د. أحمد أبو رحيل يكتب: "جزارين البشر"

مقالات الرأي

د. أحمد أبو رحيل
د. أحمد أبو رحيل


عندما كنا نسمع عن مهنة الجزارة ونحن أطفال أو عندما نشاهد الجزار وهو يقوم بذبح أضحيات الأعياد ،نرسم صورة فى أذهاننا عن هذا الشخص بإنه شخص عنيف ومخيف ويتصف قلبه بالجحود ،وعندما نكون فى بيوتنا فى القرى التى نعيش بها كان الوالدين يستخدمون لفظ الجزار لتخويف أحد صغارهم باعتباره علامة من علامات التخويف والترهيب والعقاب، إذا لم يلتزم هذا الصغير بأوامروالديه ،على الرغم إننا نكن كل تقدير واحترام لهذه المهنة وهى مهنة شريفة ورجالها شرفاء ،ولكن الشاهد فى هذا ليس بإمكان أى شخص أن يمتهن هذه المهنة فهى مهنة أصحاب القلوب الحديدية،حيث تحاج إلى أشخاص لديهم طابع خاص من المشاعر.

ولكن الذى يهمنى فى هذه المقالة بعد هذه المقدمة السابقة هل من الممكن القول أن هناك مانطلق عليهم "جزارين البشر"يتعاملون مع البشر على إنهم مواشى ؟

هل بإمكاننا القول أن هناك أشخاص يتعاملون مع البشر بنفس الكيفية التى يتعامل بها الجزار مع ذبيحته، وليس له هدف إلا الحصول على مكسب من هذه الذبيحة ؟

وفى حقيقة الأمر وفى ظل هذا الوضع المخزى والمحزن من الفساد الأخلاقى والإنفلات القيمى، وفى ظل غياب الرقابة سواءمن جانب الدولة أو المجتمع المدنى .نجزم أن نقول أن هناك مثل هؤلاء الأشخاص الذين نطلق عليهم "جزارين البشر".

والمؤلم فى الموضوع أن هؤلاء الذين نطلق عليهم "جزارين البشر" هم من المفترض ملائكة الرحمة كما يلقبون أنفسهم بهذا الاسم ،هم "الأطباء" الذين أقسموا على عدم خيانة اخلاق المهنة، ورفع الآلم عن المرضى ومراعاة الله قبل كل شئ فى مرضاهم.

والمعارض لهذا القول ماعليه فقط إلأ أن يتجول لمدة ساعة واحدة فى إحدى المستشفيات الحكومية مستشفيات الفقراء ضحايا الجهل والفقر والمرض.

والاطباءهم خريجى كليات القمة كما يطلقون عليها ،على الرغم إنى مختلف كل الاختلاف مع مثل هذه التسمية ،فليس هناك مايسمى بكليات قمة ولكن هناك مايسمى بقمم فى الكليات ،ولكن هذه الكلية وهى كلية الطب هى حلم معظم طلبة الثانوية العامة أو على الأرجح هى حلم معظم أولياء الأمور لأولادهم ،وإذا بحثنا عن سبب رغبة طلبة الثانوية العامة فى الإلتحاق بهذه الكلية سنجد الكثير منهم يرغبوا فى مساعدة الناس وبالأخص أقرب الاشخاص لهم خاصة عندما يشعروا بالألم وقت المرض،فهم يشعروا بقلة الحيلة والعجز فى عدم مساعدتهم ورفع الآلم عنهم،وكذلك إذا بحثنا عن رغبة أولياء الأمور فى هذا الحلم وهو التحاق اولادهم بكلية الطب، سنجد أن الكثير منهم كان يشعر فى يوم من الأيام بالآلم نتيجة مرض ما فذهب إلى الطبيب فرفع عنه الآلم بأمر الله ،فأستشعر الوالد قيمة هذه المهنة وقيمة هذا الطبيب الذى قام بعلاجة ورفع الالم عنه ،فتمنى أن يكون ابناءه مثل هذا الطبيب خاصة أن الأطباء فى السابق كانوا يتمتعون بالرحمة والشفقة ودماثة الخلق وحسن المظهر بالاضافة الى العائد المادى المناسب.

ولكن بعد زوال معظم هذه الصفات من أغلب الأطباء إلامن رحم ربى، هل أصبح حلم أولياء الأمور وأولادهم  الالتاحق بكلية الطب بعد أن تجردت هذه المهنة من كل معانى الانسانية وأصبحت مهنة تجارية ؟

والجميع يعلم أن مهنة الطب هى مهنة سامية ومهنة أخلاقية انسانية فى المقام الأول ،ولكن فى الآونة الاخيرة انفصلت عن هذا المفهوم  لدى البعض واصبحت بلاضمير ،فإن أغلب الأطباء أصبحوا يستغلون مهنتهم من أجل كسب المال على حساب الناس الفقراء ،وتحولت مهنة الطب إلى تجارة يتجار بها أصحاب النفوس الضعيفة ،حيث ارتفعت فى السنوات الاخيرة اجور استشارات وكشوف الأطباء ،وباتت تثقل كاهل المواطن الذى يعيش الويلات فى بلادنا الحبيبة أم الدنيا !!

