مي سمير تكتب: الدوحة مجبرة على الابتعاد عن طهران وتحمل ضغوطها

مقالات الرأي



مأزق قطر بسبب العقوبات الأمريكية ضد إيران

قطر قد تسعى لإنهاء المقاطعة العربية بوساطة أمريكية وتقديم تنازلات فى ملف دعم الإرهاب

إيران قادرة على ممارسة ضغوط على الدوحة بسبب ملكيتهما المشتركة لحقل بارس


بدأت المرحلة التالية من النزاع المرير المستمر منذ 30 عاماً بين الولايات المتحدة وإيران، بفرض جولة جديدة من العقوبات على طهران، فى الأسبوع الماضى، ليصبح أحد الأسئلة المهمة المطروحة فى قلب الأزمة، كيف سيؤثر ذلك على دول أخرى فى المنطقة ومنهم حلفاء لواشنطن، مثل قطر، المتعاطفة والمتحالفة مع إيران.

بهذه المقدمة افتتحت مجلة فايننشال تايمز، تقريرها عن الأزمة التى تعانى منها الإمارة الخليجية الصغيرة، فى ظل العقوبات التى بدأت إدارة الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب فى تطبيقها على إيران.

كان ترامب اعتبر خروج إدارته من الاتفاق الذى تفاوض عليه سلفه، باراك أوباما، مع طهران، بشأن برنامجها النووى، قضية أساسية بالنسبة له، أشار إليه خلال حملته الانتخابية، وفى مايو الماضى، قرر إلغاء الاتفاق وإعادة فرض العقوبات. وفى تغريدة على موقع تويتر فى أغسطس الماضى، قال الرئيس الأمريكى، إن أولئك الذين يتعاملون مع إيران لن يتعاملوا مع الولايات المتحدة، وبدأ التهديد بالعقوبات يؤثر بالفعل، مع إلغاء الاستثمارات المخطط لها فى إيران من قبل شركات مثل مجموعة الطاقة الفرنسية «توتال».

قطر هى واحدة من أصغر الدول فى الشرق الأوسط ولكنها أيضا واحدة من أغناها وحققت صادراتها من الغاز الطبيعى إلى دول مختلفة مثل بريطانيا والصين زيادة هائلة فى الإيرادات على مدى العشرين سنة الماضية.

وتمتلك قطر نحو 865 تريليون قدم مكعبة من احتياطيات الغاز المؤكدة وهى أكبر مصدر فى العالم، حيث تمتلك أكثر من 27٪ من سوق الغاز الطبيعى المسال العالمى.

وخلال العام الماضى، دخل أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثانى، فى علاقات شديدة القرب مع إيران بسبب مقاطعة الدول العربية للدوحة على خلفية دعمها للتنظيمات الإرهابية.

وقد تم تصميم التدابير التى اتخذها الائتلاف العربى - بما فى ذلك إغلاق الحدود البرية بين قطر والسعودية وإغلاق المجال الجوى للطائرات القطرية - لدفع الدوحة من أجل قطع علاقاتها مع طهران، ولكن كان للمقاطعة تأثير معاكس فيما يتعلق بالعلاقات القطرية الإيرانية حيث تعمقت العلاقات وتوسعت.

يذكر أن العلاقات بين الدول العربية وإيران يشوبها كثير من التوتر فى ظل حرص طهران على نشر وكلائها فى المنطقة والعمل على توسيع نفوذها فى الدول العربية وتهديد الأنظمة فى منطقة الخليج.

ونمت التجارة بين قطر وإيران بسرعة، كما أن الطريق بين ميناء بوشهر الإيرانى وقطر أبقى على إمدادات الغذاء والمواد الرئيسية الأخرى التى تتدفق إلى الدوحة، كما استخدمت قطر المجال الجوى الإيرانى لرحلات الطيران، وحالياً فإن العقوبات الأمريكية ضد إيران عقدت الوضع بالنسبة إلى قطر أيضاً.

قطر تستضيف قاعدة جوية أمريكية كبيرة، تضم ما يقرب من 10 آلاف جندى أمريكى، وفى المقابل تعتمد قطر أيضاً على إيران ليس فقط للمساعدة فى كسر المقاطعة العربية، ولكن كمالك مشارك فى حقل بارس الذى يحتفظ باحتياطات تقدر بنحو ألفى تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى و 50 مليار برميل من المكثفات الغازية، حيث يوجد حوالى ثلثى هذه الاحتياطيات فى المياه القطرية، الباقى يتواجد فى إيران.

وإذا ما نفذت الولايات المتحد تهديداتها التى تصاعدت فى الأشهر القليلة الماضية وزادت حدة هجماتها على إيران، فسيتعين على الدوحة أن تقرر من هى الجهة التى تعمل معها.

حسب مجلة فايننشال تايمز، يجب أن تكون الخطوة الأولى المنطقية للولايات المتحدة هى دفع الدول العربية إلى إنهاء المقاطعة المفروضة على قطر، لكن حتى ذلك الحين، ليس من الواضح أن القطريين سيكونون مستعدين للعب أى دور نشط ضد طهران.

وكان وزير الدفاع القطرى خالد العطية، قال إن بلاده لن تشارك فى التحرك ضد إيران، وأكد رئيس الخطوط الجوية القطرية، أن طائراته ستستمر فى الطيران عبر إيران.

ويجب أن تكون الدوحة على دراية كاملة بمخاطر الانتقام الإيرانى إذا انضمت إلى الحملة الأمريكية ضدها، حيث يمكن لطهران إعادة فتح الخلافات القديمة حول تقسيم وتطوير حقل بارس، وقد يتم منع التطوير المستقبلى، ما يعيق قطر عن الوصول إلى هدفها المتمثل فى زيادة طاقة تصدير الغاز بمقدار الثلث، فى الظروف القصوى، يمكن لإيران أن تمنع التطور الحالى للحقل وتتداخل مع صادرات قطر للغاز الطبيعى المسال الحالية.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية، تحدثت الولايات المتحدة عن تصميمها على وضع إيران تحت ضغوط شديدة.

من الواضح أن واشنطن لا تستهدف قطر بالعقوبات الأمريكية ولكنها قد تكون ضحية مبكرة إذا لم تقدم دعما قويا لواشنطن فى معركتها ضد طهران.

وانتهى تقرير فايننشال تايمز بالإشارة إلى أن فى الشرق الأوسط لا يوجد مجال كبير للحياد، ويبدو أن هذه الأزمة سوف تضع السياسة القطرية التى تلعب على جميع الحبال فى اختبار حقيقى قد يؤدى فى النهاية إلى مواجهة لا مفر منها سواء مع إيران أو مع الولايات المتحدة الأمريكية.