عادل حمودة يكتب: سكان يتكاثرون بسرعة الأرانب وموارد تتمايل بسرعة السلحفاة

مقالات الرأي



مليونا مولود كل سنة يتقاتلون على اللقمة الأخيرة فى رغيف العيش الحاف

رجال الدين ونواب البرلمان الذين سيقفون ضد التشريع الحاسم عليهم أن يقدموا لنا البديل قبل أن ندخل حزام المجاعات

لم يتحمل القادرون تكاليف إفراط الفقراء المساطيل فى إنجاب أطفال سيصبحون لصوصا وقتلة؟.. الكارثة تجاوزت حدود التوعية ولا حل للنجاة منها سوى تشريع يحدد لكل أسرة إنجاب طفلين

نشكو كل يوم من مشكلة جديدة.. تمسك بذيل أخرى لم تحل.. إهمال فى مستشفيات إلى حد الموت.. تكدس تلاميذ فى مدارس إلى حد الاختناق.. عجز الجنيه عن إطفاء حرائق الأسعار حتى طالته النيران.. ضعف فرص العمل لغياب المهارات الفنية فى زمن تسبقنا فيه التكنولوجيا.. زيادة جرائم الخطف والسرقة والرشوة والمخدرات وبيع الأعضاء.. جوع ينهش الأمعاء الخاوية وعطش يهدد بعطش وجفاف بعد أن تراجع نصيب المواطن من المياه.. رغبة مجنونة فى هجرة غير شرعية تقف فى وجهها صرامة على الحدود.. وسطوة سلفية تغسل عقول البسطاء بتفسيرات منحرفة تدفعهم إلى حمل السلاح لخدمة تنظيمات إرهابية تشترى الضمائر برخص التراب.

ورغم الاجتهادات متعددة الأطراف فى البحث عن حلول مناسبة، فإننا نصل غالبا إلى طريق مسدود.. لسبب بسيط.. أن كل ما نعانى من متاعب قائمة وما ننتظر من متاعب قادمة مجرد أعراض لمشكلة أكبر وأصعب.. مشكلة تكاثر السكان بسرعة الأرانب بينما تنمو وتتهادى الموارد بسرعة السلحفاة.

قف فى طابور النساء اللاتى يصرفن الإعانات الحكومية.. ستجد صورة صادمة.. متكررة.. امرأة تقبض بيدها على طفل.. ويمسك بجلبابها آخر.. وتضع على كتفها ثالث.. وينتفخ بطنها برابع.. غير الذين تركتهم فى البيت لزوج مسطول بسيجارة بانجو أو قرص ترامادول ينتظرها على فراش عفن.

صورة حقيقية.. ستجدها فى العشوائيات والأحياء المتواضعة والقرى الفقيرة التى تستجدى أهل الخير من أجل بطانية.. أو حنفية.. أو وجبة طعمية.. أو حقنة شرجية.

وهناك ستجد شيخ جامع يحرم تحديد النسل وهو يخطئ فى تلاوة القرآن.. ورجال يريدون عزوة ولو من أبناء ضعفاء مصابين بالأنيميا ولا يقدر على إطعامهم العيش الحاف.. وبالزواج المبكر تزيد سنوات خصوبة المرأة المصرية لتلد فى المتوسط 3,5 طفل مسجلة أعلى معدل إنجاب فى العالم.. ولا يهم أن تنهار صحتها.. ولا يهم أن يعجز رب الأسرة عن رعاية أطفالهما.. وغالبا ما يتسربون من التعليم.. ويعيشون فى ظلام الجهل.. ويلتقطون رزقهم بالتسول أو السرقة أو بيع مناديل الورق فى الشوارع أو توزيع المخدرات فى الحواري.. وفى كثير من الأحيان تباع البنت فى سن صغيرة لزوج فى عمر جدها أو يضحى الابن بكلى من جسم الولد بجنيهات سريعة التبخر لتدور الدوائر فى حلقات مفرغة من اليأس والضياع ندفع جميعا ثمنها بلا جدال.

ورغم معاناة المرأة الفقيرة فى الحمل والولادة والرضاعة ورعاية أطفالها، فإنها غالبا ما تجبر على العمل فى البيوت بينما الزوج المنهك القوى ينتظر عرقها ليحوله إلى مخدرات ولا يتردد فى ضربها أو دفعها للسرقة مما يحرمها من الاستمرار فى عملها بعد أن أثبتت الفلبينيات والإثيوبيات والأوغنديات المنتشرات فى البلاد أمانة وكفاءة أكبر.

