د. أماني ألبرت تكتب: قراءة في المشهد الإعلامي لمقتل الأنبا ابيفانوس

مقالات الرأي



أثار مقتل الأنبا ابيفانوس اهتمام الرأي العام، فالحادث جلل وصادم وغير معتاد. مما أثار الكثير من التساؤلات التي ذهبت أبعد من الحادث نفسه، ووقف كثيرين على تحليل ما وراء القصة ومحاولة قراءة المشهد بشكل أوضح.
 
غطي المشهد الإعلامي القصة وحاول الوقوف على أسبابها المحتملة، وحملت التغطية في طياتها بعض الخلفيات غير المعروفة للكل، كمحاولة مخلصة من البعض لتحقيق الحرفية الإعلامية ومحاولة خبيثة من البعض الآخر لإحداث الوقيعة والشقاقات والبلبلة.

يمكننا قراءة المشهد الإعلامي من خلال ثلاثتغطيات، الأولى اعلام الكنيسة، الثانية الصحف والثالثة رؤية الشعب المصري بكافة خلفياته على الشوسيال ميديا.

أولاً: الإعلام الكنسي
كتبت صفحة المتحدث الرسمي للكنيسة يوم الحادث الساعة 9:39 صباحًا عن رحيل مفاجئ للأنبا ابيفانوس دون الإشارة للقتل، ثم تم الإشارة له بعد الساعة الرابعة ظهرًا!

وبعد تداول ورقة على "فيس بوك"، لتجريد راهبين قال المتحدث الرسمى نقلا عن الانبا دانيال، إن لجنة شئون الرهبنة لم تقرر حتى الساعة أية قرارات من هذا النوع. وفي اليوم التالي تم إعلان ورقة مكتوبة بخط وإمضاء البابا بتجريد أحدهم.

كما لوحظ تأخر المعالجة الإعلامية للقنوات القبطية الثلاث إذ لم تقم أي قناة منهم بالإشارة أو التنوية إلا من قناة CTV في أخر يوم الحادث. مما أثار تساؤلات عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن سبب تجاهل الحدث الجلل.

حينما يتأخر صدور البيانات الرسمية وحينما يتم نفي خبر ثم تأكيده في اليوم التالي فهذا يفتح الباب للإجتهاد والتصورات والحوارات التي يمكن إنهاؤها بالحضور والتواجد الإعلامي. فأول ما علمناه لطلابنافي الإعلام هو ضرورة توافر عنصر الآنية في الأخبار أي السرعة. إذن ما جدوى نشره بعد فوات الآوان؟ في عصرنا الحالي التعتيم مستحيل، والتردد يثير علامات الإستفهام، والتأخر يفتح أبواب الشائعات والأكاذيب.

وهو ما يضعنا أمام تساؤل مفتوح ألم يحن الوقت لتستعين الكنيسة بالكوادر من أبنائها الإعلاميين والصحفيين؟ لماذا يجب أن يكون المتحدث الرسمي للكنيسة قمص أو قس؟ وهوالذي لو تفرغ للعمل الروحي مفسحًا المجال لمتخصص سيكون قدم خدمة عظيمة للكنيسة.

ثانياً: التغطيات الصحفية
تلقف البعض الحادث بلهفة على أنه فرصة ذهبية لنقد الكنيسة أو البابا في ظل عناوين بعضها مثير، وسار البعض على درب التغطية التقليدية المحافظة حرصًا على المشاعر، بينما قدمت الصحفية "سارة علام" نموذجًا متميزًا في تغطية هذه القضية. سمعتها أولاً تتحدث في قناة BBC بتحليل موضوعي وتفاصيل دقيقة تنم عن معرفة كنسية واسعة ثم فوجئت أنها مسلمة!. أدركت أن سارة علام قامت بأداء واجبها الصحفي جيدًا فمعرفتها ليست وليدة اليوم إنما نتيجة بحث مستمر وجاد ليس بهدف التشوية بل بهدف البحث عن الحقيقية. 

وفي الوقت الذي أحدث البعض ضجيجًا دون أن نرى طحين، قدمت سارة علام نموذجًا للصحفي الكفوء، كل كلمة كتبتها لها وزنها،إلتزمت الحرفية والحيادية والموضوعية، تجنبت أى إساءة أو تشكيك أو تشويه، ما كتبته عبر عما تحمله في أعماقها ’احترام الآخر‘. وهو يعبر عن اتجاه كثيرين ممنينبذون التعصب ويكرهون الكراهية، يحبونويقبلونالآخر ويخافون على مشاعره ولا يشككون فيه، ويتألمون لأوجاعه ومصائبه. 

ما كتبتهسارة يمكن أن ندرسه في كلياتنا عن نموذج حي ومثال حقيقي للحمة الوطنية وكمثال قالت "أثق إن الكنيسة ستعبر محنتها، إن دم الأسقف الوديع لن يكون إلا فداءًا للرهبنة، أؤمن إن موته سيغير الكثير، كما كانت حياته".

ثالثاً: السوشيال ميديا 
شهد الفضاء الافتراضي حرب كلامية وسجال متبادل بين فريقين، فريق وجدها فرصة ليركب موجة من الكراهية وبث روح التعصب والإساءة للآخر، وتوجيه أصابع الإتهام. وفريق متعقل اهتم قبل أي شيء بمراعاة مشاعر أخوة الوطن فلم يسيئوا بأي كلمة بل رفضوا حتى التعليق، وكمثال ما كتبه دكتور خالد رفعت على صفحته "إخواتى المسلمين زى ما بنزعل لما حد من اخواتنا المسيحيين يتدخل فى اى شئ يخص ديننا... ارجو الا نتدخل نحن فى قصة مقتل الراهب او الخلافات بين انصار متى المسكين وانصار البابا شنودة... ده كله شأن داخلي بهم.. ارجو الا نعلق عليه او ننشر اشاعات عنه... نحن شركاء وطن ولسنا شركاء دين".

كما انقسم المسيحين إلى فريقين، فريق مؤيد للبابا وفريق يتهمة بأنه قدم الراهب ككبش فداء للحادث لأنه جرده، وسموا أنفسهم "حماة الإيمان" ضد تيار التجديد الذي تبناه البابا تواضروس في عدة أمور منها محاولة الوحدة الكنسية أو التقارب بين الكنائس من الطوائف المختلفة الأمر الذي رفضه المتشددون باعتباره يفسد الإيمان! وهو ما يذكرني بكلمات القديس بولس الرسول "أُخْبِرْتُ عَنْكُمْ يَا إِخْوَتِي أَنَّ بَيْنَكُمْ خُصُومَاتٍ.فَأَنَا أَعْنِي هذَا: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَقُولُ: «أَنَا لِبُولُسَ»، و«َأَنَا لأَبُلُّوسَ»، وَ«أَنَا لِصَفَا»، وَ«أَنَا لِلْمَسِيحِ». هَلِ انْقَسَمَ الْمَسِيحُ؟" (الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 1: 13-14).

كان الله في عون البابا تواضروس لما يواجهه هذه الأيام، لعلي سأقول له نفس كلمات مقدمة كتاب حياة الصلاة الأرثوزوكسية للأب متى المسكين، التي كتبها آنذاك السيد نظير جيد المدرس بالكلية الإكليريكية (البابا شنودة فيما بعد) كانت تقول "أي عمل من أعمال الله، لابد أن يحاربه الشيطان، وكأي عمل من أعمال الله لابد أن ينتصر في تلك المحاربات".