"الستات مبتغلبش".. الجلاش والكنافة يسعد بيوت الفقراء في المولد النبوي

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


قبل رفع أذان الظهر قطعت نبيلة حسين طريق السوق المحاذي لبيتها، واتجهت صوب حَوانيت وفروشات حلوى المولد النبوي، التي تتزين بالعرائس والأحصنة مبهجة الألوان، معتزمة شراء بعض القطع عقب إلحَاحٍ نجلتها الصغرى طيلة يومي برغبتها في تناول "الملبن والحمصية"، ولكن بعد السير عدة ساعات جثَم الهمُّ على صدرها؛ بسبب ارتفاع الأسعار، وعدم امتلكها سوى مبلغ مالي يكفي احتياجاتهم الأساسية، حتى لمعت في ذهنها فكرة استعاض الحلويات بـ"الكنافة والجلاش".



تدرك السيدة الأربعينة، أن أسعار حلوى المولد هذا العام مرتفعة مقارنة بالعام الماضي، مثل باقي السلع، لكنها كانت على صواب إلى حد كبير في حيلتها لتلبية رغبة نجلتها، لاسيما وأنها تحب الكنافة "هحاول ارضيها بأنني عملتلها حاجة بتحبها هي وأخواتها"، فمن الصعب عليها شراء كيلو الحلوى المشكلة بـ70 جنيه، أو شراء بعض القطع، وابتسمت ملء شدقيها، تزامنًا مع موعد خروج بناتها الثلاث من المدرسة "كيلو الكنافة بـ15 جنية وعندي السكر في البيت وهعملهم صينية وأعمل لفة جلاش بـ5 جنية كمان.. كده رضا والحمدلله والعيال بتفرح بأي حاجة"، يقاطعها بائع الكنافة، صاحب 25 ربيعًا، مٌداعبًا بضاعته"هو في أحلى من الكنافة وكفايا أنها مفيهاش ألوان صناعية وصحية"، لتؤكد حسين على كلماته قبل مغادرتها للسوق.



لم يترك ارتفاع أسعار حلوى المولد لإيمان، ربة منزل، بديلًا  سوى اكتفائها بشراء "الجلاش"، وعمل كعكة بسيطة لارضاء ذوق أبنائها الخمس، خاصة وكل واحدًا منهم له ذوق خاص في حلوى المولد، وشراء كيلو مشكل حسب رغبتهم صعب توفيره، ولكنها لم تكدر فرحتهم بالاحتفال بالمولد النبوي التي اعتادوا على الاحتفال به سنويًا: "اتعودت على أكل الحلاوة كل مولد وكنا بننتظرها أنا واخواتي من الموسم للموسم وخاصة عروسة المولد.. وعودنا ولادنا عليها لكن السنة دي صعب هجيب ساندوتشات للمدارس ولا غدا ولا حلوة.. بحاول أعمل اشكال بالجلاش وأهو بضحك عليهم لحد ما تعدي"، بينما تحاول ارضاء نجلها الأصغر بعمل حصان مصنع من "الدبارة" وبعض الملابس الرثة، لارتفاع سعر الحصان ووصوله لـ50 جنيه.



بينما وقفت فاطمة، أمام إحدى فروشات حلوى المولد، بسوق كفر طهرمس بمحافظة الجيزة، حائرة ووجهها يتصبب عرقًا ويعلوه الإرهاق-رغم برودة الطقس- شاخصة بصرها صوب علب الحلوى ذات الألوان والأنواع المختلفة المُتراصة على مناضِدُ خشبية، عقب معرفتها أسعار حلوى "السمسمية، والفولية والبندقية"، التي يفضلها أبنائها الثلاث "لما سعر قرص البندقية بس 30-40 جنية والفولية 35 هجيب باقي قطع الحلويات والأكل ازاي"، مُكْتَفِية بشراء "النوجا" الأرخص سعرًا، محاولة البحث عن الحلوى ذات التكلفة البسيطة حتى اقتنعت أن شراء "لفة من الجلاش وعمل فطيرة كبيرة"، كافي لاسعاد أسرتها المكونة من خمس أفراد.

وبالرغم من أن السيدة الثلاثينية ميسورة الحال، إلا أنها ترى أن شراء علبة من الحلوى بـ200 جنية شىء مبالغ فيه، مع احتياجاتهم الأخرى "كل الطبقات تأثرت بارتفاع سعر الحلوى واللي معاه فلوس بيفكر مية مرة في الأولويات خاصة واننا في مدارس والدروس غالية.. فبنحاول نوازن الأمور "، لتلتقط  "نادية"جارتها- والتي أصرت على شراء الحلوى من السوق الأرخص سعرًا عن باقي المحال التجارية الأخرى لكون أن السوق شعبي، إلا أنها وجدت عكس ذلك- أطراف الحديث "صدمت بالأسعار"، خاصة بالقطع، القطع فسعر "طبق ملبن فسدق صغير 40-80 جنيه وقرص حمص مسكر بـ 13 جنيه، وقرص حمصية بـ 16 جنيه، وعلف لوز صغير بـ 25 جنيه، وعلف لوز كبير بـ 50 جنيه، وقرص لوزية بـ 41 جنيه، وقرص كاجو بـ 55 جنيه، وطبق سمسمية متوسط بـ 34 جنيه، وعلبة مشكلة كيلو 40 -50 جنيه حسب الطلب".




وظلت نجلاء، ربة منزل، تسترق النظر إلى التاجر، الذي انتظرها وقتًا طويلًا  آملًا في شرائها الحلوى التي كان الاقبال عليها عكس السنوات المنصرمة، ولكنها انصرفت، متجهة كسابقيها صوب بائع الكنافة التي ساهم في حل أزمتها بشكل كبير، وتعويضها خلال عادتها السنوية في المولد النبوي الشريف-الذي يحتفل به المصريون في الثاني عشر من ربيع الأول، بشراء الحلوى لنجلتيها المتزوجات، بعد أن اعترتها خيبة أمل، عقب رحلة بحث طويلة بين محال الحلوى الأرخص "مفيش حلاوة المولد خلاص.. الكنافة حلت مكانها".