رامي المتولي يكتب: Blindspotting.. العنصرية وكيف تغير حياة البشر

مقالات الرأي



الأفرو- أمريكيين مستمرون فى الضغط لنيل مكاسب أكبر من المجتمع


كفاح الأفرو- أمريكيين لنيل حقوقهم مستمر منذ عشرات السنوات لم يتوقف عند المساواة التى تحققت لحد كبير ولكن مستمر فى الضغط لنيل مكاسب أخرى على رأسها إعادة تأهيل المجتمع فى الولايات المتحدة لكسر الصورة النمطية التى كونها للأفرو- أمريكيين وحصرهم فى الاشتباه مسبقًا بكونهم مجرمين وهو العامل الذى ربما يكون الرئيسي فى حوادث العنف والقتل التى يمارسها ضباط الشرطة ذوو البشرة البيضاء ضد المواطنين أصحاب البشرة السوداء والتى تتسبب فى إثارة الرأى العام هناك وتخلق موجات من الغضب وحالة من الانقسام تستمر موجاتها فى التأثير ومن جانب آخر يمارس مجتمع الأفرو- أمريكيين المنظم بشكل جيد الضغط على المجتمع ليدفع ضريبة العبودية والإذلال التى مُرست بحق الأجداد ليدفعها المجتمع الآن صاغرًا فى شكل كوتة الجوائز والتقدير التى تمنح للفنانيين أصحاب البشرة السوداء على الرغم من تدنى قيمة أعمالهم الفنية وهذه الجوائز والتقدير حصولهم عليها لم يأت إلا بالترهيب واتهام المؤسسات الكبرى بالتمييز العنصرى.

الكثير من الأفلام المنتجة أو التى يحرك إنتاجها فنانيين من مجتمع الأفرو- أمريكيين تعتمد على الترهيب لتنال شهرتها وتُفرض بالقوة وتتميز بعنصريتها المضادة التى تقلل من قيمتها الفنية كأن يكون جميع العاملين فيها من أصحاب البشرة السوداء أو أن يظهر أصحاب البشرة البيضاء من خلالها كمتعصبين يتعاملون بعنف مفرط الأمر الذى يحد من تأثير هذه النوعية من الأفلام ولأن صناعها هم الأشهر مثل هذه الأفلام تتصدر المشهد فى مقابل أفلام أخرى قيمتها الفنية أعلى ومتوازنة فى عرض قضية العنصرية ضد الأفرو- أ مريكيين المشروعة لكنها لا تحظى بنفس الشهرة، BlindSpotting بالتأكيد أحدها فطريقة معالجة الفكرة من الأساس والتى لا تنفى حجم العنصرية التى ما زالت ترتكب حتى الآن فى حق الآفرو- أمريكيين لكنها لم تنف أيضًا حجم العنف المتصاعد فى سلوك المجتمع الأسود فى الولايات المتحدة.

ترجع هذه الرؤية المتوازنة فى عرض المشكلة الاجتماعية لتنوع عرقيات صناعه فالمخرج كارلوس لوبيز إسترادا من أصول لاتينية، المؤلفان وبطلا العمل دفيد ديجز ورافاييل كاسال متضادان من حيث أصولهما العرقية الأول صاحب بشرة سوداء والثانى عكسه، هذه الخلفيات والثقافات المتعددة التى تجمعت لتعبر بشكل كوميدي خفيف لكنه يتحول للتراجيديا فى مرحلة ما عن صراعات نفسية لجيل من الشباب ممزق بسبب الهوية العرقية وصراع بين الانخراط فى مجتمع منفتح على جميع العرقيات وبين التمسك بالكود الذى يمثله كل عرق وبالتالى الدخول فى دوائر مفرغة من الصراعات المستمرة لا تنتهى أبدًا.

البناء فى الفيلم بسيط جدً يعتمد على عدد من الشخصيات كل منها تحمل أفكارا ومبادئ محددة وواضحة تعبر عنها بشكل مباشر بلا أى رمزية أو معانى وراء النص والحوار كولين (دفيد ديجز) شاب قضى مده عقوبة عن جريمة لم تتضح إبعادها لكنها لم تكن كبيرة لأن العقوبة لم تكن مشددة ويقضى آخر 3 أيام فى مؤسسة تأهيل هى الجزء الثانى من عقوبته، خلال هذه الأيام الثلاثة يكتشف كل ما له علاقة بما حوله ويعيد تقييم كل شىء سواء برغبته أو قسرًا بداية من علاقته بصديق عمره ميلز (رافاييل كاسال) وحبيبته السابقة فال (جانينا جافنكار)، كل شخصية من الثلاث ومعهم والدة كولين يمثلون اتجاهيا فكرى وإجتماعيا واضح حتى على مستوى الشكل والملابس وتفاصيل الشخصية قدمها الصناع كحالة متكاملة تعبر عنها كولين شاب أفرو- أمريكى ضخم الجثة قوى متمسك بالجذور الثقافية والهوية ممثلة فى ضفائر شعره، وصديقه ميلز هو شاب صاحب بشرة بيضاء ضخم وقوى بدوره لكنه متأثر شكليا لحد التقليد بالصورة النمطية لعصابات الأفرو- أمريكيين الإجرامية، فال تبدو من أصول آسيوية -هندية على وجه التحديد- تدرس علم النفس فى محاولة للارتقاء اجتماعيا ومتأثرة بالروحانيات والطعام والشراب الصحيين أما الأم فتمثل الحكمة وسنوات الخبرة فى النضال المدنى ضد العنصرية بحلول ربما تبدو ساذجة للوهلة الأولى لكنها فى الحقيقة الحل الجذرى لكسر دائرة العنف.

هذه الأيديولوجيات المتعددة والمتصادمة تفتح الباب لعشرات الأفكار والوقوف أمام النفس بغرض الإصلاح والتطهير، بناء السيناريو يعمل وفق هذه المنظومة من الصدامات الصغيرة سواء بين الشخصيات وبعضها البعض أو بين الشخصية ونفسها ويلعب دائما على تأخير المعلومة المكملة للصورة الكبرى بغرض تضخيم التأثير عند الكشف عنها، والمؤلفان يمهدان بخطوات بطيئة وعلى مهل لما يريدان الوصول له ويستغلان أغراضا جامدة لا حياة فيها أو ذكاء لتكثيف المعنى هى مجرد ادوات تنتقل بين الشخصيات لتختلف استخداماتها، المسدس الذى اشتراه ميلز بشكل غير قانونى بغرض الحماية يتحول فى يد ابنه الصغير لأداة مرعبة وعند استعادته يتحول استخدامه عند مايلز لأداة يعبر بها عن غضبه واكتساب احترام يفتقده لكن فى نظر الآخرين لا يكون هذا الشخص المحترم أو المنتمى لمجتمع الأفرو- أمريكيين على الرغم من بياض بشرته، وعندما ينتقل المسدس ليد كولين يتحول لأداة يخضع بها الآخرين ويجبرهم على سماع رأيه وحقيقة مشاعره ولكن باستخدام ما يعبر عن هويته وهو الغناء بطريقة الـ»راب»، هذه الأداة البسيطة وتحولاتها تكشف لحد كبير قصور الرؤية عند شخصيات الفيلم وتوضح النقاط العمياء التى يغفلون عنها لكن هذه النقاط هى ما تصنع الفوارق الكبرى فى حياتهم.