عادل حمودة يكتب: أنقذوا السياحة من خراب البيوت

مقالات الرأي



إغلاق 60٪ من فنادق البحر الأحمر وأسوان بسبب ارتفاع أسعار المياه والكهرباء والغاز

مستثمرو شرم الشيخ رفضوا جدولة ديون الكهرباء خوفًا من السجن

أحد مطالبات الكهرباء وتزيد على 13 مليونًا


أنفق المصريون فى روسيا مليار جنيه ليتابعوا كأس العالم ولكنهم من وفرة شعورهم بالمتعة قرر أغلبهم العودة إليها لقضاء إجازاته هناك.

لم تقتصر المتعة على المباريات المثيرة التى نظمت باحتراف وحكمت 2.8 مليون مشجع أجنبى دون حادث شغب واحد وإنما امتدت المتعة إلى الحياة اليومية المريحة من الطعام إلى المنام ومن السفر إلى السهر ومن الصحة إلى الصرافة.

إن فنادق ثلاث نجوم تخدم زبائنها بجودة خمس نجوم.. والمطاعم الصغيرة نظيفة تقدم أطباقا شهية بأسعار رخيصة.. ومراكز التسوق تعرض آخر صيحات الموضة بأثمان قادرة على المنافسة.. والسهرات فى الملاهى الليلية تشهد عروضا جذابة تكشف فيها المرأة الروسية عن فتنة تشعر الرجال الغرباء بالندم لأنهم تزوجوا من جنسيات أخرى غيرها.

لقد انتظر المصريون أن يأتى الروس إليهم وعندما تأخروا ذهبنا إليهم وبعد أن كنا نقبض منهم أصبحنا ندفع إليهم.

قبل روسيا بسنوات اكتشف المصريون أن قضاء شهر فى اليونان أرخص من قضاء أسبوع فى إحدى قرى البحر الأحمر خاصة أن سعر تذكرة الطائرة إلى أثينا على شركتها الوطنية أقل من سعر تذكرة الطائرة إلى شرم الشيخ أو الغردقة أو الأقصر أو أسوان أو مرسى علم على شركتنا الوطنية.

إن إيجار فيللا من خمس غرف تطل مباشرة على البحر فى كريت أو رودس أو ميكونوس لا يزيد على 80 ألف جنيه فى الشهر، بينما إيجار فيللا صغيرة محشورة بين المبانى وبعيدة عن الشاطئ فى قرية على الساحل الشمالى يتراوح ما بين 150 و230 ألف جنيه وهو ما يغرى ملاكها باستئجارها ليقضوا بعائدها المرتفع إجازة أرخص فى الخارج.

وفى الوقت الذى يتكلف فيه حفل زفاف متواضع فى فندق على أطراف القاهرة ما يزيد عن المليون جنيه تنخفض الفاتورة إلى الثلث فى اليونان أو قبرص أو صقلية، مما جعل أعدادا متزايدة من المصريين يقيمون أفراح أبنائهم هناك بعيدا عن نميمة المجتمع وأخبار الصحف المتربصة بهم.

وما إن انتهى شهر رمضان حتى بدأ موسم سفر المصريين للتسوق فى الخارج ويصعب خلال شهرى يوليو وأغسطس الحصول على مقعد فى طائرة متجهة إلى لندن أو باريس أو روما ورغم ارتفاع أسعار التذاكر وضعف قيمة الجنيه أمام اليورو والإسترلينى والدولار فإنه يمكن شراء ملابس بأسعار أرخص من مثيلاتها فى مصر.

وليس هناك أدنى شك فى أن ذلك كله يستنزف ملايين من العملات الصعبة تصبح مليارات إذا ما أضفنا إليها رحلات الحج والعمرة التى قصرت السعودية تأشيراتها السياحية (26 ألف تأشيرة) فى موسم الحج الأخير على شركاتها.

وأخشى أن يكون ما ينفقه المصريون فى الخارج أصبح أكبر مما ينفقه الأجانب فى مصر.

بل وأخشى أن تنهار السياحة فى مصر.

إن السياحة أسرع طوق نجاة للاقتصاد الذى يحتاج وقتا للتعافى بسبب شدة الآثار الجانبية لتناول روشتة صندوق النقد الدولى.

يسهل على السياحة باستثماراتها الضخمة أن تأتى بالعملات الصعبة فى وقت تراجعت فيه الصادرات الزراعية بسبب خطة توفير المياه بجانب أن الصادرات الصناعية تتلقى دعما لا تحظى به السياحة التى تركت تناجى ربها وحدها لعله ينقذها مما وجدت نفسها فيه أو يقويها على احتماله.

