منال لاشين تكتب: أزمات كريمة المجتمع فى نميمة الساحل

مقالات الرأي



ماذا جرى للمصريين "2"

مصيبة.. الخادمة بتحط 6 ملاعق فى كوب الشاى والفلبينيات اتعلموا من المصريين وبياكلوا 4 وجبات

تسليم المرسيدس بيتأخر 6 أشهر

تذكرة السواق 20 جنيها فى النادى غير الغداء

يشعرون بالحسرة لأن الفقراء يأكلون من طعامهم المستورد


عندما كتبت عن الساحل الشمالى الأسبوع الماضى توقعت غضب بعض الأصدقاء، وهو ما حدث بالفعل.. ولكن بين كلمات الغضب شهادة مهمة من رجل أعمال شاب وأنا لا أسجل شهادته لأنه يتفق معى فى الرأى بل لأنها بالفعل تكشف وتحلل جوانب مهمة عن طبقة النخبة الجديدة فى مصر وما أصاب كريمة المجتمع من عطب وربما عفونة لم تعرفها الطبقات العليا قبل عشرات السنين.

صديقى قام برحلة الانتقالات من مارينا إلى مراسى وكانت العائلة تمتلك شاليهًا فى أحد شواطئ المنتزه وكابينة. ولكنها اضطرت إلى الهجرة إلى مارينا عندما أصبح الساحل الشمالى هو قبلة الطبقة العليا. يقول الصديق: مارينا وفرت لنا مساحة أكبر من الخصوصية وعددًا أكبر من الغرف وحديقة كبرى خاصة.ولكننى لم أتصور أن تصبح مارينا جنسية وليست مجرد منتجع لقضاء الصيف. وما يلفت نظر الصديق هو ضياع الشعور بالعشرة بين أهله وطبقته. لم يعد هناك علاقة بين الإنسان والمكان ولا قيمة للذكريات.. المهم هو التواجد فى أغلى مكان فى مصر. المهم هو البعد بأقصى ما نستطيع عن الناس العادية.

يقول صديقى: لما تقرئى كتاب ماذا حدث للمصريين هتلاقى فعلا فكرة الطبقية والصراع الطبقى مختلفة جدا عن الآن. جلال أمين كان عنده حق لما قال إن الأثرياء الآن يكرهون الفقراء ولا يطيقون القرب منهم لأنهم ببساطة ينتمون للطبقة الفقيرة ومن وجهة نظرى أنهم ينظرون لهذه الطبقة لمنافس محتمل. فإذا كانت الظروف قد أهلته للوصول للطبقة العليا بطرق مختلفة، فما الذى يمنع فقيرًا آخر من التسلل للطبقة الغنية.

ولكن ما يهم صديقى هو سلوكيات هذه الطبقة التى تتراكم أو بالأحرى تتكثف خلال جلسات وحفلات ليالى الساحل الشمالى.


1- البخل المخجل

صديقى من أسرة عريقة بالفعل. ليس محدث نعمة لا هو ولا أهله.. ومع ذلك يلاحظ بخجل شديد أن سلوكيات أهله أصبحت تتشابه مع ما يسميهم محدثى النعمة أو الطبقة الجديدة. لم تعد الطبقة العريقة الباقية قادرة على فرض أخلاقياتهم على الآخرين.. الآن الغلبة للطبقة الجديدة بأخلاقها أو بالأحرى انعدام أخلاقها.. يقول صديقى: أحاديث النساء خاصة تجعلنى أشعر بالخجل بما فى ذلك نساء عائلتى وأسرتى..شكاويهم من الخدم والسائقين تنم على بخل وكراهية خرافية للفقراء.. فى وسط حفلات يومية تكلف آلاف الألوف من الجنيهات تجدين صاحبة البيت تشكى مر الشكوى. من الخادمة أو الخدم عموما..الخدامة بتشرب الشاى بست ملاعق سكر. وكيس السكر العشرة كيلو ينتهى فى أسبوع.

بالنسبة لصديقى يبدو الأمر عارا على الطبقة العليا.. أيام جده وجدته كان من الممنوعات الحديث عن تكلفة الخدم أو أكلهم.. حتى من كانوا يعاملون الخدم معاملة قاسية لم يخطر ببالهم أن ينظروا للخدم فى (لقمتهم).

