداة لتكميم الأفواه.

لم تهتم الهيئة بكيفية استقبال الطلاب والمواطنين العاديين لبيانها الذى يدعم - بحسن نية-، محاولات جماعات الدم اختراق الأزهر، الذى يتخرج من جامعته أعداد كبيرة من الشباب الكاره للتفكير والمتعطش للدم والمؤمن بالتطرف، وبعد ذلك تستغلهم هذه الجماعات فى حروب واسعة تغطى الدول العربية والإسلامية، من اليمن إلى سوريا مروراً بالعراق، ويزرعون القنابل والسيارات المفخخة فى أوروبا بدلاً من نشر الأمن والمحبة بالحكمة والموعظة الحسنة.

يعيش المواطنون فى الدول الديمقراطية التى نتمنى أن تصبح مصر منها، سواسية أمام القانون، فى كل تفاصيل الحياة، لا فرق لأبيض على أسود ولا لرجل على امرأة إلا بالمهارة فى العمل والإخلاص فيه، ولا يمكن أن تحرم إنساناً من حق لمجرد أن الله خلقه أنثى، أو أنه أسود اللون.

ولا أعرف حتى هذه اللحظة ما هو سر صمت الأزهر وهيئة علمائه الكبار، على ممارسات التمييز واللامساواة المنتشرة بمجتمعنا، إلا إذا كانا راضين أو أنهما الأزهر والهيئة يريان فى الصمت وسيلة لغلق أبواب يخشون فتحها، خصوصاً أن الدكتور الطيب شيخ الأزهر، اعترف فى برنامج أذاعته فضائية «سى بى سى»، للإعلامى محمد سعيد محفوظ، أن أى مجدد يخشى بالفعل من رد فعل المجتمع لو نطق بالحقيقة.

يمكن أن يرى الأزهر رأياً فقهياً فى أى مسألة ولكن ليس من حقه أن يحتكر التعبير عن وجهة نظر الدين، فى مواجهة رأى أحد أساتذته، بزعم أن رأيه لا يمثل الأزهر، خصوصاً أن الأزهر نفسه مجرد مجموعة آراء ليست صحيحة بالضرورة، ولا يمكن للأزهر أن يدافع عن السنة بشكل عام ويصور منتقديها فى الوقت نفسه أنهم يرفضون أمراً قال به النبى صلى الله عليه وسلم، لأن القضية لم تكن أبداً كذلك.