لا تعانى السياحة فقط من ضعف الإقبال الخارجى عليها وبيع خدماتها بأسعار منخفضة إلى حد مهين وإنما تعانى أيضا من ارتفاع تكلفة الخدمة التى تقدمها بسبب زيادة أسعار المياه والكهرباء والصرف الصحى والغاز الطبيعى وأجور العمال والضرائب المفروضة عليها وارتفاع سعر الفائدة البنكية على قروضها بجانب رسوم بالملايين تخترعها إدارات الحكم المحلى وتجبرها على دفعها وإلا أغلقت منشآتها أو حجزت عليها وباعتها بالمزاد العلنى لصالحها.

إن فندقا واحدا فى شرم الشيخ وصلت مديونية الكهرباء التى عليه دفعها إلى 13 مليونا و468 ألفا و982 جنيهاً وأصبح على أصحابه سدادها أو جدولتها خلال أسبوع واحد وإلا اضطرت حسب الخطاب المرسل من فاطمة السباعى مدير الشئون المالية والتجارية فى شركة الكهرباء إلى قطع التيار واتخاذ الإجراءات القانونية.

وخشية أن تظلم المدينة السياحية المبهرة لعجز غالبية القرى والفنادق عن دفع متأخرات الكهرباء تدخل محافظ جنوب سيناء خالد فودة وعقد اجتماعا بين رئيس مجلس إدارة شركة الكهرباء المهندس محمد أحمد السيد ومستثمرى شرم الشيخ ليتفقوا بعد ساعات من النقاش على حل وسط وهو جدولة الديون بدون فوائد لمدة ثلاث سنوات أو تخفيض المديونية بنسبة 15 % إذا ما سددت فوريا.

ولكن الشركة اشترطت أن يكتب المستثمرون عددا من الشيكات بقيمة المديونية خشية أن يعجزوا عن السداد فيجدون أنفسهم فى السجن.

بجانب المشكلة أن المديونية ستتزايد مع مزيد من استهلاك الكهرباء دون عائد يغطيها ويغطى تكاليف المياه والعمالة والطاقة وارتفاع أسعار المأكولات والمشروبات وبعضها يستورد من الخارج بسعر الدولار المتهور.

وفى ظل الأزمة الحادة خرج خطاب من سكرتير عام محافظة جنوب سيناء يطالب مستثمرى شرم الشيخ بدفع رسوم استغلال للشواطئ الواقعة أمام فنادقهم، رغم أن الولاية على الشواطئ ليست للمحافظة وإنما للهيئة العامة لحماية الشواطئ التى صرحت بإقامة الفنادق على شواطئ البحر الأحمر وسبق أن قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية وزير الحكم المحلى فى فرض رسوم لا يقرها مجلس الشعب (القضية رقم 36 لسنة 18 قضائية بتاريخ 3 يناير 1998).

واللافت للنظر أن المبالغ المطلوبة من أصحاب الفنادق تقدر بالملايين، كما أنها قدرت بأثر رجعى وهو ما جعل رئيس غرفة المنشآت الفندقية أحمد الوصيف يستفتى مكتب الشلقانى للاستشارات القانونية فى مدى أحقية محافظة البحر الأحمر فى فرض هذه الرسوم وانتهى تقرير المكتب (11 صفحة) إلى انعدام السند القانونى للمحافظة فى المطالبة بهذه الرسوم.

ولكن رئيس مجلس مدينة شرم الشيخ لم يعبأ بتلك الفتوى القانونية وأرسل إنذارا على يد محضر لملاك الفنادق : يا الدفع يا الحجز.

والأسوأ أن كثيرا من المنشآت السياحية اقترضت من البنوك لتواصل نشاطها ولكن أغلبها عجز عن السداد فى ظل ارتفاع سعر الفائدة (17.5% فى ظل الأزمة بعد أن كانت 10% فى ظل الرواج) ووصل اليأس ببعض ملاكها إلى حد أنه عرض بنفسه على البنك الاستيلاء عليها ولكن البنك رفض وواصل ضغوطه وتهديداته القانونية دون توقف.

إن فى شرم الشيخ على سبيل المثال 225 فندقا أغلق منها 100 فندق ولم تزد نسبة إشغال المفتوح منها عن 60% ولكن أغلب زبائنها مصريون استفادوا من الأسعار الرخيصة ليقضوا إجازاتهم الصيفية بعيدا عن الساحل الذى لم تعد أسعاره فى متناولهم بجانب قليل من الأوكرانيين.