يقول لى صديقى: حكاية السكر مش الحكاية الوحيدة وإن كانت من كلاسيكيات شكاوى طبقتنا من الخدم.الشكوى الأخرى تخص الشغالات الأجنبيات وخاصة الفيلبينيات. سمعت مرة أمى، تصورى أمى تقول لصديقتها: الشغالة الفلبينية اتعلمت من المصريات.. بتأكل أربع وجبات فى اليوم.. وطول النهار تشرب شاى وببيسى. يكمل صديقى: نظرت لأمى نظرة لوم غير مصدق ما قالته.. أمى كانت تعلمنا ونحن صغار ألا نتحدث عن الخدم ومتاعبهم أمام الضيوف. وكانت تترك طعاما للشغالات أكثر من حاجاتهم. وتطلب منهم أن يأخذوا ما تبقى من طعامنا لأهلهم لأنهم غلابة.. ولكن يبدو أن أمى أصبحت تجارى الأجواء والطبقة الجديدة.. ربما خافت أن تفكر صديقاتها أنها لا تملك مثلهم شغالة أجنبية. فالحديث عن الشغالات الأجنبيات مثل السكن فى الساحل الشمالى علامة على الانتماء الطبقى.

يحكى الصديق قصة أخرى من متاعب طبقته أو بالأحرى تناقضات طبقته فيقول: النوادى الراقية الآن وهى قليلة قررت أنها تحصل تذكرة على سائق سيارة الأعضاء.. التذكرة ثمنها عشرون جنيها.. وقد عرفت هذه المعلومة من زوجتى ولم أهتم فلا المبلغ ولا الموضوع كله يستحق الاهتمام. ولكننى فوجئت بأحد الأصدقاء يحكى هذه القصة ضمن شكاوى الرجال مع بعض. فؤجئت أكثر بالتفاعل الشديد من ناس تنفق بالآلاف يوميا وتشكو من تذكرة بـ20 جنيها. يكمل صديقى: الكارثة أن إحدى السيدات ردت بما هو أسوأ فقد ذكرت الرجل بأنها تضطر إلى شراء سندونتشات لغداء السائق لأن الأولاد بيقعدوا مدة طويلة فى النادى.


2- برة الدنيا

بعيدا عن البخل الشديد أو المخجل يتوقف صديقى من خلال أحاديث الساحل عن فكرة أن أثرياء هذه الطبقة يعيشون فى مصر ولكنهم يرفضون تحمل أى ظروف تعكر صفو حياتهم أو تعرقل سير حياتهم. فقد شكلوا دويلة داخل الدولة...إنهم باختصار بره الدنيا. لقد أدى مشكلة التعويم والدولار إلى تأخر تسليم السيارات المرسيدس التى تم حجزها.ووصلتا لمدة إلى 6 شهور. يقول صديقى: طول النهار يسخروا من محافظ البنك المركزى والحكومة الفاشلة لأنها عجزت عن توفير المرسيدس بشكل فورى. وكأن قضية تبديل العربية أصبحت قضية حياة أو موت.

يقول صديقى: أنا أتفق تماما مع الدكتور جلال أمين فى أن طبقة الأثرياء الجدد أنانية وترفض التخلى عن بعض من رفاهيتها لظروف المجتمع. ولذلك فإن هجومهم على التعويم لا علاقة له بنظريات الاقتصاد أو متاعب الفقراء والطبقة المتوسطة.يكمل صديقى: التعويم وجه ضربة قاسية لطبقتنا التى لا تستخدم إلا البضائع والمنتجات المستوردة. ومع انفلات الأسعار والتعويم ارتفعت أسعار سلع وخدمات هذه الطبقة بشكل كبير شعروا به. وعلى فكرة من أسوأ عادات معظم أهل طبقتى أنهم يتكلمون عن ارتفاع الأسعار خلال العزائم والولائم. وهذه جليطة لم أعرفها فى طفولتى.

عودة مرة أخرى للخدم يقول صديقى: عندما ارتفعت الأسعار وكرد فعل لزيادة الإنفاق كشر الأثرياء أنيابهم على الخدم. فبعضهم أصبح لا يسمح للخدم والشغالين بتناول طعام مستورد حتى لو كان بقايا طعام. ومن استمر فى إعطاء الخدم بقايا الطعام أصبح يشعر بالغضب أو بالأحرى الحسرة لأن الفقراء يأكلون من طعامهم اللى بالشىء الفلانى.

يؤكد صديقى أن هذه الظواهر السلبية لم تضرب كل الطبقة الراقية الجديدة، ولكن الأخطر أنها أصبحت لا تثير الغضب أو تقلل من قيمة من يسلك هذه السلوكيات. بالنسبة له هذا مؤشر سلبى لا يبشر بأى تعايش سلمى بين الطبقة الغنية والطبقات الأخرى فى مصر.


الأسبوع القادم: الخروف والساحل

كل عام وانتم بخير