يعانى أربعون فى المائة من النساء الفقيرات فى مصر من هذه الظاهرة المتزايدة جعلت بعضهن يبعن أطفالهن بمئات قليلة من الجنيهات لا تصمد طويلا.

حسب آخر تعداد سكاني.. اقتربنا من 100 مليون نسمة.. ونزيد سنويا بنحو المليونين.. بمعدل 2.5 فى المائة وهو ضعف معدل الدول النامية وخمسة أضعاف الدول المتقدمة.. وبيننا 3 ملايين أرملة.. وأكثر من 18 مليون شاب وفتاة تزوجوا أقل من 16 سنة فيما يمكن وصفه بزواج القاصرات.. و28 مليون تلميذ تسرب من التعليم.. صعب عليهم الانخراط فى سوق العمل لصغر السن وغياب المهارة.. وأكثر من مليونى أسرة تستخدم مطابخ وحمامات مشتركة مما ضاعف من ظاهرة زنى المحارم بكل ما فيها من تداعيات نفسية واجتماعية سيئة.

هل حسبنا كم يكلفنا إضافة أكثر من مليونى إنسان كل سنة إلى ظروفنا الصعبة؟.. هل حسبنا ما يحتاجون من خبز وحليب.. من دواء وكساء.. من سكن وعمل؟.. أم سيقتسمون معنا ما لا نجد من طعام وتعليم؟

وتحتاج مصر لمعدل نمو اقتصادى ثلاثة أضعاف معدل نموها السكانى لتحافظ على هذه الصورة المؤلمة ولكنها لم تصل إليه بعد مما زاد الطين بلة والوحل عمقا.

بل وزادت المعيشة سوءا.. وواجه البعض معاناته بغيبوبة المخدرات هربا من واقع مر وبحثا عن سعادة وهمية.. وفضل البعض الآخر الانتحار بعد قتل أبنائه متجنبا شعورا قاسيا بالعجز لفشله فى تلبية مطالبهم.. وعرفت أسواق الدعارة نوعية غير متوقعة من الفتيات يئسن من الزواج وفشلن فى الحصول على ما يكفيهن من مال شريف.. وتنوعت الرشوة التى يقبلها الموظف العام لتبدأ باللقمة وتصل إلى الحج والعمرة.. وأمام زيادة أسعار الطعام تراجع الإقبال على شراء الكتب والصحف ومشاهدة السينما والمسرح.. فمرضت سلوكياتنا بالخشونة وبرزت لها مخالب وأنياب.. وبعد أن قدمت مصر للعالم أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وبليغ حمدى لم يعد لديها سوى حمو بيكا ومجدى شطة.. وبعد أن وصل نجم مثل عمر الشريف إلى العالمية وجدنا من يصف نفسه بـ نمبر وان وآخر ديك على الأرض.. وأعتذر عن التعليق حتى لا اتهم بالتعالى على المواهب العشوائية.

وسنة بعد أخرى تطالب وزارة التضامن الاجتماعى بزيادة ميزانية إعانات الأسر الأكثر احتياجا لتصل إلى ما يقرب من العشرين مليارا.. ولو تضاعفت الميزانية عشر مرات ما وفرت ما يطلب منها.

ويصل عدد بطاقات التموين فى مصر إلى 20 مليونا وأضيف إليه مؤخرا 9 ملايين مولود جديد كانوا خارج التسجيل ليرتفع عدد المستفيدين منها إلى 73 مليون مواطن يشكلون ثلاثة أرباع السكان تدعم الدول سلعا ضرورية لمعيشتهم يتكلف 82 مليار جنيه.

هل نحتاج إلى أدلة أخرى على حجم الكارثة السكانية التى تتفاقم يوما بعد آخر مهددة بالتهام الأخضر واليابس وربما وصلت إلى أن نخطف الخبز من الخبازين، كما حدث فى مصر التى تعرضت إلى 26 مجاعة من قبل وإن كانت فى أزمان بعيدة؟

لقد نجحت مصر فيما قبل فى تخفيض معدل النمو السكانى إلى 1.8 فى المائة بنشر مراكز تنظيم الأسرة على خريطتها الممتدة من الإسكندرية إلى أسوان ومن سيناء إلى سيوة ولكن هذه المراكز أغلقت وعجزت الحكومات المتعاقبة عن مواجهة الثقافة السلبية المدمرة فانفجرت الكارثة من جديد.