ولو استمرت السياحة على ما هى عليه فإن نسبة منشآتها المغلقة ستتزايد يوما بعد يوم وربما وصلت خلال العام الجارى إلى أكثر من النسبة الحالية بجانب صعوبة تجديد ما يستهلك من المبانى والمفروشات والأثاث ووسائل النقل وأجهزة الكمبيوتر.

أكثر من ذلك فقدت السياحة أعدادا هائلة من كوادرها المدربة التى بحثت عن لقمة فى المطاعم أو فى خارج البلاد ويصعب تعويض تلك الكوادر لو استردت السياحة صحتها وحيويتها.

إن السياحة تحتاج إلى إنشاء بنك خاص بها يستوعب متاعبها ويسعى إلى إنقاذها ولنا فى تجربة بنك التسليف الزراعى أسوة حسنة.

خرج بنك التسليف الزراعى إلى النور فى عام 1930 فى وقت تراكمت فيه الديون على المزارعين وراحت البنوك العقارية الأجنبية تستغل عجزهم عن السداد بالاستيلاء على أراضيهم، وهنا تدخل رئيس الحكومة إسماعيل صدقى لينشئ البنك ويجبره على مساندة المزارعين حتى يتجاوزوا الأزمة دون التفريط فى ممتلكاتهم.

وتشبه ظروف السياحة الآن ظروف الأراضى الزراعية فى ذلك الوقت البعيد، فمنشآتها مهددة بالاستيلاء عليها سدادا لديونها أو لفوائد ديونها، كما أن تأثير السياحة فى الاقتصاد القومى الآن لا يقل عن تأثير الزراعة قبل أكثر من ثلاثة أرباع القرن.

ولكن ذلك كله لا ينفى بناء أكبر قاعة مؤتمرات فى شرم الشيخ تكلفت مرحلتها الأولى نصف مليار جنيه ليلحق بها فى المرحلة الثانية مدينة يخوت وبعض التجمعات السكانية والبحيرات الصناعية وستلحق القاعة الجديدة بالقاعة الحالية ليحققا معا حلم أن تكون المدينة الشهيرة مدينة مؤتمرات تنعش السياحة بأسلوب مختلف وربما بدأ نشاطها بالمؤتمر القادم للشباب ليلحق به مؤتمر عالمى عن البيئة ومؤتمر آخر لشركات المحمول فى العالم كله.

ويدعو المحافظ اللواء خالد فودة وزراء الاستثمار والسياحة والتخطيط للترويج للمشروع الذى سينعش المدينة ويعيد إليها جاذبيتها.

لكن المشروع الأهم الذى أعلن عنه المحافظ هو تمهيد طريق جديد إلى شرم الشيخ تتوافر عليه الخدمات ولا يستغرق من القاهرة أكثر من ثلاث ساعات ويشجع على السفر بالسيارات ويوفر تكاليف السفر بالطائرات.

على أن السياحة التى تهمنا هى السياحة الأجنبية فهى لا تجلب بسهولة ما نحتاج من عملات صعبة وإنما تستوعب أعدادا متزايدة من العمالة وقبل ذلك فإنها تنشط نحو 40 صناعة تعتمد عليها مثل صناعة الأثاث والمفروشات والأطعمة والمأكولات بجانب أن السياحة تشغل مهنا أخرى جانبية مثل المقاهى والمطاعم والتسوق والنقل والترفيه.

ولكن السياحة التى نريدها هى السياحة الأجنبية التى تنعش الدخل القومى بحقن مغذية من العملات الصعبة وهنا نجد مشكلة يعصب تجاوزها هى التناقض والتنافر بين السياحة والطيران.

وزارة السياحة ترى أن الترويج الذى تقوم به لجلب السياح إلى مصر لو نجح فإنه يصطدم بعقبة نقلهم جوا إلى مصر، فوزارة الطيران لا تستجيب لمطالبها بتشغيل خطوط جديدة أو رحلات إضافية على خطوط قائمة بحجة أن الشركة الوطنية تخسر دون أن تستوعب أن الخسارة فى الطيران تعوضها الزيادة فى السياحة، وفى النهاية هما معا فى حكومة واحدة لها موازنة عامة واحدة.

ويجمع خبراء السياحة على أن الحل الوحيد هو أن يكون الطيران والسياحة فى وزارة واحدة فهما وجهان لعملة واحدة، كما أن جمعهما معا حدث فى كثير من الحكومات السابقة التى حققت نجاحا اقتصاديا واضحا فلم لا نجرب هذا الحل؟