أحمد فايق يكتب: سر "العود" الياباني

مقالات الرأي



٢٤ يوما فى بلاد الكابتن ماجد ومازنجر وأوشين "3"


أراد زميلى مؤمن خاطر برديوسر برنامج «مصر تستطيع» أن يشترى خط تليفون، حينما ذهب الى شركة للتليفون المحمول، قالوا له ليس من حق اى زائر شراء خط تليفون يابانى الا وفق إجراءات صارمة وقد تكون مستحيلة، فيجب ان يمتلك فيزا من بنك يابانى وهذا مستحيل بالنسبة لفريق عمل قادم للتصوير ٢٤ يوما، هم يفعلون ذلك وفقا لاجراءات أمنية مشددة.

ليس أمام مؤمن سوى شراء خط داتا من الشركة،  وبالطبع وفقا لإجراءات أقل صرامة منها تصوير جواز السفر الخاص به وتأشيرات الدخول إلى اليابان، طلبنا من الموظف بالشركة أن يقوم بتشغيل الخط داخل جهاز الموبايل، رفض وقال إن قواعد الشركة لا تسمح بذلك، قلنا له المعلومات كلها باليابانى ولا نستطيع تشغيل الخط اصر على موقفه واستدعى العاملين معه للتداول فى الامر، بعد ١٠ دقائق من الشد والجذب، خرج الموظف بِنَا وابتعد عن مقر الشركة وقال هنا استطيع مساعدتكم بتركيب الخط، لكننى لا استطيع أن أفعل هذا داخل الشركة احتراما للقواعد. 

هذا الموقف يوضح لك طبيعة الشخصية اليابانية المتعاونة لكنه يلتزم بالقواعد والنظام حتى لو كانت ضد المنطق.

ليست  اليابان كما كنت أتخيل، بل هى بلد قاسية، تسير وفق نظام صارم من يحاول الخروج منه تدوسه عجلات قطار «الشانكاسن» أو قطار الطلقة السريع، نادرا ماترى فى شوارع اليابان مواطنا ممتلئا، وتعجب حينما تجد احدهم يتجاوز الثمانين عاما وتبدو هيئته وطريقة سيره مثل شاب لم يتخرج بعد من الجامعة، لا تتوقف الحياة حينما تمطر، بل يرفع الجميع الشمسية ويسيرون تحتها بمنتهى الهدوء، الناس يسيرون فى الشوارع أفواجا أكثر من السيارات وبطريقة منظمة جدا تجبرك على الوقوف انبهارا، مهلا لاتستطيع أن تتوقف كثيرا فسوف تزيحك الأفواج من مكانك، ليس لأمثالنا نصيب فى محلات الملابس اليابانية، فجميع المقاسات صغيرة ولا تصلح إلا لأصحاب الأجسام الرياضية، ليست جينات كما يعتقد البعض، بل نمط حياة يجبرك على حرق كل وزن زائد، فى اليابان لا توجد أى مهن مساعدة، لن تجد هناك «سايس» يساعدك فى ركن السيارة، ولن تجد من يغسل لك سيارتك، وليس هناك بواب ليشترى لك الخضار من السوق، ولا يوجد فى المطار من يحمل عنك حقائبك، ولن تجد فى محطة القطار من يساعدك فى حمل الحقائب، ولن تجد فى المدرسة من ينظف وراءك الفصل، وفِى ملعب الكرة أو النادى لن تجد من ينظف وراءك، لا يوجد نقاش فى اليابان فأنت من يقوم بذلك فى منزلك، ولا يوجد من ينظف لك منزلك مقابل أجر مادى، وفِى الشتاء أن تجد من يزيح الجليد حول سيارتك، هذه المهن تحت بند الرفاهية التى لا يقدر عليها الأغنياء ومتوسطو الدخل وبطبيعة الحال الفقراء، نمط الحياة يجبرك أن تترك سيارتك وتعتمد على المواصلات العامة وقدمك والدراجة، السيارة تتحول الى عبء كبير على المواطن هنا، ثمن الجراج ضخم جدا وليست هناك جراجات مجانية إلا فى أضيق الحدود،  حينما قابلت العالم المصرى الشاب ياسر خليل فى جامعة هوكايدو، قال لى إنه الوحيد تقريبا فى كلية الطب الذى يستطيع وضع سيارته أمام مبنى الكلية بمقابل رمزى، والسبب هو أن منزله يبعد ٣ كيلومترات عن محطة المترو، وحصل على استثناء من رئيس الجامعة بذلك، أما بقية الأساتذة فمن حقهم أيضا ولكن بمقابل ضخم، لذلك ستجد جراجا ضخما بالجامعة عبارة عن دراجات، أساتذة كبار يأتون إلى الجامعة بالدراجة بجوار الطلاب، نمط الحياة فى اليابان يجعلك تسير مالايقل عن ٧ كيلومترات فى الْيَوْمَ الواحد، لهذا السبب يحافظ الشعب على رشاقته. 

الطعام ليس فيه أشياء دسمة ويعتمد اكثر على الخضروات، وفِى عاداتهم وتقاليدهم لا يقدمون لك طبق أرز ملئ بل القليل منه تقريبا ٤ ملاعق، والفاكهة لا تباع بالكيلو بل بالقطعة، فهم لا يأكلون ايضا بالكيلو بل بالقطعة. 

فى المقابل يشربون المياه بكميات ضخمة يوميا، ولم أر فى حياتى مياها بجمال طعم المياه اليابانية، كنت اشرب فى الْيَوْمَ ٥ لترات على الأقل، فهم يضعون على المياه نكهات تجعلها محببة وتبدو كأنها مياه غازية، ستجد المياه هناك بالليمون والبرتقال والجوافة والمانجو. 

شرب المياه فى اليابان متعة لم أرها فى مكان آخر بالعالم، إنهم لايشبعون حينما يأكلون ولا يأكلون حتى يشبعوا إنهم يقسمون معدتهم لثلاث ثلث للمياه وثلث للطعام الصحى وثلث للرياضة، لقد رأيت هنا كل ماكان أبى يقوله لى عن أجدادنا «نام خفيف» و«كل نصف بطن» «وامشى شوية عشان تعيش».