وهناك من يقول إن عدد السكان المرتفع ميزة توفرها ثروة بشرية.. وهذا صحيح بشرط أن تكون ثروة الأمة من الصناعة والسياحة والتجارة أكبر وأضخم.. وتسمح بتوفير تعليم أرقى وصحة أفضل وتشغيل أكبر وترفيه لا حد له.. وحتى يتوافر ذلك ليس أمامنا سوى تحجيم تكاثر المواليد فى زمن تنخفض فيه الوفيات ويرتفع فيه عمر الإنسان.. بما يتيح له الاستمرار فى العمل بعد سن الخروج الرسمى على المعاش.

والحقيقة أن للقادرين مصلحة شخصية فى علاج المشكلة السكانية فهم يكتفون عادة بإنجاب طفل أو طفلين ولكنهم يدفعون ضرائب ورسوما مرتفعة تخفض من مستويات معيشتهم وتذهب لدعم فقراء ينجبون أطفالا بلا حساب.. لنتحمل مسئولية لا ذنب لنا فيها.

هنا يكون السؤال: لم نمول بأموال تعبنا فى الحصول عليها مستهترين خاملين مخدرين يأتون إلى الدنيا بصغار ليس أمامهم فرصة فى الحياة أفضل من التسول والسطو والاغتصاب والتحرش والإرهاب وربما القتل؟

لو قبلت الحكومة تلك المعادلة غير المنصفة فنحن لا نقبلها.

وأغلب الظن أن الحكومة عاجزة حتى الآن عن المواجهة.. لا تزال تتصور أن اللافتات التى تعلقها فى الشوارع تحذر من بلاء كثرة الإنجاب تكفى.. فالذين يتسببون فى المشكلة غالبا لا يعرفون القراءة.

وربما كانت الخطوة الأولى الضرورية نحو الحل فصل السكان عن الصحة إما فى وزارة مستقلة أو فى مجلس أعلى يضم مندوبين على مستوى مرتفع من وزارات الصحة (لتحديد أفضل الوسائل الطبية) والثقافة (لتغيير المفاهيم الاجتماعية الخاطئة) والتنمية المحلية (لإحياء مراكز تنظيم الأسرة فى المحافظات) والأوقاف وشئون الأزهر بجانب الكنيسة (لتوضيح موقف الدين من المشكلة) والتعاون الدولى (للحصول على منح خارجية كما حدث فيما قبل).

مجرد وجود كيان مستقل للسكان يعنى اعترافا منا بالمشكلة وتأكيد على جدية الدولة فى التعامل معها.

ولكن.. ذلك لن يكفى.. لابد من تشريع عاجل مهما كان صادما.

فى الصين أجبروا الشعب على إنجاب طفل واحد وسمحت أخيرا بطفلين تحت شروط معينة مما أنقذها من 400 مليون نسمة كانوا سيضافون إليها سنويا.

وفى الهند قاموا بتعقيم النساء بعد إنجاب طفل أو طفلين مقابل مكافآت مالية مغرية بجانب أفضلية فى الحصول على المساكن الحكومية وتقديم مكافآت تشجيعية فى صورة سيارات صغيرة أو أجهزة كهربائية مما خفض معدل نمو السكان إلى تحت اثنين فى المائة.

لا مفر من تدخل تشريعى يواجه المشكلة بجرأة وشجاعة.. يحدد الإنجاب بطفلين أو ثلاثة فى أسوأ الأحوال.. ويعاقب من يخرج عليه بالحرمان من السلع التموينية المدعمة والإعانات الحكومية المساندة.. لا تنصتوا لشيوخ يفسرون الدين على هواهم.. ولا تستسلموا لسلفيين لا يجدون مريديهم إلا بين المعدمين الأميين.. ولا تخشوا نوابا فى البرلمان ينافقون ناخبيهم على حساب الأمة بأسرها.

وعلى كل من يعترض أن يقدم لنا حلولا بديلة لإنقاذ البلاد من هذا البلاء.