بالإضافة إلى غلاء أسعار السوق ومتطلبات الحياة الأخرى من أجور كهرباء ومياه وباقى الخدمات الأخرى ،أصبح المواطن يواجه مشكلة جشع الأطباء والصيادلة وأصحاب المختبرات التحليلية الذين يشبهون جميعاً "القصابين" كما يطلق عليهم الكاتب العراقى "بشورى العزاوى"،وأن المرضى الذين يعانون الفقر يذهبون الى المستشفيات الحكومية التى تعانى الجهل والاهمال التأخير فى أخذ السونار والأشعة لكثرة الأعداد واهمال قسم التمريض بمعاونة الاطباء حيث أن بعض الاطباء فى المستشفيات الحكومية لايهتمون بالمرضى وهذا مايدفعهم الى مراجعتهم فى عياداتهم الخاصة فى الحالات التى لا تتحمل التأخير ،واحيانا يموت المريض دون تلقيه العلاج ،فهل هذه انسانية ؟

هل من الممكن أن يتعامل الطبيب بمنتهى البرود والتجاهل مع حياة المريض ؟

هل من المعقول أن يتعامل الطبيب مع المرضى الفقراء فى مستشفيات الدولة بمنتهى القسوة ؟

وكيف نقول أن كرامة مصر من كرامة المصريين وهؤلاء المرضى يتعاملون بمنتهى الإساة فى مستشفيات الدولة؟

هل يجوز للمستشفيات الخاصة التى يديرها أطباء أن تغلق أبوابها أمام حالات الطوارئ والحوادث من الفقراء ؟كيف كل هذا يحد ث فى بلد تدعى وتقول انها تحترم الانسانية؟

كيف لهؤلاءالاشخاص أن يمتهنوامهنة الانسانية وهم لا يتمتهون بأى صفة من صفات الانسانية؟ فكيف لهؤلاء أن يكونوا أمناء على حياة وأرواح البشر وهم لايضعون لها أى اعتبار،فهذه الارواح كرمها الله فى كتبه السماوية.
وفى حقيقة الأمر ما أثارهذا الموضوع فى ذهنى هو محاولة الحكومة فرض الضرائب بجدية  على الاطباء ،وفى الحقيقة هى خطوة رائعة وتأخرت الدولة فى تنفيذها ،ولكن فى نفس الوقت يجب على الدولة أن تهتم بكيفية تنفيذها وأن لاتطرق الحبل على الغارب للأطباء بانتهاش اجسام واموال المرضى وأن تضمن الحكومة ألاتكون هذه الضريبة عبئ على المواطن المريض الذى يعانى الويلات فى حياته، حيث يعانى من ذل المرض وذل الطبيب وإلا اصبحت الدولة ايضا شريكة فى ذل هذا المريض .

وفى النهاية يجب على الحكومة ونقابة الأطباء أن تضع حدا لهذه الاختراقات التى يفعلها الأطباء، وأن يشاركوا فى حل ارتفاع استشارات وكشوف الاطباء ،وأن تتدخل الدولة والنقابة فى حالة وجود مخالفات لمعايير لجنة القيم بالنقابة ،وأن تستمع النقابة لشكوى المرضى بجدية ،وأن تفرض على الطبيب ضرورة حسن استقبال المريض فى المستشفيات الحكومية ،فالفقر ليس عيب والمرض ليس ذنب لكى يتعامل الطبيب معى المريض كما يتعامل السجان مع السجين فى السجن ومراكز الشرطة.

وفى الختام يجب أن يعلم الاطباء أن مهنتهم هى مهنة انسانية فى المقام الاول  ثوابها عظيم عند الله ،وأنا هنا لاأطالب الأطباء بالتقشف بل اطالبهم بالرحمة .

واخيرا يجب أن يعلم كل قارئ انه لانسمح لأنفسنا بالتعميم لأنه من المستحيل وضع قيود وقواعد على سلوكيات وتصرفات البشر تحدددرجاتها وتتحكم فى مداها  وسنجد أن ماسبق وقلناه ينطبق على كثير من الحالات ولكن علينا أن نتذكر أن هناك شذوذاً لكل قاعدة.

حفظ الله مصر، حفظ الله المصريين ،شفى الله المرضى